يعتبر قانون العمل فى أى دولة من أهم عوامل الاستقرار داخل المجتمع، لأنه يرتبط ارتباطا مباشرا بملايين المواطنين والأسر، ويساهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية وخلق مناخ جاذب للاستثمار. وفى فبراير الماضى، وافق مجلس الشيوخ نهائيا على مشروع قانون مقدم من الحكومة ومحال من مجلس النواب بإصدار قانون العمل، بعد ظهور العديد من المطالبات بضرورة إصدار قانون للعمل خلال السنوات الماضية. جاء ذلك بعدما ظهرت الحاجة إلى قانون عمل جديد، يلبى تطلعات الشعب فى تحقيق العدالة والتوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل، ويكون دافعاً ومشجعاً للاستثمار، ويقوم على فلسفة جديدة مفادها بناء علاقات عمل متوازنة بين طرفى العملية الإنتاجية، تضمن استمرارية العمل وخلق مجتمع عمل متوازن ومناخ عمل مستقر، ينعكس على زيادة الإنتاج وتحفيز الشباب على العمل بالقطاع الخاص دون تخوف أو قلق، ويحقق الأمان الوظيفى فى هذا القطاع من خلال حظر الفصل التعسفى، ووضع ضمانات لإنهاء علاقة العمل. من هذا المنطلق جاء مشروع القانون معالجا القصور الوارد بقانون العمل الحالى الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، وتطبيق مفهوم النصوص الدستورية، ومتماشيا مع المبادئ الدستورية التى قررتها المحكمة الدستورية العليا، ومستندا إلى ما استقر عليه الفقه والقضاء وما نصت عليه اتفاقيات منظمة العمل الدولية. كما بات واضحا تعثر التسوية الودية بين طرفى علاقة العمل، وبطء عمليات التقاضى، وعدم جدوى الجزاءات الجنائية، مما أدى إلى وجود العديد من المنازعات العمالية معلقة لم يتم البت فيها سواء بالتراضى أو أمام القضاء، فضلاً عن عدم التنسيق بين قانون العمل وقوانين التأمينات الاجتماعية والمعاشات، والطفل، فى العديد من المفاهيم الواردة بها، ما أدى إلى شيوع حالة من اللبس والغموض لدى المخاطبين بأحكام هذا القانون. ولذلك قدمت الحكومة مشروع القانون وتمت الموافقة عليه فى مجلس الشيوخ بعد مناقشات عديدة، أسفرت عن خروج قانون يستجيب لرؤية العمال وأصحاب الأعمال دون الإخلال بمبدأ التوازن بين الطرفين. تضمن مشروع القانون فى مواده ال267 عددا من الحقوق والواجبات الخاصة بالعامل، ويستفيد من مكاسبه ومزاياه الجديدة الملايين. وجاءت أبرز ملامح مشروع قانون العمل الجديد، فى تحديد علاوة 3% للعاملين بالقطاع الخاص وإنشاء صندوق حماية للعمالة غير المنتظمة. ونص القانون على عدم جواز إنهاء عقد العمل غير محدد المدة إلا بمبرر مشروع وكاف، وفقا للمادة 133 التى تنص على «إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، جاز لأى من طرفيه إنهاؤه، بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء بثلاثة أشهر»، وأعقبتها المادة 134 التى نصت على أنه «لا يجوز لأصحاب الأعمال، والعمال، إنهاء عقد العمل غير محدد المدة، إلا بمبرر مشروع وكاف، ويراعى فى جميع الأحوال، أن يتم الإنهاء فى وقت مناسب لظروف العمل». كما حدد مشروع القانون عددا من الحالات التى ينتهى فيها عقد العمل، منها انتهاء العقد بمجرد انتهاء مدته، أو إذا أبرم عقد العمل لإنجاز عمل معين ويجوز تجديده باتفاق صريح بين طرفيه، فيما يعتبر العامل مستقيلا إذا تغيب دون مبرر مشروع أكثر من عشرين يومًا متقطعة خلال السنة الواحدة، أو أكثر من عشرة أيام متتالية على أن يسبق ذلك إخطاره بخطاب موصى عليه بعلم الوصول من صاحب العمل أو من يمثله. ونص القانون فى المادة 142 على ضرورة التعويض حال إنهاء العقد غير محدد المدة لسبب غير مشروع، بمقدار أجر شهرين عن كل سنة من سنوات الخدمة، ولا يخل ذلك بحق العامل فى المطالبة بباقى حقوقه المقررة قانونًا. وخصص مشروع