ارتبط رمضان عند المصريين منذ سنوات طويلة بأنه الشهر الذى تقدم فيه القنوات التليفزيونية العربية أفضل ما لديها من أعمال، سواء على مستوى الدراما أو البرامج بكل أشكالها الدينى والمنوعات، وبالتأكيد لن ننسى الفوازير، هذه الأعمال كانت تجسد قمة الاحترام، وتطرح القضايا التى تهم المجتمع المصرى بكل فئاته، لذلك هناك حالة من الحنين دائماً إلى الماضى لأنه ببساطة شديدة يذكرنا بكل ما هو جميل، عندما كنت تقارن بين الأب عبدالمنعم مدبولى «بابا عبده» فى مسلسل «أبنائى الأعزاء.. شكراً» فلا تجد فارقاً بينه وبين أبيك الحقيقى الذى أنت من «صُلبه»، كلاهما يتمتع بنفس السلوك، الحرص على مصلحة الأبناء لدرجة إنكار الذات، وعندما كنا نشاهد المعلم زينهم السماحى فى مسلسل «ليالى الحلمية» هذا الرجل الشهم الذى يفعل كل شىء وأى شىء من أجل مصر، وأبناء الحى الذى ينتمى إليه، وعندما كنا نشاهد عفاف شعيب وهى تقوم بدور «زينب» تلك الأم التى ضحت بكل شىء من أجل أبنائها، فى مسلسل الشهد والدموع، هذه هى الأم المصرية التى نعرفها، والفخرانى الذى قدم كل النماذج ابتداء من الباشا سليم البدرى فى ليالى الحلمية مروراً بكل أدواره التى قدم فيها النموذج الجيد للإنسان المصرى، ولن ننسى نور الشريف ففى أعماله المختلفة التى تعبر عن شقاء الإنسان وطموحه منذ مسلسل «مارد الجبل» 1976، مروراً بعبدالغفور البرعى فى مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» و«الدالى». تلك النماذج كانت تقدمها الشاشة المصرية، لكننا كنا نراها فى محيط معارفنا وأقاربنا، فى محيط الحى الذى نعيش فيه أو القرية لذلك الكل يشعر بالحنين لهذه النماذج، وهذه المسلسلات التى تشعبنا بها بالدرجة التى تجعلنا عندما نشاهد أعمالاً درامية الآن نقول الله يرحم أيام الزمن الجميل، وترديدنا لهذه الجملة له أسبابه، الآن ما نشاهد لا ينتمى إلى الأسرة المصرية فى شىء، نحن نشاهد مع شديد الأسف الأم المصرية إما خائنة لعوب أو فتاة ليل أو المقهورة، ما نشاهده الآن قضايا ليست مصرية لكنها قضايا إما تركية أو مكسيكية أو أمريكية تم تمصيرها مع الاحتفاظ بنفس المشاهد، الشىء الوحيد المصرى الذى نشاهده مختلف هو الأسماء المصرية فقط، وهذا القبح الدرامى الذى عشناه طوال السنوات الخمس الأخيرة، يأتى بفعل انتشار الفضائيات التى تريد أن تجذب المشاهد المراهق لها فإذا بها تصدر لنا أعمالاً لو قدمت فى السبعينيات أو الثمانينيات أو حتى التسعينيات لتمت مصادرة القناة وتحويل أصحابها إلى المحاكم بتهمة خدش حياء المواطن المصرى والعربى. والشىء الثانى الذى جعل مشاهد العُرى والخلاعة تنتقل إلى الدراما هو هجرة صناع السينما إلى عالم الدراما فجاءوا بكل مفرداتهم. التليفزيون المصرى كان يقدم تقريباً ما بين ثلاثة وأربعة مسلسلات على قنواته الأولى والثانية، خلال عرضه كانت الشوارع تبدو خالية، نعود بالتاريخ إلى «رأفت الهجان» بطولة محمود عبدالعزيز الذى ظل المواطن المصرى ينتظره من رمضان لرمضان طوال ثلاثة أجزاء عرضت على ثلاث سنوات، وقبله كان «دموع فى عيون وقحة» لعادل إمام والعملان كانا يمثلا قمة الوطنية، وأزعم أن عرض هذه الأعمال كان مقصوداً لبث روح الوطنية للإنسان المصرى، الآن اختفت مسلسلات الجاسوسية رغم أننا أحوج إليها الآن من أى وقت مضى، فى ظل وجود جماعات إرهابية متطرفة أغلبها خائن وعميل لدول أخرى، اعرضوا هذه الأعمال أو اطرحوا أفكاراً أخرى مماثلة، أم أن رحيل «صالح مرسى» أفضل من كتب عن الجاسوسية أظهر ضعفنا الشديد فى هذه المنطقة. الآن ونحن فى بدايات الشهر الكريم المبارك، ومن خلال ما يعرض من مسلسلات أشعر بأننا أمام استمرار مهازل السنوات الخمس الأخيرة، عُرى ورقص ومخدرات وأغانى مهرجانات، لن نسبق الأحداث، ولكن الجواب يبان من عنوانه. أيضاً على مستوى البرامج الدينية لم نجد بصراحة من هو فى مكانه فضيلة الإمام محمد متولى الشعراوى، الآن نحن بصدد برامج دينية مودرن، الشيخ يظهر بالقميص والبنطلون، وأحياناً يتحدث بلهجة تطغى عليها اللغات الغربية، «الوفد» نشرت مؤخراً تحقيقاً من الشارع بعنوان ما يطلبه المشاهدون والكل أجمع على افتقاد الشيخ الشعراوى، وعلى مستوى برامج الأطفال افتقدنا «بوجى وطمطم» هذا العمل الأسطورى الذى كان يعلم الطفل الفضائل والسلوك القويم. أما برامج المنوعات فقد تحولت إلى مهازل ومقالب سخيفة لا يمكن أن يتصورها عقل، فهى برامج قلة القيمة إن جاز التعبير، زمان كان طارق حبيب رحمه الله أول من أدخل البرامج ذات النكهة الثقافية عندما كان يختار مجموعة من الفنانين من دورى النجوم الآن فنانة تصاب بالخرطوش فى يدها بسبب برنامج وآخرون كادوا يموتون بالسكتة علشان «رامز قرش البحر» أما الفوازير فمن أيام الثلاثى: نيللى وشريهان وسمير غانم.. رحم الله محمد سالم ثم فهمى عبدالحميد. الحنين إلى الماضى.. هو فى حقيقة الأمر حنين إلى الاحترام فى كل شىء، حنين إلى المسحراتى سيد مكاوى وقرآن المغرب بصوت محمد رفعت الذى زحفت عليه أيضاً الإعلانات، وابتهالات الشيخ النقشبندى. ولنا عودة مع عالم الإعلانات الذى أصبح يفرض سيطرته حتى على ذوق المشاهد.