ماذا كان سيحصل لو لم يخرج شباب 25 يناير من حال المراوحة والتجريبية والذهول - وقد استبدت بهم طويلاً - ويقدموا على تأسيس حركة "تمرد" معلنين، بذلك، عصياناً سلمياً على سلطة كانوا في جملة من انتخبوها؟ وماذا ان سيحصل لو لم يهتد شباب "تمرد" إلى الصيغة الأكثر نجاعة في الضغط، والأشد تجديداً لأساليب المعارضة، وهي جمع ملايين التوقيعات من المواطنين لوثيقة تطالب بتنحية محمد مرسي؟ وماذا كان قد يحصل لو لم تلق مبادرة "تمرد" قبولاً أو تجاوباً من الشعب، ولم يوقع عليها أكثر من عشرين مليوناً من الناس؟ ماذا كان قد يحدث لو أن المواطنين لم يستجيبوا لنداء الخروج إلى الشارع في الثلاثين من يونيو من العام ،2013 ولم يحتشدوا فيها ذلك الاحتشاد الملاييني الكثيف الذي بهر العالم، وسجل في ذاكرة التاريخ أن حدث 30 يونيو واحد من أضخم حوادث الثورة في العصر الحديث؟ وماذا كان سيحدث لو أن الجيش لم ينحز إلى ثورة 30 يونيو، ولم يحمها، ويوجه إنذاره لمحمد مرسي بالاستجابة لمطالب الشعب؟ ثم ماذا كان سيحصل في ما لو لم يلتئم مجلس جامع للمعارضة "جبهة الإنقاذ"، والأزهر، والكنيسة القبطية، والشباب، والمرأة، والقيادة العامة للجيش، فيعلن تنحية محمد مرسي من منصب الرئاسة، ويطلق خريطة طريق (وليس خارطة طريق كما يقال خطأ) لمرحلة انتقالية في مصر؟ وأخيراً ما الذي كان سيحصل في ما لو أخفقت السلطة الانتقالية في تنفيذ خريطة الطريق تلك تحت وطأة الضغوط الكثيفة عليها من قوى العنف والإرهاب الداخلية ومن رعاتها الإقليميين و"العرب"؟ أسئلة مشروعة لأن الصورة كانت ستختلف - قطعاً - في ما لو سارت الأمور مسيراً آخر مغايراً . ستختلف عما أصبحته اليوم، بعد هذا المسار الناجح الذي قطعته مصر منذ عام، لكنها كانت ستكون على مثالها السابق، صورة البلد الذي تستبد بأمره نخبة يسيل لعابها السياسي على السلطة، وتبذل الوسع في احتكارها، وتصم الآذان في مواجهة مطالب الشعب والمعارضة، وتتصرف مع الشرعية الانتخابية وكأنها رخصة مفتوحة أو بيعة غير مشروطة إلى ما شاء الله . لقد كانت صورة مصر، بين صيفي العامين 2012 و،2013 أسوأ صورة للبلد منذ قيامها الحديث في عهد محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر، انهارت سياحتها، وتضرر اقتصادها، وحوصر الإبداع فيها، ووضعت في اجتماعها الوطني نذر الفتنة بين المسلمين والمسيحيين من مواطنيها، وبين علماء الأزهر والإسلاميين الحزبيين، وبين الأخيرين والعلمانيين، وضيق فيها على الحقوق والحريات، وتهددت حقوق المرأة ومكتسباتها أخطار ليس يعلم بمداها أحد، وأسيء فيها إلى الجيش والأمن القومي وإلى علاقات مصر بمحيطها السوري المباشر . قللنا من سماع عبارة "الحركة التصحيحية" في تاريخنا السياسي المعاصر، فلقد كان يراد بها شرعنة فعل استيلاء جديد على فعل استيلاء قديم "حاد عن خطه" . لعلها المرة الأولى التي تجد فيها عبارة "التصحيح" معناها الحقيق بها، ذلكم ما حدث في مصر قبل عام من دون أن يطلق عليه المصريون نعت "تصحيح" . ولكن المعنى هنا، مختلف، فالتصحيح ما قامت به نخبة عسكرية في مواجهة سلطة منتخبة، مثلما يطيب لحلفاء تلك السلطة أن يصفوا ما حدث في 3 يوليو ،2013 وإنما قام الشعب بذلك التصحيح من دون أن ينيب عنه نخبة، نزل بالملايين إلى المدن والشوارع والساحات، وطالب رئيسه بالرحيل مثلما طالب الذي قبله بذلك، وظل يحتل المكان العام إلى أن أعلنت القوى الوطنية عزل الرئيس . انتفاضة 30 يونيو صححت مساراً خاطئاً سارت فيه سلطة مرسي، وحادت فيه عن أهداف 25 يناير، كي تعيد الاعتبار إلى إرادة الشعب المسروقة، وإلى مسار عملية التغيير التي انطلقت في يناير 2011 . من يصر على أن لا يرى في مشهد 3 يوليو 2013 سوى صورة الفريق (السابق) عبدالفتاح السيسي وهو يتلو بيان عزل مرسي ومحطات "خريطة المستقبل"، يتجاهل أولئك الذين كانوا يحيطون وزير الدفاع السابق (شيخ الأزهر، بابا الكنيسة، قادة الشباب والمرأة)، أو لا يبصرهم، بل يتجاهل الثلاثين مليون مواطن منتفض (هل هم عساكر السيسي؟) . مثل هذا الذي يتجاهل ولا يبصر مصاب بعمى سياسي ليس منه برء . والعمى ذاك، وهو مستمر، هو ما منع المصاب به من أن يرى الحقائق الجديدة التي تولدت، في مصر، من حدث الثلاثين من يونيو، وآخر تلك الحقائق أن الذي تلا بيان 3 يوليو 2013 هو، اليوم، الرئيس الشرعي لجمهورية مصر العربية . نقلا عن صحيفة الخليج