كأننا عدنا 60 عاماً إلي الوراء.. نفس المظاهرات التي هتفت بسقوط الديمقراطية في بدايات ثورة يوليو.. هي هي لم تتغير، فقد حاصرت مظاهرات مماثلة مدينة الإنتاج الإعلامي عصر أمس الأول، الجمعة.. وسمعنا نفس الهتافات.. بل نفس الشعارات التي ترفض الرأي الآخر.. وتندد بكل من يخالفها.. وما أشبه الليلة بالبارحة.. فقد اختلفت الوجوه، والذقون، وان بقيت نفس الشعارات، ففي مظاهرات 1954 كانت الوجوه.. عمالية يقودها الرجل النقابي «الصاوي» وكان وقودها النقل المشترك، وان كان وراء تحريكها جناح معين في مجلس قيادة ثورة يوليو وينظمها رجال الشرطة العسكرية المؤيدون للجناح المناوئ للديمقراطية، المطالب بفرض ديكتاتورية الحاكم.. الجديد، وهي نفس المظاهرات التي اعتدت علي القضاء المصري ممثلاً في الدكتور عبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة ورمز القضاء المصري.. ودارت عجلة الزمن .. فإذا بجماعة الاخوان - التي عانت اكثر من غيرها من الديكتاتورية.. وكثيراً ما نادت بمبادئ الديمقراطية.. اذا بهذه الجماعة بعد ان وصلت إلي كراسي الحكم تسلك نفس ما كان يسلكه الديكتاتور الذي عانت منه.. واشتكت واكتوت بنيرانه!! وبعد أن كان «الاخوان» شركاء في خندق النضال.. اصبحوا هم الحكام وارتدوا رداء الحاكم.. وسلكوا نفس سلوكه.. كانوا يطالبون بحرية التعبير عن الرأي، بعد أن كتم الديكتاتور أنفاسهم وعطل صحفهم أو عمل علي تحجيمها.. ها هم يتحركون الآن ضد حرية الرأي ويطالبون بالوصاية عليه.. بكل أنواعه.. وإلا بماذا نصف ما حدث عصر أمس الأول عند مدينة الإنتاج الإعلامي.. وسواء كانت هذه المظاهرات إخوانية أم سلفية الا انهم كلهم يلتقون عند نقطة واحدة هي رفض الرأي الآخر.. بل وإرهابه وتهديده والمطالبة بكتم أصواته.. هنا نسأل: من الذي جمع هؤلاء المتظاهرين.. ومن الذي نقلهم من وسط القاهرة إلي مشارف مدينة الإنتاج الاعلامي والمسافة بين الموقعين هي عشرات الكيلو مترات.. ولابد من اتوبيسات وسيارات للقيام بهذا العمل الذي توعد كل الاعلاميين المخالفين لهم.. في عملية ارهابية لم تعرفها مصر منذ عشرات السنين. هو إذن «جهاز» منظم يعرف معني وكيفية حشد هذه الجموع.. وهو أيضا مستعد لدفع تكاليف واعباء هذا الحشد.. مع تقديم وجبات الطعام وكذلك مصروف الجيب .. أي «بدل طبيعة التظاهر والتجمهر».. وهي بالقطع تكاليف باهظة لا يستطيعها الا جهاز منظم وراءه من يمول ومن يدفع.. سواء للبقاء في السلطة.. أو للقفز عليها.. وما أكثر الحالمين بذلك.. وهذا الإرهاب الذي مارسه البعض ضد الاعلام التليفزيوني طال حتي الذين سبق أن استضافهم في قنواتهم سواء قبل ثورة يناير أو بعدها.. ولكن عندما خرج هؤلاء علي الطريق الذي يفضله من يحرك هذه المظاهرات انقلبوا عليهم.. وهتفوا بسقوطهم ولا نستبعد تأديبهم أو مطاردتهم بالقضايا والبلاغات الكيدية التي تحاول النيل من شرفهم.. وللأسف «هم» بارعون في ذلك!! والطريف ان بين المتظاهرين من يدعون الاسلام ويطالبون بتطبيق أحكام الشريعة ومبادئها.. بينما هذه المبادئ السمحة تحض علي السلوك السليم البعيد عن رمي المحصنات.. ولكننا وجدناهم يرمون المحصنات بأبشع الكلمات والتهم والعبارات .. فهل هذه هي المبادئ التي ينادون بها.. واذا تتبعنا كلمات الهتافات التي قيلت في هذه المظاهرات نجدها كلها تطالب بتطهير الاعلام الذي يرونه فاسداً.. بينما كان نفس هذا الاعلام ونفس الاعلاميين هم أول من تعاطف معهم.. بل وقدموهم للرأي العام ولكن كل هذا ينسونه.. بمجرد أن يخرج أحدهم علي الرأي الذي يعتنقونه !! وأعتقد أننا مقبلون علي مذابح عديدة.. فما جري أمام مدينة الانتاج الاعلامي هو مقدمة لمذبحة رهيبة ضد أقطاب الاعلام التليفزيوني.. تبدأ بإرهاب أصحاب هذه القنوات حتي يجبروها علي البطش بهؤلاء النجوم، نقول ذلك وقد ظهرت للكل مقدمات هذا الارهاب ضد هذه المحطات والقنوات.. بل وبعد أن اظهرت بعض هذه القنوات ما كانت تخفيه وعرف الناس مؤخراً انتماءات بعضهم.. خصوصاً القنوات التي خرجت للناس في الشهور الاخيرة.. وبات بعضها يخشي غضبه النظام الجديد فحدث ما نراه من تحول رهيب في سياساتها.. وياروح ما بعدك روح!! ولأن الجماعة وحلفاءها أو مؤيديها شديدة التنظيم.. وذات قدرة أكبر علي حرية العمل والحركة فإننا نتوقع تحركاً كبيراً، خصوصاً كلما زاد ضغط التيارات المعارضة لهم.. واذا كان القضاء هو المعركة الأولي أمام «الجماعة» كما كانت «الداخلية» وبالذات أمن الدولة في طليعة الهدف الذي خططت له.. حتي كسرت الجماعة أمن الدولة والداخلية ولهم حق فيما فعلوه بأمن الدولة إلا أن المعركة الاكبر هي القضاء.. والهدف كسر استقلاليته وارهابه.. وما معركة النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود إلا بداية المعركة الكبري ضد هذا القضاء.. ثم تأتي المعركة التالية - وهي التي بدأت شواهدها أمس الأول وهي المعركة ضد الاعلام التليفزيوني الذي ينقل للشعب ما يجري، فإذا لم تستطع الجماعة إسكات هذه المحطات باقناعها بالعمل معهم.. فالطريق واضح.. وهو ارهاب متعمد ضد هذه القنوات وضد العاملين فيها.. أيضاً المعركة ضد الكلمة المكتوبة، أي الصحافة، فإذا كانت الجماعة قد وضعت يديها علي الصحف القومية التي تبرر الآن كل شيء لصالحها.. فإن المعركة القادمة هي ضد الصحافة المستقلة.. والصحافة الحزبية.. وسوف تكشف لنا الايام انهم لن يتركوا هذا الاعلام الا بعد أن يتحول لصالحهم أو يدمروه، والأيام بيننا.