«عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» ثلاثة مبادئ أعلنتها ثورات مصر مثلت تحديات حقيقية للجمهوريات التي توالت علي هذا الوطن منذ عام 1952 حتي السقوط السريع لجمهورية «الإخوان» ذاق المصريون خلالها الظلم والاستبداد وشاع الفساد وكان ذروته في ثلاثين عاما حكم فيها «مبارك» وجاء حكم الإخوان بعد الاستيلاء علي ثورة 25 يناير ليكتشف المصريون أن أحلامهم داسها كابوس «الإرشاد» ليترحم الناس علي أيام «الملكية» وحكومات الوفد التي عرفت فيها مصر الديمقراطية الحقيقية وذلك بعد فشل جمهوريات 52 بداية من محمد نجيب لمبارك التي خرجت من رحم 23 يوليو، وتبعها فشل جمهورية «الجماعة» في 6 أشهر دفعت المصريين دفعا للقيام بثورة 30 يونية لاسترداد 25 يناير وليبعث الأمل من جديد في العيش والحرية والعدالة ولتمثل هذه المبادئ تحديا قويا للجمهورية الثالثة فهل ينجح الرئيس الجديد في تحقيق أحلام ثورات المصريين؟ وهل تري مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية النور علي يد الرئيس الذي بدأ العد التنازلي لاعتلائه كرسي الحكم؟! وزير سياسي وديمقراطية المستشار بهاء الدين أبوشقة سكرتير عام حزب الوفد أكد أن الجمهورية القادمة أيا كان من سيتصدرها ستواجه تحديات موروثة عبر أكثر من نصف قرن وأولها الديمقراطية فمنذ ثورة 1952 وإلغاء الأحزاب لم تكن هناك ديمقراطية بمفهومها الدستوري «الرأي والرأي الآخر» وما ينتهي اليه رأي الأغلبية لابد أن يلتزم به الجميع بينما كان تداول السلطة يقتضي أن نكون أمام أحزاب قوية أو علي الأقل حزبين قويين لتحقيق الديمقراطية وتداول السلطة، لكننا كنا أمام قيود علي الرأى وأمامنا رأى واحد والحاكم هو الذي يحكم وفقا للدستور كما لو كنا أمام جمهوريات ملكية في حقيقتها ويري «أبوشقة» أن ما أعلنه الثوار في 25 يناير وثورة 30 يونية أيضا وما التزمت به خريطة الطرق هو الديمقراطية الحقيقية التي افتقدتها مصر منذ عام 1952 ونتج عن غياب الديمقراطية كل الكوارث التي تعاني منها مصر وكان علي رأسها منح صلاحيات معطلة للحاكم وإجراء انتخابات مزورة تأتي بحزب واحد فضلا عن أن القيود علي الأحزاب التي مورست من قبل الأنظمة عبر السنوات الماضية أضعفت دور الأحزاب في الشارع في الوقت الذي تنامت فيه التيارات الدينية السياسية علي حساب الديمقراطية وهذا كان خطأ جسيما فلو كانت هناك أحزاب قوية لملأت الفرغ بديلا عن الإسلام السياسي وهذه من أهم النتائج السلبية التي أفرزتها جمهورية 52 حتي 30 يونية ولابد أن نكون أمام مواجهة حقيقية مع الرأي الآخر والمعارضة الموضوعية التي لا تسلط الأضواء علي الأخطاء فقط بل كيفية معالجتها أيضا. ويلفت «أبوشقة» الانتباه الي أن جميع القوانين التي أفرزتها كل هذه الحقب عشوائية وبالية وعقيمة وكانت في واد والواقع في وادٍ آخر ففسدت الخدمات والمرافق في الزراعة والصحة والتعليم كما أن منظومة العدالة أيضا بحاجة الي ثورة حقيقية خاصة في التشريعات الاقتصادية ولابد أن تكون واضحة وبعيدة عن التعقيدات وأن يتحقق الاستقرار الاقتصادي الذي سيرسخ الاستقرار السياسي فضلا عن إعادة النظر فيما يخص مجلس النواب واختيار أعضائه علي أساس الكفاءات القادرة علي تحمل المسئولية كما أننا بحاجة الي خبراء في التشريع القانوني. وكذلك نحن بحاجة الي خبراء فنيين في كل المجالات لنكون أمام تشريعات تحقق التناغم بين القانون والواقع الذي