دار جدل واسع خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بين عدد من المتخصصين حول ما عرف ب"وصلة نهر الكونغو إلى نهر النيل", إلا أنه فى الوقت الذى طرح فيه البعض هذه الفكرة, وتحمس لها آخرون, إلا أن الجزء الأكبر من المتخصصين يرون صعوبة فى القيام بهذا العمل المكلف والغير متناسب مع حجم المخاطر السياسية والمنية التى تترتب عليه. د. "ضياء الدين القوصى" مستشار وزير الرى الأسبق أكد أن المشروع إن كان قابلا للتنفيذ يحتاج لدراسات طبوغرافية وصفها بالكبيرة جدا والمكلفة جدا فإما ترفع مياه "نهر الكونغو" لرتفاع "50 م" أو توصيلها من خلال ماسورة فى نفق قد تحتاج فى بعض مراحله للحفر فى صخور نارية لمسافات كويلة على حد قوله, مضيفا أن "نهر الكونغو" ليس كونغوليا بحتا, وإنما يشارك الكونغو فيه 7 دول. واعتبر د. "علاء الظواهرى" أن الحديث عن "نهر الكونغو" فى هذا التوقيت يصرف الانتباه عن القضية الأساسية الملحة لمواجهتها وهى "سد النهضة" فى "إثيوبيا", واوضح أن امام هذا المشروع أربع عقبات؛ الأولى من الناخية القانونية, حيث نشنرك فيه دول اخرى غير "الكونغو" بصورة أو بأخرى وإن كانت بأفرع صغيرة. وتابع من الناحية السياسية: لو أصبح بين الدول اتفاق على عدم منع نقل المياه من حوض نهر لأخر تكون هذه خطوة جيدة, كما أن نقل مياه "نهر الكونغو" إلى مياه "نهر النيل" يتكلب موافقة الدول التى سيمر منها أيضا خاصة بعد التوقيع على اتفاقية "عنتيبى" من قبل بعض دول حوض النيل؛ بل فى حال موافقتها جميعا سيكون امام دول من حوض "نهر النيل" أن تكلب نقل مياهه إلى مياه نهر آخر أو دولة أخرى خارج الحوض حتى وإن كانت "إسرائيل". ومن الناحية الفنية, لكى ننقل المياه "92 مليار متر مكعب", طبقا للمشروع موضوع الحديث بارتفاع "300 أو 400م" حسب ما هو معلن, نحتاج لطاقة كهربائية تصل إلى "20 ألف ميجا وات" وهى ما تعادل نحو إجمالى كهرباء مصر, كما ان كمية المياه التى أعلن عن ضمها لمياه "نهر النيل" سيدخل على "84 مليار متر مكعب" هى كمية المتصرف فى المجرى, وهو ما لا يتحمل المجرى بكل قطاعاته هذه الزيادة عليه وما يصاحب ذلك من غرق السودان وهو ما لن تقبل به. ويرى "الظواهرى" أنه الموضوع قد يكون مبالغ فيه ويقارب الخيال وانه بدلا من أن نلتفت إلى "نهر الكونغو", يمكن أن نستكمل حفر "قناة جونجلى" والتى يضيف ل"نهر النيل" نحو "8 مليار متر مكعب" من المياه, وكنا قد حفرنا مسافة "240 كم" منها, ويتبقى لاستكمالها "120 كم" وهو ما يتطلب الاتفاق مع جنوب السودان, كذلك منطقة "بحر الغزال" ومنطقة "البار والكونغو" وكلها مشاريع تضيف مجتمعة نحو "17 مليار متر مكعب", ويمكن إنجازها خلال سنوات قليلة ويأقل تكلفة من "نهر الكونغو", ويبقى الأخير لدراسات مستقبلية. هذا ووصف د. "نور عبدالمنعم" خبير المياه بالشرق الأوسط الموضوع بالاستفزازى الذى يضر الأمن القومى ويصل إلى مستوى الخيانة فى التفكير على حد قوله, لأنه يرمى لصرف النظر عما تجريه "إثيوبيا" من مشروعات على النيل الأزرق, وكأن أمام مصر حل آخر يتمثل فى الاتجاه نحو الكونغو. وأكد أنه غير قابل للتنفيذ, فالأمطار التى تسقط على مرتفعات "الكونغو" فى الشرق تنحدر غربا لتصب فى المحيط الأطلنطى, متسائلا: فكيف تصب من الشرق إلى الشرق؟ واضاف: إذا افترض جدلا أن قناة تم حفرها يصل طولها لأكثر من "1000كم" لتصل لأحد الروافد لمجرى "نهر الكونغو" فسوف تصب فى "جنوب السودان", فمن يدرى هل توافق أو لا توافق على نقلها ل"مصر". وأشار إلى أن الكونغو إذا وافقت على نقل مياه "نهر الكونغو" فستبيعها, وعندها لو كان ثمن المتر المكعب من المياه يساوى دولارا واحد, نكون فى العام مضطرين لدفع "100 مليار دولار" سنويا مقابل كمية "100 مليار متر مكعب" من المياه. ا.