حذر عدد من خبراء الاقتصاد والحقوقيين وبعض الدراسات من زيادة الأعباء والمعاناة علي الفقراء بسبب قيام الحكومة بخفض العجز في الإنفاق دون وجود رؤية اقتصادية واسعة ومراجعة جادة لهيكل الإنفاق العام. وانتقدوا ضعف الإنفاق علي التعليم والصحة كنسبة من الناتج المحلي مؤكدين أن موازنة الدولة تهتم باسكان متوسطي الدخل، ولا مكان للفقراء فيها. السياسات المالية التي تحكم الموازنة العامة للدولة 2014 - 2015 سوف تؤدي إلي زيادة معاناة الفقراء بسبب تركيزها على خفض العجز في الإنفاق دون إجراءات حماية اجتماعية. هذا ما اكدته دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية تحت عنوان «البيان المالى للموازنة العامة للدولة: إجراءات تقشفية لمواجهة أزمة على حساب العدالة الاجتماعية». وألمحت إلي أن خفض العجز في الموازنة بما لا يتجاوز 10% من الناتج المحلي الاجمالي يفتقر إلي رؤية اقتصادية واسعة، وإلي اجراءات اقتصادية تحد من تأثيره السلبي أو تؤدي لمراجعة جادة لهيكل الإنفاق العام الذى ينتج عجزاً مستمراً، أو رؤية متكاملة للتعامل مع المشكلات الهيكلية للاقتصاد القومي ككل. وخفضت الموازنة الجديدة العجز من 288 مليار جنيه فى البيان المبدئى المعروض نهاية مايو الماضى إلى 240 مليار جنيه فى البيان المالى الصادر عن الموازنة العامة للدولة لعام 2014/2015 ، والتعديل الذي اجرته الرئاسة من اجل خفض العجز المتوقع يسعى لتوفير 48 مليار جنيه فى حين لم يتم تخصيص سوى 5.7 مليار جنيه اضافية فقط عن مستواها في العام الماضي من أجل شبكات الأمان الإجتماعى لحماية الفقراء وسيتم تخصيصها لمعاشات الضمان الإجتماعى والتي تعاني من مشكلات التدني الشديد في المخصصات وعدم استفادة كافة المستحقين. في الوقت نفسه، لم يتم توجيه هذا الوفر إلى زيادة ملموسة في الإنفاق على القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثيرا على الفقراء من صحة وتعليم. الصحة والتعليم الإنفاق على الصحة لم يتجاوز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 0.2% عن مستواها في العام الماضي لتبلغ 1.8%. وكذلك فى التعليم، بقيت نسبة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلي الإجمالي دون تغيير يذكر، بل وانخفضت بنسبة طفيفة عن مستواها في العام السابق. وبهذا ما زالت النسب المقررة للإنفاق على قطاعي التعليم و الصحة بعيدة للغاية عن النسب المقررة في الدستور الجديد والتي تستهدف تخصيص 6% من الناتج القومي الإجمالي للتعليم و3% للصحة. لا مكان للفقراء وتظهر الخطة الاقتصادية والاجتماعية للسنة المالية 2014-2015 خلل سياسة الحكومة في مجال الإسكان، وبخاصة في دعم الفقراء في تحقيق حقهم في مسكن ملائم، حيث لن يستفيد الفقراء من القدر الأكبر من المخصصات المالية لمشاريع الإسكان هذا العام، التي تقدر بنحو 11.2 مليار جنيه. ويأتي ذلك في الوقت الذي أبدت وزارة الإسكان في الأشهر القليلة الماضية استعدادها لتغيير هذه السياسة، عندما عقدت جلسة نقاش حول وضع سياسة إسكان جديدة لمصر وضمت مسؤولين من وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية ومنظمة الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية بالإضافة إلى خبراء في مجال الإسكان والعمران، من مصر وخارجها، وممثلين عن المجتمع المدني المعني بالعمران. دعم الاسكان تحليل موازنة مشاريع الإسكان لعام 2014-2015 يكشف أن استفادة الفقراء من مخصصات دعم الإسكان لا تتعدى ال0.5%. تتوجه هذه النسبة الضئيلة من المخصصات لإنشاء وحدات الأولى بالرعاية ب «مشروع الإسكان القومي»، المعروف ب «إسكان مبارك»، وهي وحدات صغيرة ذات مساحة 42 مترًا، وهي غير ملائمة للسكن العائلي. وذلك علي الرغم من أن هذا المشروع كان يفترض أن ينتهي في العام المالي 2011-2012، ولكنه لسبب ما لا يزال مستمراً. كما جاء في ورقة سياسات الإسكان رقم 3 التي أعدها يحيي شوكت