فجأة تصدرت أخبار صندوق النقد «النكد» الدولي المشهد المصري السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني، بعدما تناسيناه منذ 1993 وكان آخر تعامل معه، والكل يتذكر سياسة الخصخصة أو «المصمصة» لرأس مال الدولة العيني المتمثل في بيع القطاع العام بأرخص الأثمان وأصبحنا كالمفلس الذي يبيع عفش بيته ليأكل به، وما نتج من زيادة للبطالة وارتفاع التضخم، «وهو الشيء الوحيد الذي يرتفع اقتصادياً في مصر مع أمراض الضغط والسكر للمواطن الغلبان».. وزاد الفقر وظهرت طبقة طفيلية من الفاسدين نمت وترعرت علي بيع القطاع العام من فساد وعمولة وسمسرة ورشوة، وبالطبع تعميق التبعية للدائنين بغرض وصاية صندوق النكد الدولي علي شعب مصر. وبالطبع طالما تواترت أخبار صندوق النكد، فلابد من إبداء القلق واستشعار الخوف علي الحالة الاقتصادية التي ستزداد سوءاً بسبب تطبيق سياسات الصندوق النكدي، التي لا مفر من أن تنعكس بالتدهور علي الحياة الاجتماعية للمصريين بعدما تخضع السياسة المصرية للتعليمات النكدية، هذا بخلاف الموقف الديني الذي يرفض القرض «النكدي» باعتباره يخالف شرع الله الذي يحرم الربا، ولهذا أصبح القرض متأرجحاً بين فتاوي الحلال والحرام! والعلاقات بين الدول وصندوق النكد الدولي تبدأ بالمشاورات والابتسامات والسلامات والأحضان والعزومات بالموائد العامرة الحافلة بما لذ وطاب، وبالطبع ستضاف هذه التكاليف علي الفاتورة التي سيدفعها الشعب المديون من دم قلبه. ثم مرحلة عقد الاتفاقيات والتصوير أمام عدسات الكاميرات، وتنتهي بمصائب وكوارث وجرس وفضائح ولا فضائح الأزواج المطلقين، بسبب تطبيق سياسات التقشف وشد الحزام ع الآخر، وهذا شرط أساسي ومبدئي للصندوق «إمال هينكد عليهم إزاي؟». ودائماً وأبداً تحد هذه السياسات في زيادة الضرائب ورفع أسعار الطاقة «المرفوعة ع الآخر» وزيادة رسوم الخدمات السيادية، وتخفيض التوظيف الحكومي «غير الموجود» وهذه شروط مجحفة تنكد علي الشعب وتسود عيشته، وكله كوم وإلغاء الدعم كوم آخر، لأنه خط أحمر وأسود ومقندل بستين نيلة علي رأس أي حكومة تفكر في إلغائه، لأنها ستري بأم عينيها الجحيم الذي سيشعل الأخضر واليابس ولن يبق ولا يذر، والمواطن المصري يعرف جيداً أن تطبيق سياسات التقشف وشد الحزام لن تطبق إلا عليه ولن يتأثر بها غيره لأنه الحلقة الأضعف في تطبيق أي سياسات، ودائماً رابط نفسه بحزام الأمان من غدر الزمان، معتقداً أن حكومته تفهم أكثر منه، ولهذا تركها تعمل ما بدالها، وبلاش يعاندها لأن ايديها طايلة و«طرشة» وخايف يدخل جهنم لأن الخروج علي الحاكم اليومين دول أصبح كفراً والعياذ بالله! وكان في السابق من الممكن أن يتحمل أن يقال عليه عميل أو خائن، ولكنه لا يتحمل أن يقال عنه فاسق أو فاجر أو كافر أو تخرجه الحكومة أو أحد دراويشها من عباءة الدين، والحكومة تركته مربوطاً بحبل الهموم والطلبات المعيشية التي لا تنتهي والديون اللي معجزاه، والحقيقة في حكاية الديون هو وحكومته في الهم سواء، بعدما وصل الدين الداخلي إلي حد مرعب ومخيف، وعجز الموازنة المزمن دون شاف! وبالطبع سياسة شد الحزام لن تطبق علي الحكومة لأنها لا تلبس حزاماً من أصله، «هتحتاجه في إيه؟» الكروش عندهم بسم الله ما شاء الله مليانة وشبعانة وماسكة نفسها، وإذا كان لابد من استخدام حزام فهي ترفضه لأنها ترفض الربط والتقييد بأي شيء «حتي تنفيذ وعودها أو برامجها» ولهذا تستبدل الحزام بحمالات، لتشعر معها بأنها مرفوعة لأعلي بعيداً عن أنات الشعب وصرخاته ومعاناته اليومية، وطلباته غير المنتهية. فهل يا تري ستوافق الحكومة علي قرض صندوق النكد الدولي وتخضع لشروطه وتنكد علي شعبها؟.. أم تنحاز له وتبحث عن بدائل أخري وترفض القرض وتنكد علي الصندوق النكدي وعلي أهله؟.. هذا ما ستكشفه الأيام القادمة وتجيب عنه.