د. "نادر نور الدين" أستاذ الموارد المائية والتربة فيقول: ما يأتينا والسودان من دول النيل الأبيض الستة لا يتجاوز "12 مليار متر مكعب/ سنة" وبالتالي ندعهم يبنون ما يشأؤون من السدود لتوليد الكهرباء لأنه مهما حدث نقصا في ورود المياه منهم يمكن تحمله مناصفة مع السودان ولن يزيد عن ثلاثة أو أربعة مليار لكل منا نستطيع تحملها، وحتى إذا لم تأتي هذه المياه كلها يمكن تحملها ونستطيع عمل وصلة من "نهر الكونغو" إلى "النيل الأبيض" في "جنوب السودان" تعوضنا وزيادة عن أي نقص مياه في النيل الأبيض بعكس النيل الأزرق وعطبرة والوسبات التي تأتي من "إثيوبيا" وتجلب معها نحو "72 مليار متر مكعب" من المياه والتي لا نستطيع تحمل نقصها أو انقطاعها بالإضافة إلى أنها الأقرب لنا والأغزر ومصدر الفيضان السنوي زيادة ونقصا. وأشار إلى تصريح الرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" في حديث لاحدى الفضائيات المصرية بأن وصلة "نهر الكونغو" إلى "النيل الأبيض" حلم ننتظره ليحل مشاكلنا جميعا في "نهر النيل" والذي أصبح رمزا للبؤس والفقر لجميع دولة بسبب نقص ما يجري بين ضفتيه من مياه. وعقد "نور الدين" مقارنة بين تصرف "نهر النيل" والذي يصل إلى "أسوان" ونقتسمه معها هو "84 مليار متر مكعب" سنويا, بينما يبلغ تصرف نهر الكونغو الذي يصب في المحيط الأطلنطي "1284 مليار مترا مكعبا", بما يعني أكثر من 15 ضعفا من مياه النيل كاملا بكل روافده وأنهاره وتهدر في المحيط دون فائدة على حد قوله. وأضاف: الوصلة المقترحة سواء قناة مفتوحة أو عبر مواسير يمكن أن تعطينا "55 مليارا" في المرحلة الأولى أي قدر ما نحصل عليه من النيل حاليا، يمكن تخصيص "30 مليارا" منها لزراعة "7.5 مليون فدان" وهي أغلب ما نملكه من أراضي قابلة للزراعة، و"20 مليارا" الباقية للصناعة والمنازل وهي تكفي تماما لإقامة كل ما نرغب من المساكن والمصانع. ومن حيث العقبات قال أن الوصلة لابد أن تمر عبر جنوب السودان وهي دولة مستقلة ذات سيادة ولا بد أن توافق على مرور الوصلة عبر أراضييها، ولكن من عيوب جنوب السودان أن أراضيها معدومة الإنحدار لذلك يختفي فيها نهر النيل ويتحول إلى أكبر مستنقع في العالم يفقد فيه "40 مليار مترمكعب" سنويا من المياه، وهذه المستنقعات تعطيهم أحراشا وأعلافا ترعي عليهم ابقارهم منها وهم يرفضون حفر قناة جونجلي أو أي قناة أخرى تعوق حركة المواشي وحريتها ورعيها. وتابع: في حال عدم موافقة جنوب السودان وفكرهم هذا في الرعي، فلا مفر من عبور الوصلة عبر أربعة مواسير ضخمة تشبه مواسير نقل البترول بأقطار لن تقل عن خمسة متر وتكون مدفونة تحت سطح الأرض وبميل يشبه ميل مواسير شبكة الصرف الصحي حتى تصل إلى بحيرة "نو" في وسط السودان والتي ينبع منها النيل الأبيض فعليا والمتجه إلى الخرطوم ثم مصر. المحور الثاني –بحسب "نور الدين"- إذا ما تدخلت إسرائيل في الجنوب السوداني وأقنعت الجنوبيين بمنع مرور الوصلة في ظل العلاقات الوطيدة بين "إسرائيل" و"السودان الجنوبي" والذي أعلن إقامة سفارته في "إسرائيل" في "القدس" وليس في "تل أبيب" وهو القرار الذي لم تتخذه الولاياتالمتحدة نفسها حتى الآن. فى هذه الحالة يتم تغيير المسار للوصلة بأن تعبر عبر أراضي "أفريقيا الوسطى" ثم إلى "تشاد" حتى الحدود مع "ليبيا" ومنها إلى بحيرة ناصر مباشرة دون المرور ب"السودان" جنوبا أو شمالا وتكون أيضا عبر مواسير تشبه النهر العظيم في "ليبيا" والذي أقيم بطول "1200 كم"، والمسافة هنا أقل من ذلك، وأيضا لا بد من موافقاتهما ودفع مبالغ سنوية لهما مقابل المرور في أراضيها. وتابع: بمناسبة حديث البعض عن اقتصاديات نقل مياه "نهر الكونغو" إلى "مصر" والتي ينبغي حسابها وتقسيمها على مدار ألف سنة على الأقل وليست التكاليف التي ستصرف لمرة واحدة فقط حاليا، وأيضا التساؤل حول جدوى تحلية مياه البحر وأفضليتها عن نقل مياه "نهر الكونغو" –يقول- أنه إذا تساوى تكاليف تحلية مياه البحر (3 جنيه للمتر) بتكاليف وصلة "نهر الكونغو" تفضل الوصلة لأنها دائمه ولا تتطلب طاقة كبيرة جدا للتحلية نعاني من نقصها سواء سولار أو مازوت أو غاز طبيعي أو حتى طاقة شمسية، ولا نحتاج أيضا دفن للنفايات ولا للأملاح الناتجة عن التحلية بالإضافة إلى أن تكاليف وصلة "نهر الكونغو" ستنفق لمرة واحدة فقط ونجني ثمارها لألاف السنوات القادمة ونكون دولة شديدة الثراء لذلك سيحاروننا بعنف ويمنعون إقامتها خاصة إسرائيل وأمريكا.