مسئول حقوق السكن والأرض بوحدة العدالة الاقتصادية. وأشار الي أن باقي الاستثمارات، في قطاع الاسكان مبهمة ومجحفه علي حد وصف التقرير موضحه أن المشاريع التي قد تخصص لهم فيها، بها أخطاء فنية تمنع الاستفادة بها. ويحدد يحيي شوكت في تصريحات للوفد المشكلة الحقيقية، في «البرنامج القومي للإسكان الاجتماعي»، وهو أكبر برامج الإسكان التي تتبناها الحكومة، وهو الذي تم تخصيص 9.5 مليار جنيه له لتغطية ثلاثة مشاريع به، وهي: « مشروع الإسكان الاجتماعي»، المعروف ب«المليون وحدة»، وهو عبارة عن وحدات سكنية جاهزة وموجه إلى محدودي الدخل، و«مشروع الإسكان العائلي»، وهو عبارة عن قطع أراضٍ صغيرة لمتوسطي الدخل، ومشروع يوفر قطع أراضٍ للقادرين، وهو «مشروع بيت الوطن». ويلاحظ «شوكت» أنه لا يوجد تقسيم في الميزانية للإنفاق على هذه المشاريع الثلاثة، كل مشروع على حدة، مما يحجب حجم الإنفاق الفعلي على «مشروع الإسكان الاجتماعي» لمحدودي الدخل وحده، مما يثير الشك حول مزاعم الحكومة بأن مخصصاته «تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين». فالبرنامج المخصص له هذه المليارات يخدم متوسطي الدخل وذوي الدخول فوق المتوسطة والأغنياء، وكل ذلك حسب تعريف الخطة للمشروع. ويشير «شوكت» إلي الغياب التام للاهتمام بالدعم المالي للإسكان، حيث أن إجمالي قيمة الدعم ما بين المخصص النقدي أو المخصص لقرض التمويل العقاري أو دعم فائدة القروض الميسرة، هو 1.4 مليار جنيه، بما يمثل فقط 0.6% من بين جملة مخصصات الدعم بموازنة 2014-2015 والمقدرة ب 229.6 مليار جنيه. هذا بالإضافة إلى توجيه معظم هذا الدعم الضئيل إلى فئات الدخل المتوسطة فما أعلى، مع استفادة لا تذكر للفقراء لأنه موجه إلى وحدات التمويل العقاري. محمد الاتربي العضو المنتدب بنك المصرف الخليجي، يطالب بضرورة العمل علي وصول الدعم إلي مستحقيه، حتى يشعر الفقراء بأن الدولة تهتم بهم وتصل إليهم مشيرا إلي ان هناك دعما كبيرا ينفق من ميزانية الدولة ولكن لا يصل إلي مستحقيه. وأوضح أنه يميل إلي الدعم النقدي الذي يقلل من عملية تسريب الدعم العيني، والذي لا يصل إلي مستحقيه، موضحا أن علاج عجز الموازنة أصبح ضرورة ملحة لصناع القرار ، ويجب أن يتم ذلك دون أن تكون هناك أية ضغوط علي الفقراء. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قدمت عددا من التوصيات لوزير الاسكان تتمثل في ضبط ومراقبة السوق العقاري بحيث يكون الغرض الأساسي من دعم الدولة للإسكان هو تقريب الفجوة بين أسعار السكن والدخول. ولكن في الوقت الذي تنفق الدولة مليارات الجنيهات على مشاريع إسكان مدعمة، تضع سياسات تزيد الفجوة بين الأسعار والدخول بنسبة تفوق نسبة الدعم، منها: رفع أسعار أراضي البناء، وأسعار مواد البناء، وعدم تشجيع عملية البناء الرسمي. لذا يجب تأسيس جهة مستقلة تراقب سوق العقارات والسياسات الحاكمة له. وإعادة توجيه دعم الإسكان ليصل إلى الفقراء وإنشاء قاعدة بيانات موحدة لكل المنتفعين من مشاريع الإسكان المدعم المختلفة، وتأسيس جهة حكومية تنظم أعمال الإسكان المدعم بين الجهات المختلفة التي لها حق استغلال موارد وأموال الدولة لبناء إسكان مدعم. ووضع خطة لدعم المسكن تستجيب للتحديات المختلفة بالعمل على أكثر من محور منها: زيادة محاور دعم الدولة للإسكان، التي اقتصرت على بناء وحدات إسكان نمطية جاهزة، وتوفير قطع أراضٍ للبناء بسعر مخفّض عن سعر السوق، وتوفير قروض ميسرة لبناء الإسكان التعاوني. يجب التركيز على توفير برامج تستجيب بطريقة أفضل لاحتياجات المواطنين الإسكانية المختلفة والتي تختلف باختلاف طبيعة منطقة السكن (الريف أو الحضر) وباختلاف العادات والثقافات. بالاضافة الي العمل علي توجيه دعم إسكاني للأسر التي لها مساكن غير ملائمة لأسباب تتعلق بأخطاء البناء، قانونية الحيازة، نقص المرافق والخدمات، أو غيرها من الأسباب التي تجعل المسكن غير ملائم.