مع إصرار إثيوبيا علي استكمال سد النهضة وتواصل المباحثات بين الحكومتين المصرية والإثيوبية والتخوف من تراجع حصة مصر من المياه خلال الفترة القادمة اقترح عدد من المستثمرين ربط نهر النيل بنهر الكونغو في محاولة منهم لزيادة حصة مصر من المياه وزيادة القدرات الكهربائية، وهو ما أثار جدلاً كبيراً بين خبراء المياه حول إمكانية إنشاء ذلك المشروع وتنفيذه ومعرفة ما إذا كان بديلاً عن سد النهضة الإثيوبي، أو تفريطاً في حصة مصر من مياه النيل.. ومواجهة العجز المائي الذي وصل إلي ما يقرب من 23 مليار متر مكعب حالياً، في ظل ارتفاع أعداد السكان والتخوف من نقص حصة مصر المائية التي تقارب 55 مليار متر مكعب سنوياً. وظهرت فكرة مشروع نهر «الكونغو» للمرة الأولي فعلياً في 1980، عندما كلف الرئيس الراحل محمد أنور السادات كلاً من الدكتور إبراهيم مصطفي كامل الخبير الهندسي في مجال مياه النيل، والدكتور إبراهيم حميدة رئيس مركز بحوث الصحراء والمياه السابق، بالقيام بجولة ميدانية في الكونغو لتقديم تصور عن الطبيعة الجغرافية للنهر، وبعد تقديم المشروع إلي الرئيس السادات، أرسلته الحكومة المصرية إلي شركة «آرثر دي ليتل» الأمريكية المتخصصة في تقديم الاستشارات الاستراتيجية لتقديم التصور والتكلفة المتوقعة، ثم ردت بالموافقة.. لكن المشروع توقف فجأة ثم عاد وطفا علي السطح مجدداً في أعقاب أزمة مصر مع «سد النهضة». ويوفر مشروع نهر الكونغو، لمصر 100 مليار متر مكعب من المياه سنوياً توفر زراعة 80 مليون فدان تزداد بالتدريج بعد 10 سنوات إلي 112 مليار متر مكعب ما يصل بمصر لزراعة نصف مساحة الصحراء الغربية. كما سيوفر المشروع لمصر والسودان والكونغو طاقة كهربائية تكفي أكثر من ثلثي قارة أفريقيا بمقدار 18000 ميجاوات، أي عشرة أضعاف ما يولده السد العالي، أي ما قيمته إذا صدر لدول أفريقيا حوالي 21 مليار دولار، والمشروع يوفر للدول الثلاث «مصر والسودان والكونغو» 320 مليون فدان صالحة للزراعة. وهذا المشروع يفتح الملف من جديد حول علاقة مصر بدول حوض النيل التي أهملتها الأنظمة السابقة كثيراً، لأنه سيتطلب موافقة دولة الكونغووجنوب السودان التي تشهد صراعات سياسية كبيرة، وهو ما يتطلب جهداً دولياً كبيراً خلال الفترة القادمة. يؤكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ المياه والأراضي بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، أننا نستطيع عمل وصلة من نهر الكونغو إلي النيل الأبيض في جنوب السودان تعوضنا، وزيادة عن أي نقص مياه في النيل الأبيض بعكس النيل الأزرق، فالمياه التي تأتي من إثيوبيا تجلب معها نحو 72 مليار متر مكعب من المياه، التي لا نستطيع تحمل نقصها أو انقطاعها، بالإضافة إلي أنها الأقرب لنا والأغزر ومصدر الفيضان السنوي زيادة ونقصاً. وأضاف «نور الدين» أن الوصلة المقترحة سواء قناة مفتوحة أو عبر مواسير يمكن أن تعطينا 55 ملياراً في المرحلة الأولي، أي قدر ما نحصل عليه من النيل حالياً، يمكن تخصيص 30 ملياراً منها لزراعة 7.5 مليون فدان وهي أغلب ما نملكه من أراض قابلة للزراعة، و20 ملياراً الباقية للصناعة والمنازل وهي تكفي تماماً لإقامة كل ما نرغب من المساكن والمصانع. وأشار إلي أن العقبات تتمثل في أن الوصلة لابد أن تمر عبر جنوب السودان، وهي دولة مستقلة ذات سيادة، ولابد أن توافق علي مرور الوصلة عبر أراضيها، ولكن من عيوب جنوب السودان أن أراضيها معدومة الانحدار، لذلك يختفي فيها نهر النيل ويتحول إلي أكبر مستنقع في العالم يفقد فيه 40 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، وهذه المستنقعات