يصبو اليه الشعب، الوزير السياسي أيضا سيحقق ما نتمناه في الجمهورية الجديدة بعد ما عانيناه من مآسي 23 يوليو وتعاملنا مع التكنوقراط الفني الذي يستطيع أن يبدي رأيه لكن يبقي القرار في يد الوزير السياسي الذي يرتبط بسياسة الحكومة، كل وزير يأتي بغير سياسة وزارة وكأنها سياسة منفصلة تتغير بتغير الوزير. ويؤكد «أبوشقة» أننا لن نحرز أي نجاح دون أن نراجع كل هذه الأمور فالعلاج يلزمه تشخيص للداء ومن واقع خبرتي في القانون والسياسة لابد أن تسلط الأضواء في المرحلة القادمة علي المشاكل التي يعاني منها المواطن من بطالة وضعف في الخدمات كذلك مشكلات الفقر والعشوائيات لتحقيق العدالة والكرامة التي تمثل تحديات أمام كل الجمهوريات السابقة وعلي الجمهورية الجديدة أن تتعامل معها بكل جدية. مشروع الإخوان ربما يكون من المناسب علي أعتاب الجمهورية الجديدة أن تطرح السؤال من جديد: لماذا سقطت جمهورية الإخوان ولماذا فشلت في تحقيق أهداف الثورة التي سلبتها. الدكتورة كريمة الحفناوي الناشطة السياسية رئيس حزب مصر الاشتراكي قالت مشروع الإخوان كان يحمل في طياته محاور سقوطه السريع لأنه انطلق من مشروع غريب علي مصر وعلي الوطن وعلي الشعب وأفكاره الراسخة منذ فجر التاريخ فالمصريون تربوا علي معتقدات وديانات وسطية سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين فالأرض هنا كانت مهد الديانات منذ كلم الله «موسي» الي العائلة المقدسة ورحلتها عبر أراضي مصر هروبا من الاضطهاد الروماني ثم الفتوحات الإسلامية فقد عاش المصريون في تسامح يبنون معا في حب هذا الوطن وعاش الجيش المصري مدافعا عن مصر ضد كل الغزاة وعندما يجيء مشروع غريب يحمل في طياته تقسيم مصر ونشر بذور فتنة طائفية وتفرقة ليس بين مسلم ومسيحي بل بين المسلمين وبعضهم لابد أن يسقط، حيث لم تر مصر هذا عبر تاريخها لذا فقد جاء الإخوان بمشروع غير وطني يتعامل منذ نشأته مع أجهزة المخابرات في الدول الأجنبية وإلي الآن يعقد الصفقات ضد مصر ويدعم الميليشيات المسلحة لتهديد أمن البلد وهنا لا نجد أي أثر لأهداف ثورة يناير من بين ما كان من أهداف الإخوان خلال فترة حكمهم فلا حرية تحققت ولا عيش توفر ولا كرامة، تمت المحافظة عليها بل علي العكس مارس الإخوان الإقصاء الي أبعد الحدود وفشلوا في إدارة الدولة لأن هذا لم يكن هدفهم وعندما أسقط مشروعهم مارسوا الإرهاب عبر الإرشاد وهم يتعاونون الآن مع التنظيم الدولي ومع كل من يريد الخراب والسقوط لمصر لأن مشروعهم قوامه الخيانة والعمالة والتفتيت لمصر ولجيشها بل للعالم العربي كله بزعم الخلافة الإسلامية لكن الشعب المصري كشفهم وعلم أنهم يعملون لحساب تدمير البلاد لا يهمهم ثورة ولا أهداف ولا حرية ولا عدالة، فعهد الإخوان هو الأسوأ وفترة حكمهم هي الأفضل في تاريخ مصر الحديث. إسقاط أنظمة سألنا الكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسي عن سبب إخفاق الجمهوريات السابقة في تحقيق أهداف الثورات التي أعلنتها تباعا فقال: الثورات المصرية لا تغير الواقع بين يوم وليلة ولا تحقق أهدافها في شهور أو سنوات لأن الهدف الرئيسي الذي تحقق هو إسقاط النظام وإقامة أسس نظام جديد يمكن أن تتحقق في ظله هذه الشعارات علي مدي زمن متدرج ربما يكون أكثر من المدي الذي يسبقه لكن في الحقيقة لابد أن نمنحها المزيد من الوقت، فثورة يوليو احتاجت 4 سنوات لتحقق هدف إجلاء المستعمر