تشتمل مقاصد سورة النحل على التذكير بأنعام الله التي أنعم بها على عباده التي تستوجب شكره والثناء عليه والدعاء له بأن يحفظ هذه النعم التي لا يمكن إحصاؤها، فقد قال -تعالى- بعد أن ذكّر عباده ببعض نعمه كالأنعام والطعام والزوج والأولاد والسمع والأبصار والمسكن وغيرها: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. فقد كان من مقاصد سورة النحل بيان عظمة الخالق وتوحيده بأنّه وحده الله الخالق لكلّ هذه النعم وهو من يستوجب عبادته فقد قال -جلّ وعلا-: {إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}. فالمؤمنون يشكرون الله على نعمه ويؤمنون باليوم الآخر والكفار والمشركون وحدهم من ينكر نعمه ويستكبر على عبادته. ومن مقاصد سورة النحل أيضًا أنّ الله -جلّ وعلا- ميّز بين صفات المؤمنين والمشركين، حيث أنّه كان هناك من المشركين والمنافقين إذا أصابته مصيبةٌ التجأ إلى الله وما إن يزيحها الله عنه إلّا وعاد إلى كفره وعصيانه، وقد قال -تعالى-: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُون}. ولفت الله -جلّ وعلا- النظر إلى ما كان يفعله أهل الجاهلية والمشركون فمن أفعالهم كان وأد البنات -أي دفنهنّ وهن أحياء- للتخلّص منهنّ، وذلك بقوله: {إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}. فكان من مقاصد سورة النحلّ الانتباه إلى أفعال المشركين واجتنابها. وذكر الله -تبارك وتعالى- أمر الاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن وذلك بقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}مما يجعل من مقاصد سورة النحل بيان بعض آداب قراءة القرآن الكريم وتحذير الناس من شر الشيطان الرجيم ووساوسه، لكنّ الشيطان مع كلّ ما يقوم به ليس له سلطانٌ وتأثيرٌ على المؤمنين والمتقين الذين هم على ربهم متوكلون، ثمّ ذكر الله -جلّ وعلا- قصة إبراهيم -عليه السلام- وقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- باتباع ما كان عليه إبراهيم -عليه السلام-، فقد قال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. فكان من مقاصد سورة النحل التأكيد على أنّ كلّ أنبياء الله مسلمون وأنّ عقيدتهم واحدةٌ وأساسها توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. وقد أرشدت الآيات الكريمة الدعاة إلى الإسلام وعبادة الله بأن يتحلوا بالصبر واللين وأن تكون موعظتهم للناس حسنةً دون إساءة، فقد قال -تعالى-: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}،مما يبين أنّ من مقاصد سورة النحل التأكيد على الإحسان للناس حتى ولو كانت الغاية دعوتهم لدين الله وإعلامهم بكفرهم وشركهن، فالغاية هي إظهار أنّ دين الإسلام هو دين التسامح والحب والمعاملة الحسنة، وقد ختم الله -تبارك وتعالى- سورة النحل بقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}،وهو ما يؤكد أنّ الله مع الصابرين المتقين المحسنين وأنّه سيجزيهم خيرًا على صبرهم وإحسانهم.