اغمض عيناك.. سد أذناك.. اطبق شفتاك.. وحاول إطلاق الكلمات لو شئت قيد إحدي يديك أو قدميك.. حاول الاستغناء عن عقلك ولو لدقائق، سر الآن في أقل محيط ممكن حولك، صارك نفسك بشعورك الآن هل تستطيع؟؟! صعبة هي الحياة بدون كلام.. أو حركة بدون عينيك أو عقلك لكنها ليست مستحيلة.. ستعيشها بما توفر لك من حواس لأنك تملك الإحساس، نموت فقط عندما نفقد أرواحنا. قد يعتبر الأهل أن الطفل المعاق «مصيبة» حلت بالأسرة.. بل إن البعض تأخذه القسوة ليعتبره «عيبا» لابد من مداراته.. وربما تعتبر بعض الأسر أن طفلها الذي خلق باحتياجات خاصة «اختبار من الله» وفي أحيان أخري سينظر اليه علي أنه «بركة» وربما دعم ذلك التناول الدرامي علي مر سنوات طويلة عاني فيها ذوو الاحتياجات الخاصة الكثير من التهميش والإهمال بل و«التشويه» أيضا. وهنا تكمن «الإعاقة» الحقيقية هي بداخلنا إذن.. في طريقة تفكيرنا وتعاطينا مع اخواتنا وأبنائنا من ذووي الاحتياجات الخاصة فمن قال إن فاقد البصر لا يري وفاقد القدرة علي الحركة «مشلول». إذا كان الأمر كذلك فكيف نري إذن عبقرية طه حسين وكيف نفسر عذوبة ألحان ونغمات سيد مكاوي وعمار الشريعي والشيخ إمام، التاريخ أيضا يزخر بكثير ممن سطروا بطولات رياضية رائعة علي المستوي الدولي والمحلي رغم إعاقتهم ومنهم أحمد خضر متولي وعمر عبداللطيف وحنان فتحي، العالم كله تضيئه أقمار ممن ننعتهم بالمعاقين وهم فراشات حلقت في سماء الفن والإبداع والعلم.. هناك بيتهوڤن وهيلين كيلر نجوم في كل مجال وعلامات بارزة في كل موقع لكن للأسف يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في مصر تحديدا من تراث طويل من الإهمال والتجاهل رغم القوانين المحلية والمعاهدات الدولية التي تضمن كل الحوق لهؤلاء المواطنين «علي الورق» فقط وحتي نسبة ال5٪ التي أقرها القانون المصري إلزاما للشركات والمصانع لتشغيل ذوي الاحتياجات لا تطبق علي ضالتها ناهيك عن المعاناة اليومية التي يعيشها هؤلاء في كل مكان حتي في الشارع، في المرافق والمواصلات والمؤسسات التي يتعاملون معها وسط غباء تام لها يسمي ب«كود الإتاحة» أي أننا نفتقر للحد الأدني من المعايير الدولية والإنسانية للتعامل مع المعاق.. وإذا كنا نري مئات الجمعيات التي تحاول تقديم الدعم المادي والمعنوي لمن يحتاجون رعاية خاصة فبعض منها للأسف يتاجر بآلامهم فيما يعاني البعض الآخر من ضعف الدعم المادي والمعنوي وتقوم كثير منها بتقديم خدماتها لمن يحتاجون لرعاية خاصة بمجهودات ذاتية عاجزة عن تلبية كل طلبات من يلجأ اليها طالبا العون. كما أن هناك آلاف البيوت المصرية مغلقة علي مآس وحكايات شديدة الألم خاصة إذا ما تآمر الفقر متضامنا مع الإعاقة في نسج قصص لا يتحملها القلب فالشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة تضاف الي معاناته شراكة أساسية مع قطاع عريض من المجتمع يرزح تحت جحيم البطالة وضيق ذات اليد بل وحالات أخري من التفكك الأسري.. من الجائز جدا أن تكون الإعاقة سببا فيها أو نتاجا لها! ولا نستطيع حتي في هذه النقاط أن نعفي الدولة من مسئولياتها تجاه أبنائها، ويكفي أن نعلم بأن المعاش المخصص للمعاقين الذي لا يتعدي 215 جنيها ويتم الحصول عليه بشكل يراد الكثيرون شديد الإهانة، هو في الحقيقة هدف صعب لآلاف وربما ملايين من ذوي الاحتياجات. أما من سيتحدون إعاقاتهم ويحاولون إظهار مواهبهم في مجالات الفن أو الرياضة يجدون حوائط صد هائلة في طريق الإفصاح عنها.. ربما لكل هذه الأسباب ولأسباب أخري سنتناولها تباعا في هذا الباب خرج أكثر من 4.5 مليون معاق ليؤيدوا الدستور الذي وضعته لجنة الخميس ولأول مرة يضم 11 مادة مخصصة لهم في محاولة جديدة لمنح كل ذي حق حقه.. ومن خلال هذه الصفحة التي نضعها بين أيديكم اليوم سنحاول الدفاع عن هذا الحق في النور والحياة وسنتيح الفرصة في تجربة هي الأولي من نوعها لشبابنا من ذوي الاحتياجات الخاصة أن يسطروا بأنفهسم حكاياتهم ويفندوا قضاياهم ويمتعونا بمواهبهم وإبداعاتهم ليقولوا للجميع «نحن هنا».