تقارير متضاربة وأنباء غير مؤكدة ومناقشات غامضة تحيط بمفاوضات الحكومة المصرية، مع بعثة "صندوق النقد الدولي" بشأن القرض الذي طلبته مصر في أعقاب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، صاحبه إعلان مفاجئ للحكومة المصرية عن خطة للتقشف، في محاولة منها لعلاج عجز موازنتها الذي اقترب من 180 مليار جنيه، باعتبار أن التقشف سياسة انكماشية تقوم علي تقليل الحكومة للنفقات أو ارتفاع معدلات الضرائب أو الاثنين معاً، وهو ما فتح الباب للتكهنات بأن مصر تسير علي درب "اليونان"و"إسبانيا". حالة الارتباك هذه من الطبيعي أن تلقي بظلالها القاتمة علي مستقبل الاقتصاد المصري، وأمام كل هذا الغموض والتوتر والتخبط، تبقي البورصة المصرية والجنيه المصري، هما أبرز ضحايا تلك المتغيرات، وهوما بدا واضحاً خلال الاسبوع الماضي، الذي شهدت فيه تعاملات البورصة أداء متذبذبا غير مستقر، صاحبه تراجع في سعر صرف الجنيه أمام جميع العملات الاجنبية والعربية، وبخاصة "الدولار" الأمريكي لأدني مستوياته في 8 سنوات، علي خلفية شائعات بتقديم بعثة" صندوق النقد الدولي" قائمة بشروط جديدة في مقابل الموافقة علي القرض، وهوما لم تعلن عنه الحكومة، حسبما أكد خبراء الاقتصاد. من جهته قال مصدر مسئول بمجلس الوزراء المصري في تصريحات خاصة ل"العالم اليوم"، إن وفد صندوق"النقد الدولي" عرض قائمة بشروطه، مقابل حصول مصر علي القرض، تتمثل في ضرورة توزيع قيمة القرض علي المشروعات الصغيرة الخاصة بالشباب، والمشروعات ذات الكثافة العمالية العالية، للسيطرة علي ارتفاع معدلات البطالة، وترشيد عملية دعم السلع الأساسية مثل البنزين والخبز والبوتاجاز وغيرها، ووضع خريطة واضحة لجهود الحكومة في إنعاش الاقتصاد، خاصة في مجال الاستثمارات، والسياحة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية للعمل في مصر. وقال المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن بعثة الصندوق لم تبدِ أي موافقة نهائية، حتي الآن، بشأن رفع قيمة القرض إلي 4.8 مليار دولار، بدلاً من 3.2 مليار دولار، أو طلب الجانب المصري مد مهلة تسديد القرض لتكون 7 سنوات بدلاً من 5 سنوات، إضافة إلي طلب إسقاط الفائدة علي القرض البالغة قيمتها 1.1 %. وفيما يتعلق بتلك المتغيرات وتأثيرها علي البورصة والجنيه المصري، قال نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل محسن عادل، إن الاستقرار السياسي والاقتصادي وتحقيق الامن وطمأنة المستثمرين، مفاتيح رئيسية لعودة النشاط إلي البورصة وتمكين الاقتصاد من استعادة عافيته وكذلك الجنيه المصري. ولفت عادل إلي أن استقرار الأوضاع السياسية و ما يترتب عليه من تحسن في البناء الاقتصادي يمثل دعما إضافيا علي قدرة البورصة علي التعافي و هو ما يستلزم تفعيل أدوات لتنشيط السيولة و الإسراع بتفعيل عدد من التعديلات في منظومة التداولات خلال الفترة القادمة . وأضاف أن التحسن في نسبة تداولات المؤسسات السوقية بالإضافة إلي ارتفاع تداولاتها يشير إلي أن المستثمر المؤسسي رغم تراجع تداولاته قياساً بما كان معروفا عنه في سنوات سابقة، لا يزال يبدي اهتماماً بالاستثمار في البورصة و يري فرصا استثمارية في تحسن الأوضاع السياسية و الاقتصادية حاليا . وتوقع أن تكون تقديرات نتائج الشركات للربع الثالث المحفز الأكبر لأداء أسواق الأسهم المحلية خلال الفترة القادمة فبعد فترة طويلة تأثر فيها السوق بالعوامل الخارجية سواء العوامل السياسية أو العوامل الاقتصادية فانه من المتوقع ان يعود السوق خلال الفترة القادمة للتأثر بالعوامل الداخلية حيث إن التأثير الفعلي للإصلاحات الاقتصادية و السياسية المرتقبة سيكون علي المدي المتوسط خاصة مع ارتفاع الشهية الاستثمارية وتوافر رؤوس الأموال و ارتفاع الثقة الاستثمارية لدي المستثمرين . وعلي صعيد أداء الجنيه المصري وتأثره سلباً بتلك الأحداث الدائرة، فقد تراجع الاسبوع الماضي أمام "الدولار" الأمريكي ليسجل أدني مستوياته في 8 سنوات، بسوق الصرافة، كما تراجع أمام العملات الأوروبية والعربية بالتزامن مع مفاوضات مصر مع صندوق "النقد الدولي" للحصول علي قرض بقيمة 4.8 مليار دولار. من جهته برر رئيس