تعطيهم أحراشاً وأعلافاً ترعي عليها أبقارهم التي يتفاخرون بثروتهم منها، وهم يرفضون حفر قناة «جونجلي» أو أي قناة أخري، تعوق حركة المواشي وحريتها ورعيها، وحال عدم موافقة جنوب السودن فلا مفر من عبور الوصلة عبر أربع مواسير ضخمة تشبه مواسير نقل البترول، بأقطار لن تقل عن خمسة أمتار، ومدفونة تحت سطح الأرض وبميل يشبه ميل مواسير شبكة الصرف الصحي حتي تصل إلي بحيرة «نو» في وسط السودان، التي ينبع منها النيل الأبيض فعلياً، والمتجه إلي الخرطوم ثم مصر. أما العقبة الثانية فهي إذا ما تدخلت إسرائيل في جنوب السودان وأقنعت الجنوبيين بمنع مرور الوصلة في ظل العلاقات الوطيدة بين إسرائيل ودولة الجنوب، إذ سيجري تغيير المسار للوصلة بأن تعبر أراضي أفريقيا الوسطي، ثم إلي تشاد حتي الحدود مع ليبيا ومنها إلي بحيرة ناصر مباشرة دون المرور بالسودان جنوباً أو شمالاً.. وتكون أيضاً عبر مواسير تشبه النهر العظيم في ليبيا الذي أقيم بطول 1200 كم، والمسافة هنا ستكون أقل حال عبور السودان، وأيضاً لابد من موافقة الدولتين ودفع مبالغ سنوية لهما مقابل المرور في أراضيها. كما أن تكاليف المشروع كبيرة فضلاً عن صعوبة موافقة جنوب السودان وأفريقيا الوسطي وتشاد. وأضاف «نور الدين» أن اقتصاديات نقل مياه نهر الكونغو إلي مصر التي ينبغي حسابها وتقسيمها علي مدار ألف سنة علي الأقل وليست التكاليف التي ستصرف لمرة واحدة فقط حالياً، وأيضاً التساؤل حول جدوي تحلية مياه البحر وأفضليتها عن نقل مياه نهر الكونغو، نقول إنه إذا تساوت تكاليف تحلية مياه البحر وهي 3 جنيهات للمتر بتكاليف وصلة نهر الكونغو تفضل الوصلة لأنها دائمة ولا تتطلب طاقة كبيرة جداً للتحلية نعاني بشدة من نقصها سواء من طاقة التشغيل وهي السولار أو المازوت أو الغاز الطبيعي أو حتي طاقة شمسية، ولا نحتاج أيضاً إلي دفن للنفايات ولا للأملاح الناتجة عن التحلية، بالإضافة إلي أن تكاليف وصلة نهر الكونغو ستنفق لمرة واحدة فقط ونجني ثمارها لآلاف السنوات القادمة ونكون دولة شديدة الثراء لذلك سيحاربوننا بعنف ويمنعون إقامتها، خاصة إسرائيل وأمريكا. ويري الدكتور ضياء القوصي، الخبير المائي، أن مشروع نهر الكونغو يربط حوالي 9 دول، فإذا بدأنا في تنفيذه يجب أن نأخذ موافقات تلك الدول التسع، فنهر الكونغو يسير من الغرب إلي الشرق والنيل من الجنوب إلي الشمال والمنطقة التي يتلاقي فيها نهر النيل مع نهر الكونغو هي منطقة في غاية الصعوبة ترتفع حوالي 150 متراً حتي تصل نهر النيل تخترق الجبال بأنفاق لمسافات طويلة، وهي تتكلف مبالغ طائلة، وتحتاج لدراسات متأنية تدخل علي منطقتي «بحر الجبل» و«بحر الغزال» في جنوب السودان، وفيها منطقة مستنقعات من النيل سيتم استقطاع حوالي 20 إلي 30 مليار متر مكعب من مياهها، وهي نفس حصيلتنا من نهر النيل. وقال «القوصى» في تصريحات خاصة ل «الوفد»: إن كل الصعوبات السابقة ستواجه المشروع، خاصة موافقة جنوب السودان، مشيراً إلي أن اتجاه الحكومة إلي ذلك المشروع من الممكن أن تأخذه إثيوبيا علي أن مصر تراجعت عن حصتها في سد النهضة الإثيوبي. وأضاف أن التفكير في ذلك المشروع يجب أن يتم تأجيله لحين معرفة مصير «النيل الأزرق». أما الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، فقال: إن نهر الكونغو يصب حوالي ألف مليار متر مكعب سنوياً في المحيط الأطلسي. وأوضح «علام» أن بحيرة ناصر تستوعب فقط 55 مليار متر مكعب من خلف السد العالي، وهو ما يجعلنا نحتاج إلي شق نهر صناعي في جنوب السودان يستطيع أن يتحمل ضخ تلك الكمية، وذلك بطول 4 آلاف كيلو متر، ويتكلف عشرات المليارات من الجنيهات.