وتحقيق الاستقلال وبناء اقتصاد وطني انتظرناه سنوات ولم يحقق المطلوب وكانت الثورة الاشتراكية عام 61 لتحقيق العدالة وهناك شعارات رفعتها الثورة مات زعيمها دون أن تتحقق مثل إقامة حياة ديمقراطية سليمة والثورات لم تحقق كل أهدافها لأن الأهداف تواجهها عقبات خارجية وهناك أيضا أعداء وقوي معادية للثورة في الداخل وهناك أيضا أوهام شاعت خاصة في ثورة يناير 2011 نتيجة عدم وجود قيادة للثورة فتصور الشعب أن البلد غني وأنه من الممكن تحقيق العدالة باسترداد الأموال المنهوبة وإن كل مواطن سيحصل علي 75 ألف جنيه وأشياء من هذا القبيل، ولذلك بات علينا أن ننتبه الي أن الجمهورية الجديدة بحاجة الي نظام يتسم بقراءة الواقع بشكل جيد فليس لدينا جماعات سياسية قوية منظمة ولدينا مشاكل اقتصادية كبيرة ونفتقد للأمن والمهم أن نسير بخطوات ونرتب الأولويات ترتيبا صحيحا وبعدها نسير وفقا لها. وأوضح «عيسي» أن العدالة الاجتماعية لا تتحقق إلا في مجتمع الوفد وهناك فرق بين العدالة التي تقوم علي توزيع الإنتاج وتلك التي تقوم علي توزيع موارد البلاد والعدالة الاجتماعية تحتاج لتنمية اقتصادية واجتماعية شاملة لذا لابد أن يشارك الجميع في صنع هذه التنمية والاشتراكية «كفاية وعدل»، أي أن التنمية طريق العدالة وأكد «عيسي» أن الشعب المصري أعاد ترتيب أولوياته بعد 30 يونية بشكل صحيح ويأتي في مقدمة هذه الأولويات ضمان الاستقرار الأمني والاقتصادي وقبل ذلك لا يمكننا الحديث عن أى إصلاح. دستور يدعم دولة أحمد عودة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد يقول: الجمهوريات السابقة لها ما لها وعليها ما عليها، ولا يخلو نظام من إيجابيات وسلبيات ولكن إذا ما زادت السلبيات علي الإيجابيات فهذا يعتبر مبررا للرفض وليس للانتقام وإذا ما طبقنا هذا المعيار علي نظام الإخوان فالأولي بنا أن نتحكم بأنه كان نظاما فاشلا منذ يومه الأول وحتي سقوطه الذريع وكان الفشل هو الداعم الرئيسي لسقوط هذا النظام ولعل مظاهر هذا الفشل كانت واضحة في الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المخلوع في 21/11 وما بدا عليه من ارتباك وتخاذل وانتظار حتي تأتيه الأوامر من رئاسته وهي مكتب الإرشاد بكل أسف، وعندما تحقق للمواطن المصري فشل النظام كانت ثورة 30 يونية وخروج الملايين من أجل إسقاط النظام وتفويض المشير عبدالفتاح السيسي لإسقاط هذا النظام والقضاء علي الإرهاب وهذا أبلغ دليل علي تهاوي هذا النظام وبعد نجاح تلك الثورة تم بحمد الله وضع دستور جديد ونحن الآن بصدد انتخاب رئيس جديد طبقا له ثم تجري بعده انتخابات برلمانية وهنا نري أننا نتطلع الي تحقيق آمال شعب مصر وبناء نظام حكم ديمقراطي صحيح طبقا للدستور والقانون وعليه فنحن نتفاءل بالانتخابات القادمة. وأضاف أحمد عودة: الجمهوريات القادمة تتمتع بدستور 2014 الذي وضع حلولا لسد أي ثغرة ينفذ منها أي عدوان علي السلطة التنفيذية علي باقي السلطات فهو دستور يليق بمصر عكس دستور الإخوان الذي كان يمكن عصابة الإخوان من الاستيلاء علي كل صغيرة وكبيرة. ويضيف أحمد عودة: لا شك أن الشعب المصري أصبح ينظر بيقظة تامة وحرص كامل حتي لا تتكرر الأخطاء والمآسي التي مضت والجرائم المتخلفة عن نظام الإخوان يجب أن يتم التعامل معها والقضاء عليها حتي تستقر الأمور لأنها عامل أساسي في نفور الشعب من هذه الجماعة التي تتخذ العنف وسيلة لتحقيق أهدافها.