هدوء ممزوج بزقزقة العصافير ورائحة الهواء النقي؛ الذي يحمل ذكريات لأموات رحلوا، ومازالت أرواحهم تحوم داخل مقابر باب النصر، وشواهد قبور تحمل أسماء مختلفة لعائلات أستقر جسدها أسفل الأرض، يعتليها أواني فخارية ممتلئة بالحبوب والمياه للطيور.. مشهد رائع يستمتع به كل من يأتي لزيارة حبيب فقده، ولكنه لا يستمر طويلا، وبمجرد أن تأتي الساعة 11 الظهر يكسر هذا الهدوء المتسولون "غِربان المقابر" بالضجيج والتزاحم، فوق رؤوس أي زائر يأتي لزيارة فقيده، لا يهم أن كان الزوار جاؤا لتأدية مراسم الدفن أو لزيارة عادية يقراء فيها الفاتحة لأحد أحباءه بل المهم هو الحصول على "حسنة إجبارية" ، ومن لا يدفع يرمقه المتسول بنظرات تنم عن الشر وتمتمات ببعض الكلمات سواء كانت سِباب أو لعنات. المقابر مصدر حياة للطيور أماني أحمد طعيمة، فتاة في العقد الثاني من عمرها، هادئة الملامح، على وجهها ابتسامة زادت لون بشرتها السمراء جمالاً، تعيش بمقابر باب النصر، برفقة والدها "التُربي" والمسئول عن كل كبيرة وصغيرة في المقابر، عندما تُشرق الشمس تحمل زجاجات المياه وبعض الحبوب، ثم تنطلق في جولتها الصباحية المُعتادة، وهي ري النباتات المحيطة بالمقابر، ووضع بعض الحبوب والمياه في الأواني الفخارية الموجودة أعلى شواهد القبور، التي تُمثل مصدر حياة للطيور التي أرهقتها حرارة الصيف لتعطي للمقابر حياة. لا أخشى المقابر والطيور مصدر للسعادة قالت أماني ل alwafd.news ، إن أصوات الطيور التي تأتي لزيارة القبور تمنحها السعادة والبهجة، مشيرة إلى أن أصحاب المقابر هم ما ابتكروا فكرة وضع أواني فخارية أعلى شواهد القبور، ولكنهم لا يستطيعوا مداومة وضع المياه والحبوب للطيور؛ نظرا إلى أنهم لا يأتون بشكل يومي بل الزيارات تكون أحيانا شهرية أو أسبوعية، وهناك آخرين يأتون كل عدة شهور لزيارة أقاربهم. وأضافت، أن الحياة في المقابر هادئة وتحتوي على الكثير من الجو الروحاني، لافتة إلى أنها نشأت داخل المقابر، ولا تخشى التجول بينها في الصباح أو الليل. وعن المتسولين لفتت أماني، أن هذا هو مصدر رزقهم، ولا يستطيع أحد أن يمنعهم من التجول أو طلب ال"حسنة" من الزوار، موضحة أن هذا الأمر به سلبيات عديدة ولكنهم اعتادوا على وجودهم منذ سنوات عديدة. كنت أدفن والدتي والمتسولين لم يحترموا ذلك أمل محمد، في العقد الثالث من عمرها، وأحد زوار مقابر باب النصر، قالت إنها اعتادت زيارة قبر والدتها أسبوعيًا ؛ التي توفيت منذ 40 يومًا أثر أصابتها بمرض كورونا، لافتة إلى أنها خلال مراسم الدفن تفاجأت من أسلوب المتسولين، الذين تجمعوا فوق رؤوسهم لتلقى المال، ولم يعبئوا بالحالة النفسية لجميع الواقفين، وكأنه بالنسبة لهم مراسم فرح وليست عزاء . وأضافت أمل، أنها استمرت في زيارة والدتها بعد الدفن صباح كل جُمعة، موضحة، أن هناك هذه الفئة من الناس يأتون للمقابر للتسول فقط، وكأنها مهنة يمتهنونها، رغم أنهم أصحاء وفي قدرتهم العمل بدلا من اتباع هذا الأسلوب البلطجي . المتسولين يسبون من لا عطيهم المال وأكدت أمل أنها في حالة رفضها أعطائهم المال، تصبح تصرفاتهم عدوانية ويلقون بالكلامات الغير لائقة، مضيفة، أن المتسولين أعمارهم مختلفة، ما بين الشباب والمُسنين، وهناك بعض الأطفال الذين يأتون للزوار طلبا للمال. وتابعت، كما هناك طريقة أخرى للتسول في المقابر، وهي أن بعض الرجال ممن يحفظون آيات من القرآن، يتجولون حول شواهد القبور، باحثين عن أشخاص يزورون فقيد لهم ، ثم يهرولون تجاهه لقراءة القرآن بشكل إجباري لطلب المال، دون أن يأذن لهم أحد بذلك . اقرأ أيضا : رئيس وكالة الفضاء المصرية ل الوفد: نمنح نماذج مُصغرة للطلبة لكسر الحاجز التكنولوجي (صور) (صور) "لو أنت لوحدك إحنا معاك".. برج القاهرة يكشف سبب الاهتمام بالزائر الوحيد