لم تعد السينما الأمريكية بقادرة علي تقديم فيلم يمكن ان نطلق عليه كلمة انساني. فمنذ سنوات بعيده لم نر فيلما مثل' رجل المطر' أو' كرامر ضد كرامر' وغيرهما من هذه النوعيه من الافلام. حتي' ديزني' التي قدمت افلاما للاطفال بكل الاشكال ولكل الاجيال وبكل اللغات, نفضت يدها عن هذه النوعية من الافلام وغرقت في افلام عن النمل والضفادع ثم افلام ومسلسلات' فامبير' و'مدينة الموتي' وهو الفيلم الذي تقدم به هوليوود ثلاثية كاملة بدأت في انتاجها هذا الشهر. وسط هذه الموجة العاتية من العنف والموت و'مدن العظام', جاء فيلم' جابريلا, انتاج فرنسي كندي لينقل لنا ازمة شاب وفتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة. وكما يقال, فان في' أوروبا والدول المتقدمة' اصبحت بعض الاعاقات بمثابة' ثقافة' خاصة. ففي امريكا لا يعتبر الصم من ذوي الاعاقة بل يعدون انفسهم ثقافة لها لغة للقراءة والحديث يمكن لاي كان- إن تعلمها كما نتعلم اللغات الاخري- ان يكون جزءا منها. اما فرنسا- التي تشارك في انتاج هذا الفيلم, فقد قدمت من قبل فيلم' اليوم الثامن' وهو الفيلم الذي يطرح ازمة زواج ذووي الاحتياجات الخاصه في فرنسا, وعندما لم يستطع بطلا الفيلم ان يحصلا علي هذا الحق المتاح لكل البشر, صرخا في العالم ان الله الذي خلق كل الكائنات في سبعه ايام لابد انه سبحانه وتعالي- قد خلقهم في يوم آخر او في' اليوم الثامن', حتي يمكن للبشر ان ان يمنعوا عنهم حق الزواج. يبدو ان هذه المشكله لم تجد حلا حتي الان, ففي' جابريلا', يطرح نفس الموضوع للمناقشة مرة اخري, حيث نجد شابين من فريق للموسيقي يحاربان المجتمع من اجل ان يسمحا لهما بالارتباط. يجد الشابان ان كل شخص يرفض هذا الارتباط فقط لانهما يعانيان من نفس الاعاقة وهي في الاغلب اعاقة ذهنية وإن لم تعيقهما عن ان يكون لهما مستقبل في فريق' مونتريال' للموسيقي والكورال. جابريلا تقدم نموذجا جميلا لمغنية الكورال ويستطيع المخرج' لويس ارشامبولت: ان يستفيد من كل اللزمات الخاصة بهذه الاعاقة في تمتمات تصل الي حد الموسيقي والغناء الجماعي لهؤلاء الشباب. هذا الفريق من الشباب والشابات من ذووي الاحتياجات يلف نظر ريمي( فينسنت اوتيس), وهو في الثانية والعشرين من العمر ويجيد الرقص بشكل مبهر. تلتقي حابريلا بزميلها في الفريق مارتن الذي يقوم بدوره الكسندر لاندري- وتقرر امه انه لابد لهما ان ينفصلا حيث انها تعتقد ان ذووي الاحتياجات الخاصة لا يمكن لهما ان يقيما بيتا للزوجية. ولهذا تقوم بمحاولات عديدة لابعادهما تنتهي بمنع ابنها من العمل في الفريق في الوقت الذي كان فيه فريق الكورال يستعد ليقدم اكبر حفلاته الموسيقية وهو ما يؤدي الي حالة شديدة من الغضب تصاب بها جابريلا ضد ما تراه احد حقوقها في الحياه مثل الآخرين. لكن غضب جابريلا جعلها تخرج ايضا عن الحدوج الضيقة للاعاقة لتقدم مشهدا رائعا للعلاقه العاطفية بينها وبين مارتن يبدو فيها واضحا قدر هائل من الصدق لا يستطيع غير هذه النوعيه من البشر ان تحيا به دون رتوش او كذب او حتي مجاملات. وتقدم الممثلة ماريون- في اول اعمالها قدره هائله علي التعبير والاغراق في بحور هذا العالم من المشاعر والاحاسيس. وساعد ماريون في هذا العمل قامتين من كبار الممثلين المحترفين وهما لاندي وبولين اخت جابريل. اما المشاهد الموسيقية للفريق فقد كانت في ابلغ تاثيراتها خاصة مع المخرج الذي استطاع ان يستخدمها في كل لحظة درامية ليؤكدها وليستخدمها بديلا عن الحديث الحوار الذي قد يعيق المشاهد العادي. وفي ثلاث لحظات تصاعدت فيها الدراما, استخدم المخرج لغة الصمت في حين كانت الكاميرا المحمولة هي كل ما ينقل هذه اللحظات مستخدما الاضاءة الطبيعية. ويشترك فيلم' جابريلا' و'اليوم الثامن', ليس فقط في الموضوع لكن في الجهد الهائل الذي يبذله فريق العمل ليدرب ممثلين هم فعلا من ذووي الاحتياجات الخاصه, في حين ان الافلام الامريكية كانت تقفز فوق هذه القدرات رغم بساطتها- لتقدم ممثلين محترفين يقومون بادوار ذووي الاحتياجات الخاصة علي الرغم من التقدم الهائل والجهود العلمية الكبيرة المبذوله مع هؤلاء الاطفال والشباب هناك. لكن اذا كان المليونير الامريكي, بيل جيتس, يعتبر نفسه من ذووي الاحتياجات الخاصة لمجرد ضعف بصرة فمن الطبيعي ان يقوم بدور اشخص المعاق هو الممثل الكبير داستن هوفمان.