مرت البلاد منذ ثورة 25 يناير بمنعطفات كثيرة من غياب الأمن وتعطل الإنتاج مما أثر كثيرا على وضعها المالى والاقتصادى وعرضها لمشكلة عجز فى تدفقاتها النقدية لمقابلة الالتزامات الجارية للبلد وانهيار الاحتياطى النقدى الذى تأثر بتوقف الأنشطة التجارية والصناعية والسياحية والتى كانت توفر للدولة إحتياجاتها من العملات الحرة الأجنبية، ومع تتابع ثلاث حكومات فى هذه الفترة وأضيف لها الحكومة الحالية لم يفكر أحد فى كيف نخرج من هذه المشكلة المالية واتجهت مجهوداتهم للاقتراض من صندوق النقد الدولى الذى أصبح اليوم بعيد المنال نظرا لما يسود الدولة من حالة انفلات عام فى كافة النواحى وعدم قدرة الحكومة الحالية فى ظل هذا المناخ من أحداث على اتخاذ أية إجراءات للإصلاح الاقتصادى سواء كانت هذه الإصلاحات تأتى طواعية من الحكومة أو متطلبات صندوق النقد الدولى للتوقيع النهائى على القرض الذى ترى فيه الحكومة الحالية أنه المنقذ الوحيد لما تعانيه الدولة من مشاكل مالية وانهيار اقتصادى. إن رجال المالية والإقتصاد يعرفون جيدا أسباب هذه المشكلة وللأسف يقفون أمامها وكأنهم عاجزون عن إيجاد الحل أو الحلول لها ويدور فكرهم فى دائرة مغلقة هى نفسها التى تدربوا وتمرسوا عليها منذ سنوات كثيرة وكأنهم امتداد لما كانت تطبقه الحكومات السابقة قبل ثورة 25 يناير. إن المشكلة الرئيسية تتمثل فى محدودية مصادر التمويل النقدى للدولة التي تمثل فيها حصيلة الضرائب على الدخل والرسوم الجمركية والأخرى ما يقارب 70% من الدخل النقدى للدولة ، أما باقى ال30% فيتمثل من إيرادات قناة السويس وبيع الغاز الطبيعى والبترول «وإن كان هذا لا يمثل الدخل النقدى المتوقع من هذه المصادر» وهناك بعض المنح والفائض المتدنى من استثمار أصول الدولة فى شركات قطاع الأعمال العام. معنى هذا أن على الدولة أن تبحث عن مصادر أخرى لتدفقاتها النقدية وليس حصيلة ضرائب الدخل والرسوم الجمركية خاصة أنه مع بداية عام 2015 سوف تنخفض أو تتلاشى حصيلة الرسوم الجمركية نتيجة لتطبيق التزامات الدولة الموقعة عليها باتفاقية التجارة الحرة . الأمر الثانى الذى يسبب دائما وجود عجز متراكم للموازنة العامة للدولة هو إستحواذ الدولة على تنفيذ كافة مشاريع التنمية الاستثمارية خاصة فى البنية الأساسية وهو مايمثل عبئاً إضافياً على موارد الدولة النقدية المحدودة والتى هى أصلا غير كافية لتغطية المصاريف الجارية والالتزامات النقدية الأخرى وسداد تكاليف خدمة الدين العام الداخلى والخارجى. كما أن الأسلوب التقليدى الذى يتم به إعداد الموازنة العامة للدولة سنويا لا يمكنها من حسن توزيع الدخل وتعظيم استخداماته بما يحقق الأهداف المخطط لها للتنمية، والاستمرار فى إعداد الموازنة العامة للدولة بأسلوب أبواب الصرف سوف يستمر فى إهدار استخدامات الموارد النقدية للدولة واستمرار ظهور عجز الموازنة وبالتالى زيادة الدين الداخلى والخارجى لاضطرار الدولة للاستدانة لتغطية عجز الموازنة ومقابلة التزاماتها الجارية. من المصادر الأخرى لاستخدامات موارد الدولة النقدية وتمثل عبئا كبيرا على هذه الموارد المبالغ الموجهة لدعم السلع الغذائية والطاقة التى تمثل ما يقرب من 30% من إجمالى الموارد النقدية السنوية للدولة ، وهو مايمثل عبئاً كبيراً جدا على موارد الدولة المحدودة. إن سياسة الدولة فى الصرف التى تتميز بعشوائية الصرف وعدم الأخذ فى الحسبان أن موارد الدولة النقدية محدودة ويجب تعظيم استخداماتها لتحقيق أغراض التنمية يجب أن تتحول تماما إلى سياسة تقشفية واضحة ومعلنة وأن تكون كافة الاستخدامات مرتبطة ببرامج لها أهدافها يمكن قياس تحقيقها فى نهاية كل سنة مالية. إن ميزان المدفوعات والميزان التجارى تأثرا كثيرا بحالة الركود الاقتصادى التى تعم البلاد وانحسار الإيرادات النقدية بالعملات الحرة أثر كثيرا على