«بداية القصيدة تلاعب» هذا حال الشركات الجديدة المقيدة بالبورصة.. الشركات التي لم يتجاوز عمرها الأسابيع القليلة في سوق المال عرفت أسهمها المضاربات والتلاعبات، وكأن المتلاعبين يخرجون ألسنتهم للرقيب.. ويبدو أن ثقافة التلاعب لن ترحم السوق ولا صغار المستثمرين طالما أن الرقابة المالية صارت عاجزة عن حماية صغار المستثمرين الذين يدفعون الفاتورة في النهاية. «مرسي علم» و«شمال أفريقيا» ثنائي حديث تم إدراجهما في البورصة، لكن بداية غير مبشرة للشركتين بسبب التلاعب والتأثير علي حركة أسهمهما.. «مرسي علم» منذ اليوم الأول لطرحها بالبورصة شهدت تلاعباً في «عز الظهر» وشهد سهم الشركة طلبات شراء وصلت إلي 230 مليون سهم، رغم أن عدد أسهم الشركة 20 مليون سهم فقط، وهو ما وصفه الخبراء وقتها بالتلاعب، ومن وقتها عرفت المضاربات والتلاعبات طريقها، واضطرت البورصة وقتها إلي إيقاف سهم الشركة وكان ذلك في 16 ديسمبر الماضي، أي بعد طرح أسهم الشركة بأيام قليلة وتم إلغاء العمليات علي أسهم الشركة، وطلبت البورصة من الشركة مبرراً للصعود الصاروخي للسهم رغم أن الشركة «وليدة» وغير معلومة للسوق، وتوالت الإيقافات علي السهم، وكان ثاني إيقاف يوم 26 من نفس ديسمبر الماضي وما كان من البورصة إلا أنها قامت بالإعلان عن مضاعف ربحية السهم منذ تاريخ الطرح في 6/12/2012 حتي آخر يوم تداول في 25/12/2012 والمتضمن تغيير مضاعف ربحية من 50.24 مرة إلي 88.33 مرة، أي بزيادة قدرها 38.09 مرة، وبنسبة 75.82٪، رغم أن مضاعف ربحية القطاع 16 والسوق 12، مما يشير إلي علامات الاستفهام علي السهم وشركة السمسرة التي تقوم بالتلاعب رغم تعرضها للعقوبة والجزاء منذ أشهر قليلة، إلا أن شركة السمسرة تصر علي موقفها والاستمرار في الإضرار بصغار المستثمرين، وقفز سعر السهم من 2.11 جنيه إلي 6.41 جنيه، أي بنسبة صعود تجاوزت أكثر من 200٪ وتتجاوز 600٪ إذا ما قورن بالقيمة الاسمية للسهم جنيه فقط. لم يتغير الحال كثيراً بالنسبة لشركات «شمال أفريقيا» نفس السيناريو تكرر، أسهم الشركة شهدت ارتفاعات صاروخية منذ قيدها وشهدت قفزات صاروخية تجاوزت 70٪ إذ قفز من 4 جنيهات إلي 6.16 جنيه، واضطرت البورصة إلي إيقاف السهم وطلبت من الشركة الإفصاح عن وجود أخبار جوهرية غير منشورة قد تؤثر علي حركة التداول ولكن الشركة أجابت بالنفي، ولتكرار الارتفاعات غير المبررة تم إيقاف التعامل عليها وتم طلب بعض الإفصاحات الإضافية من الشركات عن بعض النسب المالية ومقارنتها بالقطاع الذي تنتسب إليها الشركات، فضلاً عن مقارنتها بمضاعف السوق ككل ونشرها علي كافة المتعاملين حتي يتسني للمتعاملين المقارنة، وأيضاً القدرة علي اتخاذ قرار استثماري موضوعي، وكان مضاعف ربحية السهم منذ تاريخ الطرح في 10/12/2012، حتي آخر يوم تداول في 5/12/2012 والمتضمن تغيير مضاعف الربحية من 100 مرة إلي 133 مرة، أي بزيادة قدرها 33 مرة وبنسبة 33٪ رغم أن ربحية القطاع الذي ينتمي إليه السهم 19 مرة والسوق 12 مرة. سألت صلاح حيدر، المحلل المالي، عن سبب التلاعبات وكيفية إيقاف مثل ذلك؟.. أجابني قائلاً: «إن المادة 16 من القانون رقم 10 لسنة 2009 الخاص بإنشاء الهيئة نصت علي أنه يجوز لرئيس الهيئة التصالح عن الجرائم المنصوص عليها بالقانون في أي حالة كانت عليها الدعوي وهو نص يعطي الرأي الوحيد لرئيس الهيئة ويرفع من مساحة سلطاته بصورة غير متعارف عليها عالمياً». وتنص المادة تمادي بصورة أكبر وسمح لرئيس الهيئة أن يكون التصالح مقابل أداء مبلغ للهيئة دون النظر إلي أن الجريمة قد وقعت في حق أطراف أخري لهذا كان يجب النص علي أن توجه الغرامة لتعويض المتضررين أو علي الأقل النص علي ضرورة تعويض المتضررين كشرط لانقضاء الدعوي الجنائية «بحسب حيدر». كما أن التصالح - علي حد تعبير حيدر - في حالة التلاعب وفقاً لنص القانون يكون مقابل أداء مبلغ للهيئة لا يقل عن مثلي الحد الأدني للغرامة وهو مبلغ زهيد مما يشجع المتلاعبين علي التلاعب وتحقيق مكاسب خيالية، وبالتالي لن يتعرضوا إلي الضرر حال التصالح وسداد الغرامة إذا ما قورنت بالمكاسب التي حققوها. لابد من إجراء تعديل تشريعي يستهدف إلغاء الحد الأقصي للعقوبات المنصوص عليها في المواد 63 و64 و65 من القانون رقم 95 لسنة 1992.. يقول محمد صالح، المحلل المالي: «إن القيم المنصوص عليها في هذه المواد كحدود قصوي للغرامات أو العقوبة أصبحت غير متوافقة مع طبيعة التعاملات الحالية في البورصة، خاصة بعد المشكلات التي شهدها السوق». إعادة صياغة جوانب من قوانين سوق المال واللوائح التنفيذية مع ضرورة العمل علي توسيع الحالات التي يغطيها قانون سوق المال ليضم جميع الإجراءات التنفيذية لتجنب أن يتم تطبيق إجراءات طبقاً لتقدير السلطة الرقابية هو أهم الإجراءات التي يجب القيام بها، كما يعتبرها محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إذ أن الرقيب مطالب خلال الفترة الحالية بتوضيح ضوابط حماية صغار المساهمين ودورهم وآليات الحصول علي حقوقهم، وعلي المستثمرين عدم التسرع في اتخاذ قرار الاستثمار، والعمل علي حسم قراره وفقاً لأساليب علمية تقوم علي حركة السهم ومضاعف الربحية، بعيداً عن الانسياق وانتهاج سياسة القطيع التي يكون الخاسر فيها المستثمر الصغير.