من أكثر الإعاقات انتشاراً بين الأطفال التوحد وتصل نسبته بين الأطفال العاديين حسب آخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية هي 1 إلي 88، بمعني أن هناك طفلاً توحدياً بين كل 88 طفلاً عادياً، فإذا تصورنا أن الفصول الدراسية تستوعب من 60 إلي 80 طفلاً في المتوسط سنجد أن طفلاً توحدياً في كل فصل دراسي أو أكثر أحياناً. تقول الدكتورة سهام خيري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة ابني للتوحد: إن الأوتيزم «التوحد» هو اضطراب وليس مرضاً، كما هو شائع يؤثر ليس فقط علي السلوكيات ولكن علي جميع وظائف الجسم، فهو خلل وظيفي يتميز بالقصور أو ضعف القدرة علي إقامة علاقات اجتماعية وضعف القدرة علي التواصل أو غير لفظي وقصور في التخيل واللعب التخيلي، والتوحد ليس له علاقة بالقدرات العقلية كما أنه ليس مرضاً نفسياً كما هو شائع، والتوحد أكثر شيوعاً بين الصبيان عن البنات والنسبة هي 4 أولاد لكل بنت واحدة أو تزيد، وينتشر بالتساوي في كل الأعراق والأجناس وبين كل الطبقات الاجتماعية، ولا يوجد سبب محدد للتوحد حتي الآن، وما يتداول عن الأسباب لا يزيد علي كونها نظريات مازالت تحت البحث والإثبات، فهناك من يتهم التطعيمات واللقاحات أو الفطريات أو حساسية لبعض الأطعمة أو خللاً مناعياً بصفة عامة، ولم يثبت بالدليل القاطع السبب المحدد لكل الأطفال مجتمعين، وهناك سمات مميزة للتوحد ولكن ليس بالضرورة أن تكون ظاهرة جميعها علي كل أطفال التوحد، وهي تختلف من طفل لآخر، رفرفة اليدين أو فرط الحركة أو نظرة العين الجانبية، ولذلك يسمي التوحد «إعاقة بصمة الإصبع» لأنه لا يوجد طفل مثل الآخر ومن هنا صعوبة التشخيص، وقد تقدم تشخيص التوحد في الآونة الأخيرة وأصبح ميسراً من سن 15 شهراً مما أتاح فرصة للتدخل المبكر الفوري للعلاج وبالتالي تكون النتائج ممتازة وتتيح للطفل الاندماج بشكل كامل في المجتمع ومن هنا ترجع أهمية التدخل المبكر حيث باتت نتائجه تزيد علي 90٪ تحسناً في حالة الطفل، ولذلك ننصح الأب والأم بالمسارعة عند ملاحظة ضعف استجابة أطفالهم للمداعبة أو اللعب الاجتماعي أو التواصل البصري أو عدم القدرة علي التأشير لطلب شيء يريده خلال العام الأول من عمر الطفل باللجوء للطبيب النفسي أو طبيب الأطفال لتشخيص طفلهم من هذه السن المبكرة. وتري الدكتورة سهام خيري أن التدخل العلاجي للتوحد يحتاج إلي فريق عمل كبير لتطبيق البرنامج كاملاً ويشمل فريق العمل في المقام الأول الأسرة والمحيطين بالطفل، فالفهم الواعي والتعاون الجيد مع الاخصائيين ضرورة لصالح الطفل والطبيب النفسي أو طبيب الأطفال، ومركز متخصص لعلاج التوحد، حيث يوجد فريق عمل متكامل يطبق برنامجاً مصمماً فردياً واحداً لواحد بشكل مستمر في بيئة منظمة لعدد ساعات تتراوح من 25 إلي 40 ساعة أسبوعياً مع استخدام وسائل تعليمية مبسطة ومتنوعة ومتدرجة الصعوبة، حيث يجب أن يشتمل البرنامج في المقام الأول علي تعديل السلوك وتنمية القدرات والمهارات وتخاطب وتنمية مهارات التواصل وتنمية مهارات رعاية الذات والاعتماد علي النفس، واللعب التفاعلي والتفاعل الاجتماعي والفنون من رسم وموسيقي والإعداد والتأهيل المهني والرحلات والمعسكرات والترفيه والدمج المجتمعي والدراسي وتغذية علاجية مساعدة والإرشاد الأسري الذي هو حجر الزاوية في العلاج، وهناك مشكلة حقيقية تواجه أسر أطفال التوحد في مجتمعنا وهي عدم الوعي بماهية التوحد وعدم وجود ثقافة التطوع لدي الآخرين ما يؤدي إلي صعوبة اندماجهم في المجتمع كأسرة بشكل كامل ومن هنا تأتي أهمية دور المراكز المتخصصة والمدارس والإعلام وجميع أجهزة الدولة في رفع نسبة الوعي بالتوحد في المجتمع بالندوات والمنشورات والأفلام بالتثقيف المستمر وتدريب الكوادر المتخصصة والأسر وجميع المهتمين بالتوحد.