التدفقات النقدية من الخارج والذى أدى بدوره إلى الإنخفاض الحاد فى الإحتياطى النقدى من العملات الأجنبية وكلنا يلحظ كم أثر هذا على قيمة الجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية الأخرى ، إن مجرد ارتفاع سعر العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصرى له تأثير مباشر على إرتفاع تكلفة خدمة الدين الخارجى وأصله الحال السداد وهو يمثل عبئاً إضافياً غير مأخوذ فى الحسبان. لقد انخرطت رئاسة الدولة فى الصراع السياسى بينها وبين الأحزاب والقوى السياسية المعارضة وتكثيف نشاطها ودعمها لإخراج دستور يتوافق مع تحقيق أهدافها للسيطرة على كافة مؤسسات الدولة وترك شئون الدولة المالية والاقتصادية فى أيدى حكومة عاجزة عن تحقيق أى إصلاح للوضع المالى للدولة ولكنها عملت على وضع أيديها على خدودها انتظارا للانفراجة التى قد تأتيها من قرض الصندوق الدولى والذى لن يحقق لها أى تغيير فى وضعها النقدى المتردى إلا جزئيا بعد شهرين من بداية الاتفاق النهائى مع صندوق النقد الدولى وكلنا شاهد على أن الأوضاع السياسية الحالية والصعوبات التى قد تواجهها الحكومة فى الإعلان عن أية إصلاحات اقتصادية ومالية رغبة منها فى بدء الإصلاح الاقتصادى سواء كان هذا مطلوبا من صندوق النقد الدولى أو أنه يأتى طواعية من الحكومة لن تمكنها من ذلك. إن انهيار مناخ الاستثمار فى مصر نتيجة لتردى الأمنى والاقتصادى والسلوك غير الواضح لاتجاهات الحكم الإسلامى أدى إلى هروب بعض رؤوس الأموال سواء الموجودة بمصر أو التى كان محتمل دخولها لسوق الاستثمار فى مصر، وإلى ارتفاع نسبة البطالة وزيادة المسئولية الاجتماعية تجاه هؤلاء العاملين الذين فقدوا وظائفهم نتيجة لخروج الكثير من المستثمرين ، كل هذا يمثل عبئاً جديد على موارد الدولة النقدية. إن ما يجرى فى بورصة الأوراق المالية من شراء مكثف من العرب والأجانب من مبيعات المصريين سوف تكون له نتائج غير محمودة على السوق الاستهلاكى والإنتاجى الذى سوف يسيطر عليه أصحاب هذه الشركات الجدد من العرب والأجانب بعد بيع المصريين لأسهمهم فى هذه الشركات. لقد حاولت أن أبين لكم القليل وليس الكثير مما يعانى منه اقتصاد بلدنا والذى يبدو لى أنه غير واضح لدى الحكومة العاجزة الحالية وأن استمرارها بهذا الشكل سوف يؤدى إلى الانهيار الكامل للدولة. إذا كيف وسريعا نستطيع أن نتغلب على هذه المشاكل المالية ومحاولة الإصلاح الاقتصادى تجنبا لأية هزات جديدة قد تعصف بنا وباقتصاد دولتنا العظيمة مصر؟؟ لم يفكر أحد فى كيفية تعظيم استخدام أصول الدولة الثابتة والمنقولة غير المملوكة للأفراد أو مؤسسات وشركات القطاع الخاص ، وكان كل تفكيرهم هو بيع أراض للمصريين بالخارج بالدولار الأمريكى لتحسين وضع الاحتياطى النقدى دون أن يكون هذا البيع مرتبطاً بأية استراتيجية تنموية وإنما بيع عشوائى كما هو أصلا متبع فى إدارة كافة شئون الدولة. إن ما تحققه الدولة من استخدام أصولها المنتجة والممثلة فى شركات قطاع الأعمال العام وما تحصل عليه من رسوم العبور بقناة السويس لا يتعدى 1% وأقل من القيمة الاستثمارية العادلة لهذه الأصول وهذا يبين كم من إهدار لاستثمارات أصول الدولة. إن مصر لديها من الأصول التى يمكنها استخدامها للحصول على ما تحتاجه من تمويل لمشاريعها الاستثمارية بالكامل التى تحقق لها القضاء على البطالة والتنمية الاقتصادية الشاملة التى تؤدى إلى زيادة الدخل القومى ومن ثم تحسين الوضع المالى للدولة وخفض عجز الموازنة إلى أن يختفى تماما هذا العجز. الخروج الآمن من الأزمة المالية الحالية: أساس الحل هنا هو تطبيق نظرية الهندسة المالية التى بموجبها تمكننا من الوصول إلى وسائل أخرى لمصادر التمويل تتمثل أساسا فى أصول الدولة المملوكة للشعب المصرى – مصر للمصريين - وتمثلهم فى هذا الحكومة، وطبقا لهذا المفهوم باستخدام