أسامة عبدالرحمن وصل الإخوان المسلمون إلى سدة الرئاسة في مصر في خضم ثورة شعبية، أطاحت بنظام استبدادي مارس القمع والإقصاء. وكان الإخوان المسلمون من أكبر ضحاياه . فقد شهدت مصر انطلاقة ثورة شبابية في 25 يناير 2011 رفعت مطالبها المشروعة في الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون واستقلال القضاء ومحاربة الاستبداد والفساد . وقد حاولت الأحزاب والحركات السياسية اللحاق بهذه الثورة، ومن بينها حركة الإخوان المسلمين . وفي ظل غياب قيادة موحدة للشباب وضآلة الرصيد الشعبي للأحزاب التقليدية تمكن الإخوان من الفوز في الانتخابات . ومرد ذلك أن الدين متجذر في المجتمع كما أن الإخوان المسلمين لديهم تنظيم جيد إضافة إلى التعاطف الشعبي الذي كان معهم إزاء ما تعرضوا له من قمع وإقصاء، وكذلك ما يقدمونه من عون ومساعدة للمعوزين . وقد تمكنوا من الوصول إلى سدة الحكم في ظل انتخابات نزيهة وشفافة نسبياً . وقد مثل ذلك فرصة تاريخية لإثبات قدرتهم على الأداء السياسي وتحقيق نجاح للتجربة الديمقراطية الوليدة في مصر . وربما كان المأمول أن يحقق الإخوان بعض ما حققه حزب العدالة والتنمية في تركيا من نجاح اقتصادي كبير في ظل نهج ديمقراطي حقيقي . ولكن الوضع في مصر بدا مأزوماً على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وبدا الاستقطاب والاستقطاب المضاد، وكذلك الانقسامات على الصعيد السياسي مصدر إرباك للأداء السياسي وغير السياسي . ودخلت مصر في مرحلة أشبه ما تكون بالمرحلة الانتقالية إذ إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية كلها متوترة أو غير مستقرة . وكان الوضع المأزوم على كل الصعد عائقاً لأي حراك سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي فاعل وإيجابي . وبدا المواطن المصري محاصراً بين مطالبه المعيشية اليومية في ظل وضع اقتصادي مترد ترزح شريحة عريضة من المجتمع فيه تحت وطأة الفقر والفاقة والبطالة، وبين مشاهد الاستقطاب والاستقطاب المضاد، وكذلك الانقسامات على الصعيد السياسي . وبدت الحكومة المصرية عاجزة عن الوفاء بالحد الأدنى من المتطلبات المعيشية للمواطن المصري الأمر الذي أثار غضباً شعبياً تراكم بمرور الوقت وأدى إلى احتقان شعبي . صحيح أن الوضع الاقتصادي كان متردياً في عهد نظام مبارك الذي مارس الاستبداد والفساد واستأثرت قلة فيه بالسلطة والثروة، وصحيح أيضاً أن سقوط ذلك النظام خلق وضعاً متأرجحاً ومتذبذباً على الصعيد الاقتصادي، وكذلك على الصعيد الأمني، ولكن كان من الواجب أن يقرأ الإخوان المسلمون الواقع بدقة، وأن يستوعبوا المعطيات والمستجدات على الساحة، وألا يظلوا أسرى الفكر العقائدي الضيق في وقت تشهد فيه مصر تحولاً كبيراً ومتسارعاً وألا يغيب عن بالهم أنهم مستهدفون من قبل أحزاب وحركات وتيارات مناوئة . إن وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الرئاسة في مصر كان محصلة انتخابات نريهة وشفافة نسبياً وكان مأمولاً أن يقوموا بأداء سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني يحقق مطالب الشعب، ويجد الحلول للكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية . وبصورة أدق تحقيق مطالب ثورة 25 يناير 2011 في الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون واستقلال القضاء ومحاربة الاستبداد والفساد لكن الإخوان فشلوا، وكان أداؤهم متعثراً وباهتاً وفاشلاً، ودخلوا في صراع مع أكثر من جهة بما فيها القضاء، وبدت بعض القرارات الرئاسية ارتجالية أو غير متسقة مع متطلبات الواقع، وتم التراجع عن بعضها ما يعطي دلالة على التخبط الذي شاب الأداء السياسي . إن المواطن المصري الذي يرزح تحت وطأة الفقر والفاقة والبطالة لم يحقق له الإخوان قدراً من الانفراج في وضعه الاقتصادي البائس، بل يبدو أن الأزمات الاقتصادية تفاقمت وطأتها عليه، ولم يجد تحقيقاً لمطالبه المشروعة في الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة، وبدا المشهد المصري متأزماً من كافة النواحي . هذا التأزم يتحمل فيه الإخوان القدر الأكبر من المسؤولية ولكن المعارضة تتحمل قدراً من المسؤولية أيضاً، لأنها دخلت في دوامة الاستقطاب والاستقطاب المضاد، والحشد والحشد المضاد . مع أن القضية أكبر من ذلك بكثير لأنها قضية وطن أصبح نهباً للتمزق والانقسام والفوضى . إن الديمقراطية الوليدة في مصر تمر بامتحان صعب في ظل تأزم سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني . ويأمل كثيرون ألا تسقط التجربة الوليدة تحت أي ظرف من الظروف . ذلك أن رسوخ النهج الديمقراطي في مصر له تأثيره في المحيط العربي، كما أن الشعب المصري الذي رفع مطالبه المشروعة في الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة في وجه نظام استبدادي مارس القمع والفساد يأمل ألا يعود الاستبداد والقمع والفساد تحت مظلة أي نظام غير ديمقراطي . ويأمل ألا يعود الجيش إلى الحكم بطريق مباشر أو غير مباشر . فقد جرب حكم العسكر وعانى منه كثيراً . لقد فشل الإخوان المسلمون في مصر في أدائهم السياسي والاقتصادي . . وخلق ذلك غضباً شعبياً عارماً . . واحتقاناً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كبيراً، ودخل الجيش على الخط بخريطة لمستقبل مصر أنهت حكم الإخوان، لكن القلق على مصر لا يزال قائماً . نقلا عن صحيفة الخليج