القانون مواد لتنظيم تشغيل العمالة فى الداخل والخارج، وأجاز ذلك من خلال وكالات التشغيل الخاصة، وأبقى على نسبة 2% التى تتحصل عليها الشركات نظير إلحاق العمالة فى الخارج، وحدد رأس مال شركات التشغيل بخمسين ألف جنيه لشركات التشغيل فى الداخل، و250 ألف جنيه لشركات التشغيل التى تزاول النشاط فى الداخل والخارج معًا. أما فيما يخص تنظيم تشغيل النساء لضمان المساواة، فقد خصص مشروع القانون فصلا لتنظيم تشغيل النساء، لحمايتهن من التمييز، وضمان المساواة بين جميع العاملين متى تماثلت أوضاع عملهم، ونص على تفويض الوزير المختص فى إصدار قرار بتحديد الأحوال والمناسبات والأوقات والأعمال التى لا يجوز تشغيل النساء فيها، وحظر فصل العاملة أو إنهاء خدمتها خلال إجازة الوضع. وأكد استحقاق إجازة رعاية الطفل ثلاث مرات والإبقاء على تخفيض ساعات العمل للمرأة الحامل ساعة اعتبارًا من الشهر السادس للحمل وحظر تشغيلها ساعات عمل إضافية. وتشمل مكتسبات مشروع القانون الجديد، حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغ الخامسة عشر عامًا، مع الإشارة لجواز تدريبهم متى بلغوا أربعة عشر عامًا، وألزم صاحب العمل الذى يستخدم طفلًا دون السادسة عشرة بمنحه بطاقة تفيد بعمله لديه، وأبقى المشروع على حظر تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يوميًا، مع تخلل هذه الفترة راحة وتناول طعام مع حظر تشغيله فى الفترة بين السابعة مساًء والسابعة صباحًا. كما خصص مشروع القانون بابا لتنظيم عملية التدريب، ونص على إنشاء مجلس أعلى لتنمية الموارد والمهارات البشرية، يتولى وضع السياسات العامة لتنمية الموارد والمهارات البشرية وسياسات التدريب والتأهيل وسياسات تدريب وتأهيل ذوى الإعاقة والأقزام والفئات الأولى بالرعاية، كما يتولى وضع الخطط اللازمة لربط التعليم والتدريب باحتياجات سوق العمل. كما يتم إنشاء صندوق للعمالة غير المنتظمة تكون له الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتشكيل مجلس إدارة الصندوق برئاسة الوزير المختص، ويحدد اختصاصاته ونظام العمل به. فى هذا السياق، قال مجدى البدوى، نائب رئيس اتحاد عمال مصر، إن مشروع القانون الجديد يحتوى على عدد من المميزات الخاصة بالعمال مقارنة بالقانون الحالى، لكننا نتحفظ على 3 مواد فيه يجب تعديلها. وأضاف «البدوى» أن أبرز المميزات تتمثل فى ضوابط استمارة 6، بحيث أصبح لا يعترف إلا بالاستمارة التى يوقعها العامل يوم انتهاء الخدمة، ما يساهم فى القضاء على ظاهرة الفصل التعسفى، إضافة إلى صرف أجر العامل كاملا فى حالة إصدار صاحب العمل قرار بإيقافه لمدة شهرين، وفى حالة رغبة صاحب العمل فى إيقافه مشددا عليه أن يعود للمحكمة. وأوضح نائب رئيس اتحاد عمال مصر أن المرأة والعمالة غير المنتظمة من أهم الفئات المستفيدة من القانون، حيث أصبح للعمالة غير المنتظمة صندوق لرعايتهم وتمويله بنسبة 1 إلى 4% من قيمة أجور العمال. ورغم هذه المميزات إلا أن مشروع القانون عليه بعض التحفظات، فبعد أن كانت العلاوة 7% من الأجر الأساسى، أصبحت 3% من الأجر التأمينى، وهذا ينقص من حق العامل، خاصة أن الكثير من الشركات تؤمن على العامل بمبلغ أقل من راتبه الفعلى، ولذلك طالب البدوى، باستمرار تلك المادة وفقا للقانون الحالى الذى يحسبها ب7% دون تعديل. وأشار إلى أن المادة 133 تعد بابا خلفيا للفصل التعسفى، لأنها تسمح لصاحب العمل بفصل العمال أصحاب العقود غير المحددة بعد 3 أشهر، وكذلك المادة الخاصة بحق صاحب العمل فى تشغيل العامل بعقد لمدة 4 سنوات ثم يقرر تعيينه بعدها، رغم وجود فترة اختبار 3 أشهر، لأن العامل فى هذه الحالة استقر اجتماعيا ولا يصح أن يتم فصله بعد 4 سنوات من العمل.