بعض أصول مصر الأثرية والتى هى منذ سنوات تعرض لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية يمكن الحصول على تمويل نقدى فورى إذا ما أتبعت الخطوات الآتية: • هناك بوليصة تأمين على آثار مصر الموجودة حاليا ومنذ فترة طويلة والمعروضة بالولاياتالمتحدةالأمريكية التى تبلغ قيمتها التأمينية حاليا حوالى مليار دولار أمريكى أو يزيد، يتم إيداع هذه البوليصة باسم الشعب المصرى «ممثلاً فى حكومته» لدى أحد البنوك العالمية الخاصة سواء فى مصر أو خارج مصر. • يصدر البنك الذى تودع لديه بوليصة التأمين إيصالاً بحفظ هذه البوليصة لديه. • يسلم هذا الإيصال إلى مؤسسة التمويل والاستثمار العالمية التى ستقوم باستثمار قيمة بوليصة التأمين لصالح الشعب المصرى لمدة سنة أو أكثر حسب مدة بوليصة التأمين. • تقوم مؤسسة التمويل والاستثمار العالمية باستثمار قيمة البوليصة وتسدد شهريا اعتبارا من الشهر الثالث لتاريخ بدء التعاقد ما يعادل 15% «خمسة عشر بالمائة» لحساب الشعب المصرى فى حسابه البنكى الذى يتم فتحه فى أحد البنوك العالمية التى يتفق عليها. • يحصل بموجب هذا الاتفاق الشعب المصرى ممثلا فى حكومته وفى نهاية مدة التعاقد إذا كان لمدة سنة واحدة على ما يعادل 150% «مائة وخمسين فى المائة» من قيمة بوليصة التأمين أى يحصل على مبلغ مليار وخمسمائة مليون دولار أمريكى بواقع 150 مليون دولار أمريكى شهريا ولمدة 10 شهور. • يسترد الشعب المصرى فى نهاية التعاقد إيصال الاحتفاظ ببوليصة التأمين ومن ثم يمكن استرجاع بوليصة التأمين من البنك المودعة لدية لاستخدامها فى اتفاق استثمار وتمويل جديد وهكذا. • تصدر مؤسسة التمويل والاستثمار العالمية خطاب ضمان لصالح الشعب المصرى ممثلا فى حكومته بما يفيد عدم مسئولية الشعب المصرى ممثلا فى حكومته بأية خسائر قد تمنى بها مؤسسة التمويل العالمية مقابل استثمارها لقيمة بوليصة التأمين ، أى أن هذه العملية تتم بدون أية مخاطرة يتحملها أصحاب بوليصة التأمين أو الأصل المؤمن عليه. • من هذا المنطلق يمكن تمويل كافة مشاريع التنمية الشاملة بأسلوب تمويل الهندسة المالية دون أن تتأثر أصول الدولة بأية مخاطر أو تحركها من أماكنها أو رهنها. • تتحدد المبالغ المطلوبة للاستثمار أو التمويل على قيمة الأصل المؤمن عليه، ونؤكد هنا أنه ليس هناك أية حدود قصوى لمبلغ التمويل أو الاستثمار أى انه يمكن الحصول على كل ما تحتاجه الدولة دون اللجوء إلى صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى أو أية دولة عربية أو غير عربية تعرض المساعدات المالية المشروطة دون فرض أية إجراءات إصلاح اقتصادى قد لا يكون فى صالح الدولة ومحدودى الدخل فى هذه الفترة الزمنية الحرجة ودون رهن أو التصرف فى أى من أصولها المؤمن عليها. • من الأمور الهامة التى يجب أن نشير إليها هنا أن ما يحصل عليه الشعب المصرى ممثلا فى حكومته هى مبالغ غير مستردة لمؤسسة التمويل العالمية حيث إن هذا المبلغ يمثل عائد الاستثمار لقيمة بوليصة التأمين وليس قرضا. طالما حصلت الدولة على احتياجاتها المالية التى تمكنها من القضاء على الخلل فى تدفقاتها النقدية والتنمية الاقتصادية الشاملة للدولة فهذا فى حد ذاته سيكون الائتمان العالمى للدولة لجذب مزيد من الاستثمارات العربية وغير العربية وغير المشروطة. مصر لديها أصول تبلغ قيمتها التأمينية أكثر من 230 تريليون دولار أمريكى إذا ما استخدم منها خمسة تريليونات دولار فقط بتطبيق مفهوم الهندسة المالية يمكنها الحصول على كل ما تحتاجه من تمويل ليضعها على أعلى قائمة الدول العظمى. رسالة أوجهها لرئاسة الدولة وحكومتها أمامكم حل سريع دون أية مخاطرة للخروج من الأزمة المالية الحالية لنقص السيولة المالية دون اللجوء إلى الاقتراض أو انتظار مساعدات مالية مشروطة أو لها أغراض خافية. مستشار مالى وخبير اقتصادى