شعبة الصرافة باتحاد الغرف التجارية المصرية محمد الأبيض، تراجع الجنيه أمام جميع العملات الأجنبية والعربية، بتزايد الإقبال علي العملة الأمريكية بسوق الانتربنك، فضلاً عن تجدد شائعات حول وجود اشتراطات جديدة لصندوق "النقد الدولي" تتعلق بقيمة العملة المحلية، كشرط أساسي لحصول مصر علي القرض الدولي. بينما أكد الخبير الاقتصادي استاذ التمويل والمنظمات بإحدي الجامعات الدكتور إسلام عزام، أن تطبيق مثل هذه السياسات في مصر والمتعلقة بالتقشف، من الصعب تطبيقها في الوقت الحالي وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، مشيراً إلي أن هذه السياسة يجب أن تطبق في البلدان ذات النمو الاقتصادي السريع، أما في مصر نحتاج لسياسة توسعية وارتفاع لمعدلات الاستثمار وليس خفض الإنتاج. بينما أكد الدكتور محمد الغرباوي استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بإحدي الجامعات المصرية، أن أزمة اليونان تلقي بظلالها علي الواقع المصري، عندما بدأت بلاد الإغريق في الاقتراض بدافع حدوث الأزمة العالمية تورط الجهاز المصرفي بها وانهارت الدولة حين وصلت قيمة الدين الخارجي لها 400 مليار دولار، وحاولت الدول الأوروبية السيطرة علي الأزمة وفرض البنك الدولي بعض الشروط عليها لإعطائها قروض وألزمها بالتقشف، ورغم سياسات اليونان التقشفية لم تنجح في حل أزمة الدين لديها بدليل وجودها علي رأس قائمة الدول غير القادرة علي سداد ديونها السيادية بنسبة 90.7% وتأتي مصر علي القائمة نفسها محتلة المركز العاشر ب 23.3 %. وقال الغرباوي : أري السنوات العجاف تزحف علي مصر وأكاد أخشي من إعادة ترديد هتافات عام 1977، يا ساكنين القصور الناس عايشة في القبور، وهو بيلبس آخر موضة وإحنا بنسكن عشرة في أوضة، مشيراً إلي أن مصر علي وشك دخول سنوات عجاف ولكن دون يوسف الصديق عليه السلام. من جهته أكد وزير التضامن الاجتماعي السابق الدكتور جودة عبد الخالق، أن التقشف مفهوم مرتبط بالعدالة الاجتماعية مشدداً علي عدم قدرة المواطن العادي علي التقشف "لأنه متقشف فعلاً" ويتساءل عن واضع السياسات "الغبية" -علي حد وصفه- لماذا يصرون علي تطبيق هذه السياسات اللي وضعها يوسف بطرس غالي والتي كانت لا تؤدي إلا الضغط علي الفقراء وليس انصافهم، مؤكداً أن إصلاح النظام الضريبي وتطبيق التقشف علي الأغنياء هو المعني الحقيقي الذي قامت من أجله ثورة 25 يناير، قائلاً:" لو المواطن العادي شاف أن الأغنياء بيتقشفوا، كان هو كمان تقشف". وتقول الدكتورة ناهد عبد المقصود استاذ الاقتصاد بإحدي الجامعات المصرية، إن مخاطر التقشف تطرحها "كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي في اجتماع لوزراء المالية مطلع العام الحالي التضحية بالنمو من أجل التقشف يعرض الاقتصاد العالمي للخطر، لذا يجب مضاعفة الجهود في المستوي المتوسط من أجل خفض معدلات الدين وإعادة العاطلين إلي العمل، فالتباطؤ في تنفيذ الإصلاحات اللازمة سيؤدي إلي تفاقم الأزمة المالية في المستقبل. إلي ذلك أشارت استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس الدكتورة يمن الحماقي، إلي اختلاف موقف مصر المالي عن اليونان لافتة إلي أن مصر ليست في حاجة إلي تقشف وتشير إلي وجود بصيص من الأمل لحل الأزمة اليونانية عند إنشاء صندوق لمواجهة الأزمة برعاية ألمانية يعمل علي شراء سندات يونانية وفق شروط معينة، وعند شرائها ستتمكن اليونان من شحن نفسها وإعادة قدراتها علي تحسين اقتصادها، ولكن مصر من سيقوم بمساعدتها. وأضافت أن تفعيل دور وزارة التخطيط مع "المالية" لتحديد أوجه المصروفات هو أحد أهم الشروط التي تضعها الدكتورة يمن حتي تنتهي الأزمة مشيرة إلي أن التقشف سيؤدي لنتيجة عكسية لأن هناك العديد من المشكلات والقضايا من الصعب فيها شد الحزام، مثل المعاشات والتأمينات لأنها مشدودة علي الآخر. وطالبت بضرورة تشجيع الدولة للمشروعات الصغيرة وتخفيض الشروط علي الاستثمار، مع عدم الاستجابة للمطالب الفئوية ورفع الدعم عن بنزين 92 و95 وتوفير 90 و80 هي السبيل الوحيد لخروج مصر من المطب الاقتصادي الراهن، ويجب تصحيح العجز في الموازنة لمواجهة متطلبات المرحلة المقبلة بأي ثمن.