تابعت ما أذيع أو نشر في الأيام الماضية، عن مشروع قانون تنظيم التظاهر الذي اعدته الحكومة الحالية، كما شاهدت حديث د. الببلاوي، رئيس الوزراء مع الاعلامية «لميس الحديدي» بقناة «سي. بي. سي» وتبين أنه قد تم اعداد المشروع المذكور بواسطة وزارتي الداخلية والعدل وتمت مناقشته بمجلس الوزراء، وارسل هذا المجلس المشروع الى رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان، فأبدى عدداً من الملاحظات على المشروع، وخاصة بالنسبة للعقوبات التي تضمنها ثم قام د. الببلاوي باحالة المشروع الى «مجلس الدولة» لكي يراجع قسم التشريع بالمجلس صياغته ومدى دستوريته، حسب قانون المجلس، ولقد أثار المشروع عديداً من الملاحظات والاعتراضات من عدد من الاحزاب والقوى السياسية، والشخصيات العامة!! وأصر بعضهم على أنه لا يجوز للحكومة الحالية لأنها حكومة مؤقتة أن تضع قانوناً ينظم حقاً خطيراً للمواطنين مثل «حق التظاهر» واستند هؤلاء الى أن مشروع الدستور مازال محل بحث في لجنة الخمسين، والمفروض أن يراجع البرلماني القادم المشروع!! كما تعلل المعترضون بأنه يوجد بالفعل قانون قديم للتظاهر منذ سنة 1928، كما أنه يوجد قانون الطوارئ الذي يسرى حتى 14 نوفمبر القادم، والذي يمكن بناء عليه تنظيم «حق التظاهر» أو حتى حظر التظاهر خلال فترة فرض الطوارئ!! واعترض العديد من الرافضين لاصدار المشروع على عدد من الأحكام الواردة به، وبصفة خاصة على المدة المحددة للاخطار - السابق على التظاهر - لسلطة الأمن، وأيضاً على المسافة المحددة في المشروع لابتعاد المظاهرة عن بعض المباني والمنشآت والمرافق العامة مثل مجلس الوزراء والبرلمان، والمناطق العسكرية.. الخ، كما اعترض البعض على العقوبات الواردة بالمشروع، لأنها عقوبات مشددة لا تتناسب مع جرائم التظاهر، وفي مواجهة هذه الاعتراضات على المشروع صرح «د. الببلاوي» في حديثه مع قناة «سي بي سي» بأنه لا يرفض اجراء بعض التعديلات المقترحة من المعارضين على المشروع وأنه قد تلقى بعض الملاحظات من رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان كما صرح بأنه سوف يعرض المشروع للمناقشة الجماهيرية لادخال ما يكون صالحاً من التعديلات على أحكامه!! ولابد مبدئياً من التنبيه الى أن البلاد تمر منذ 30 يونية سنة 2013 بمرحلة انتقالية بعد الثورة، وعن اهدافها الاساسية استبعاد نظام الاخوان المسلمين من الحكم، وازاحتهم من السلطة، لوضع دستور جديد ونظام جديد وفقاً لخطة قومية للبلاد، ومن ثم فان مصر الآن في حالة ونظام «الشرعية الدستورية الثورية»!! والحكومة تعمل في ظل هذا الوضع حتى ينتهي وضع الدستور وانتخاب البرلمان والرئيس!! ولابد مع ذلك أن نبحث مدى حاجة البلاد في هذه المرحلة الى مشروع القانون المذكور، ولما كان الثابت منذ 30 يونية الماضي من متابعة نشاط الجماعة الاخوانية الارهابية المحظورة قضائيا، أن هذه الجماعة دأبت على تنظيم مسيرات ومظاهرات واعتصامات متتالية كل يوم جمعة وتستخدم العنف والعدوان على قوات الشرطة والأمن، والقوات المسلحة، سواء بالخرطوش والأسلحة النارية وبالطوب وكسر الرخام، وأيضاً يعتدى المتظاهرون بعنف على افراد للشعب الذي يعترضون مسيراتهم التي تخل بالأمن العام، وتقطع الطرق والكباري، وتشعل الحرائق في الممتلكات العامة والخاصة، ويعطل المواصلات، وتحرق الكنائس، والمساجد وأقسام الشرطة.. الخ، ويسقط في كل مظاهرة أو مسيرة عشرات القتلى والمصابين، ولم يحدث خلال الفترة الماضية ان سارت مظاهرة واحدة بصورة سلمية دون ارتكاب كل تلك الجرائم، وذلك حتى المظاهرات التي اشعلتها الجماعة المحظورة منذ أيام داخل جامعة الأزهر والاعتداء بالاسلحة النارية على حفل زفاف في كنيسة الوزراء بمنطقة الوراق!! وفي الأزهر اشتبك الارهابيون من الجماعة المحظورة بعنف بقوات الأمن وأهانوا وهددوا شيخ الأزهر والقوات المسلحة والشرطة ومنعوا الطلاب من الدراسة.. الخ ولا يتصور أن تبقى مصر تحت رحمة المخربين الفوضويين القتلى من الجماعة المحظورة دون ردع فعال رغم معاناة البلاد اقتصادياً وأمنياً وبصورة غير مسبوقة في تاريخها وللقانون القديم المنظم للمظاهرات الصادر سنة 1928، غير كاف لفرض حتمية سلمية التظاهرات وتنظيمها، وخاصة لضعف العقوبات المقررة فيه، مع تجاهل الجماعة المحظورة تماما لأحكام هذا القانون وفرضها بالأمر الواقع اجراء المسيرات والمظاهرات التخريبية والعدوانية على الشعب المصري، وعلى الحكومة والشرطة والجيش بصفة متواترة ومنتظمة كل يوم جمعة على الأقل وذلك فضلاً عن اعمال التخريب والارهاب والتفجير ومن ابرزها محاولة الاغتيال لوزير الداخلية في مدينة نصر!! ولذلك كله، فانه لابد من اصدار قانون جديد للتظاهر بصفة عاجلة فليس هناك اية مصلحة عامة للشعب المصري، في ترك الحال على ما هو عليه بالصورة التخريبية الحالية!! وقصر دور الدولة على رد الفعل!! ولا يمكن قبول القول بأن حق التظاهر هو حق دستوري وشرعي ولا يجوز تقييده أو حظره، وبالتالي لا يجوز ذلك بدعوي تنظيمه وذلك لان اي حق او حرية عامة اذا لم يتم تنظيمها قانونا وتحقيق ضمان ممارستها دون اضرار بالمصلحة العامة، أو كفالة السلام والأمن العام للمواطنين او تهديد للممتلكات العامة والخاصة يكون اباحة للفوضى والعنف والتخريب، وسفك الدماء كذلك فإن تقييد حق التظاهر بقيود معوقة وخاصة في تحديد سلطة الرقابة على توفير سلمية المظاهرات لضمان عدم إضرارها بالأمن والنظام العام، يؤدي الى اهدار حق التظاهر وحرمان الشعب من التجمع والتظاهر السلمي للتعبير عن رأيه في الأمور العامة، وذلك بالمخالفة للشرعية الدستورية والقانونية، وكذلك للاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، مما يجعل الحق في التظاهر أمراً محظوراً من الناحية الواقعية وهذا أمر مرفوض وباطل. رئيس مجلس الدولة الأسبق