تتعالي الأصوات المطالبة بإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية قبل الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد قيام الشعب بإعلان رأيه في الدستور الجديد وإقراره، حتي تنتقل البلاد الي مرحلة جديدة لا يمكن الجدل حولها خاصة من الدول الخارجية التي تتربص بمصر وتعمل علي زعزعة استقرارها وتهديد أمنها القومي. قد يتساءل البعض عن جدوي تقديم الانتخابات الرئاسية علي البرلمانية، وحتي نجيب عن هذا السؤال علينا العودة الي الوراء قليلا والاستفادة من الأخطاء السابقة وهي التي أدت الي انحراف ثورة يناير عن أهدافها ومسارها عندما تقرر إجراء الانتخابات البرلمانية أولا، وأفرزت برلمانا أغلبيته من تيار واحد، وبالتالي قام بالهيمنة علي الحياة السياسية ومفاصل الدولة وبدأ في تشكيل لجنة تأسيسية للدستور علي مقاسه وأيديولوجيته، وأنتجت دستورا ذا توجهات دينية وعرقية قسمت وحدة هذا الشعب.. بل ووحدة الدولة واستقلالها، كما أدي هذا الخطأ أيضا الي التأثير في الانتخابات الرئاسية التي نشهد بأنها كانت حرة ولكن غير نزيهة. بعد ثورة 30 يونية تم تدارك بعض هذه الأخطاء عندما تقرر البدء بوضع دستور جديد للبلاد بعيدا عن سيطرة أي أحزاب أو تيارات أو جماعات،ورأينا الجمعية التأسيسية مشكلة من كل أطياف المجتمع، ولذلك خرجت مسودة الدستور بشكل يرضي عامة المصريين.. وهي مسودة بحق تنقل مصر الي دولة عصرية حديثة من خلال التوازن والفصل بين السلطات الثلاث للدولة، وأيضا التوازن داخل السلطة التنفيذية ما بين رئيس الدولة والحكومة، والأهم من كل ذلك أنها تقيم دولة المواطنة، وتمنع وجود فرعون آخر لحكم مصر.. بل وتمنع تغول فئة أو تيار علي آخر. لذلك يجب أن تكون انتخابات الرئاسة أولا حتي يكون هناك حرية تامة لدي المصريين في اختيار رئيسهم القادم، وحتي يشير أيضا الي أنه منتخب من عامة المصريين بعيدا عن الكتل البرلمانية أو السياسية ليصبح رئيسا لكل المصريين ويعمل من أجل مصر وشعبها، وليس من أجل فصيل أو تيار أو فئة، وهذا لن يتأتي في ظل برلمان له كتل ونواب وتأثير علي الناخبين.. الشعب يريد أن يخرج الرئيس الآن من رحم ثورة 30 يونية وليس من رحم برلمان وصفقات وتربيطات لأن انتخاب البرلمان أولا يعني أن هناك حكومة تمثل هذا البرلمان أو توجهاته ومن المؤكد أن هذه الحكومة بأعضائها من الوزراء والمحافظين سوف تؤثر في الانتخابات الرئاسية سواء بالانحياز أو التوجيه أو حتي التلميح.. بينما نحن الآن في ظل حكومة تضم كل الأطياف السياسية لا تستطيع أن تؤثر أو توجه لأنها تعرف أنها حكومة محددة بوقت ومهمة وأن البرلمان القادم هو صاحب الحكومة الجديدة. أيضا هناك سبب جوهري آخر لإجراء الانتخابات الرئاسية أولا وهو الوضع الأمني والظروف التي تمر بها مصر، وكلنا يعلم أن الانتخابات البرلمانية تتسم بالعصبية والقبلية وأيضا ضخ الأموال واستخدام البلطجية وغيرها من الأساليب التي كانت تتم رغم قوة الجهاز الأمني وهو أمر يمثل خطورة شديدة في هذا التوقيت خاصة إذا تم استغلال هذا الظرف من قبل جماعة الإخوان وأتباعها ويمكن أن يؤدي الي كوارث أو فوضوي في البلاد تعيدنا الي نقطة الصفر بينما الانتخابات الرئاسية عكس ذلك تماما حيث تنحصر المنافسة فيها بين عدة شخصيات وتكون منافسة سياسية إعلامية أكثر منها عصبية وقبلية وعرقية، وتحتاج الي تأمين في عمليات الاقتراع فقط، فإننا بذلك نكون قد جنبنا البلاد كثيرا من المخاطر وأعطينا للشعب الحرية المطلقة في اختيار رئيسه بدون ضغوط أو توجيهات. وإذا أضفنا الي كل ما سبق أن إقرار الدستور ثم انتخاب رئيس الجمهورية في عرس ديمقراطي يراقبه ويشاهده العالم أجمع فإننا بذلك نكون قد أنجزنا معظم خارطة المستقبل ووضعنا ثوابت جديدة تخرس الضالين المضللين داخليا وخارجيا وهما خطوتان من المؤكد أن تساهم في إجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة من كافة الجوانب حتي تبدأ مصر مرحلة جديدة من حياتها العملية والتنموية والسياسية.