قالت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية إن إسرائيل فقدت أصدقاءها فى أوروبا، وتساءلت المجلة:"كيف فقد "بنيامين نتنياهو" اصدقاءه الأوروبيين، بينما نجح الرئيس الفلسطينى "محمود عباس" فى كسب تعاطفهم؟. وأوضحت المجلة أنه لم يكن هناك أدنى شك بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة ستصوت بأغلبية ساحقة لرفع مستوى السلطة الفلسطينية إلى وضع دولة غير عضو فى المنظمة الدولية فى 29 نوفمبر الماضى، ولكن المفاجأة الكبيرة، كانت أن عددًا من الدول الرئيسية في أوروبا الغربية لم تنضم إلى الولاياتالمتحدة فى التصويت ضد القرار، بل كانت جمهورية التشيك، هى الدولة الأوروبية الوحيدة التى صوتت ضد القرار، والمثير أكثر للصدمة، أن الحكومات الموالية عادة بقوة لإسرائيل مثل ألمانيا وبريطانيا قررت الامتناع عن التصويت، فهل هذا يعني أن إسرائيل فقدت أوروبا؟! موقف ألمانيا وقالت المجلة إن قرار ألمانيا المستغرب، بالتحول من معارضة طلب الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بإقامة الدولة الفلسطينية إلى الامتناع عن التصويت، تم فى اللحظات الأخيرة قبل عملية التصويت، وبررته ألمانيا باستمرار إسرائيل فى بناء للمستوطنات في الضفة الغربية، وهو مصدر الخلاف في العواصم الأوروبية، ويبدو أن ألمانيا قد اتخذت هذه الفرصة لمعالجة الصراع على المسرح العالمي. وكان هذا القرار صدمة للإسرائيليين، خاصة بالنظر للعلاقة التاريخية بين ألمانيا والدولة اليهودية، فقد أعلنت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" في كلمة في الكنيست عام 2008: "إنها تؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأنه فقط الإسرائيليين والفلسطينيين - دون تدخل خارجي - يمكنهما التفاوض على حل الدولتين، وأضافت "ميركل": "كل المستشارين الألمان أعلنوا تحملهم المسؤولية التاريخية الخاصة لألمانيا تجاه أمن إسرائيل"، وقالت ميركل بعد ذلك. "هذه المسؤولية التاريخية هي جزء وجود المانيا، وبالنسبة لي كمستشارة لألمانيا، فإن أمن إسرائيل لن يكون قابلا للتفاوض". واشارت المجلة إلى أن جزءًا كبيرًا من تفاني ألمانيا من أجل أمن إسرائيل يقوم على على مفهوم التعويض عن الجرائم الألمانية ضد يهود أوروبا خلال محرقة "هتلر" الشهيرة. واكدت المجلة انه على الرغم من أن ألمانيا تفضل أن تقدم نفسها على أنها اقوى حليف لإسرائيل في أوروبا، كانت العلاقة في كثير من الأحيان هشة، وعلى سبيل المثال سعى " كريستوف هيوسجن" مستشار"ميركل" للأمن القومي والشرق الاوسط في عام 2009 - بعد عام من خطاب للمستشارة أمام الكنيست - إلى اقناع مبعوثي الولاياتالمتحدة بتخفيف معارضة واشنطن لتقرير "جولدستون" الشهير في الأممالمتحدة، بخصوص جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة خلال عملية "الرصاص المصبوب عام 2008". كما انتقد "كريستوف " رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو" فى ذلك العام وطالبه ببذل المزيد من أجل جلب الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات، وقال انه فى ظل حصول الفلسطينيين في القدسالشرقية على إشعارات من السلطات الإسرائيلية بتدمير منازلهم، سيكون من 'الانتحار' للرئيس "عباس" التحرك في ظل الظروف". وقال:" انه لا يستطيع فهم لماذا "نتنياهو" لم يفهم هذا، واقترح "كريستوف"الضغط على "نتنياهو" من خلال ريط المعالجة المقبولة لتقرير "جولدستون " فى مجلس الأمن الدولي كما ترغب اسرائيل ، بوقف كامل للنشاط الاستيطاني". وفي عام 2010، اجريت العديد من الاتصالات الهاتفية الساخنة بين نتنياهو وميركل حول قضية المستوطنات، وزادت العلاقة المتوترة سوءا بعد قرار ألمانيا فى هذا العام برفع مستوى تمثيل السلطة الفلسطينية في برلين إلى بعثة دبلوماسية كاملة لها سفير. كما أن امتناع ألمانيا عن التصويت ربما يرجع ايضا لحسابات محلية، وعلى وجه التحديد، فإن "ميركل" سترث الحزب الديمقراطي الاشتراكى كشريك في تحالف حكومة جديدة في الانتخابات المقررة في عام 2013، وخلال شهر نوفمبر الماضى، استضاف مسؤولون من الحزب الديمقراطى الاجتماعى، ممثلين فلسطينيين من حركة فتح الحاكمة فى الضفة الغربية في مقر الحزب الديمقراطي الاشتراكي فى برلين وتم نشر إعلان مشترك يؤكد "شراكة استراتيجية" بين الطرفين. فرنسا ترفض المستوطنات وفي الوقت نفسه، شهدت علاقات فرنسا مع إسرائيل عدم ارتياح لأكثر من عقد من الزمان، وبلغ التوتر ذروته فى عام 2001، عندما وصف سفير فرنسا إلى بريطانيا، "دانيال برنار"، إسرائيل بتعبير "هذا البلد الصغير" فى احد احاديثه" وفي عام 2011، قال الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي" في اجتماع قمة مجموعة العشرين للرئيس الامريكي "باراك اوباما" :" انه لا يستطيع الوقوف بجانب نتنياهو" (واتفق معه أوباما). وخلال فترة "ساركوزي" ايضا، كانت فرنسا أيضا المدافع القوي عن ترقية وضع فلسطين كدولة عضو في "اليونسكو"، وهو ما جعل إدارة "أوباما" تحجب 80 مليون دولار مساهمة سنوية للمنظمة التى تتخذ من باريس مقرا لها، واعترضت واشنطن على هذه الخطوة. ولم يختلف الوضع كثيرا بعد "ساركوزي"، حيث ان "فرانسوا هولاند" الرئيس الجديد، جعل قضية المستوطنات من أولويات حكومته"، وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان الشهر الماضى:"ان المستوطنات تؤدي إلى تآكل بناء الثقة بين الجانبين وتشكل عقبة أمام السلام العادل، على أساس حل الدولتين،" واعلن "هولاند" صراحة انه سيدعم طلب "عباس"، وكان موقفه ضد الدولة اليهودية مذهلا، خاصة بالنظر إلى التنامي الأخير في العنف المعادي للسامية الذي هز فرنسا في السنوات الأخيرة، مما اضطر باريس والقدس للتعامل بصورة مشتركة مع هذا الاتجاه المقلق. اسبانيا تغازل العرب وفقا لدبلوماسي أوروبي على دراية جيدة في السياسة الخارجية لإسبانيا، استفاد "هولاند" من الوضع الاقتصادى الاسباني السيئ، حيث صوتت مدريد لصالح القرار الفلسطينى فى الامم المتحدة، على أمل أن فرنسا ستساعد اسبانيا في الجولات المقبلة من محادثات التقشف الأوروبية، وكذلك كان الحال بالنسبة لكل من ايطاليا والبرتغال اللتين صوتتا لصالح القرار. واشار الدبلوماسي أيضا إلى أن إسبانيا تسعى للحصول على مقعد دائم في مجلس الامن الدولي وأن التصويت لصالح فلسطين قد يكون وسيلة للحصول على دعم الدول العربية. التشيك فقط واذا كانت إسرائيل حصلت على دعم رئيس الوزراء الايطالي السابق "سيلفيو برلسكوني" قبل ذلك، فإن خليفته "ماريو مونتي" دعم الموقف الفلسطينى بوضوح فى عن تغيير تام لموقف ايطاليا التى وقفت ضد الفلسطينيين قبل عام واحد. أما موقف التشيك فلم يكن مستغربا، فقد وصفت صحيفة "هاارتس" الاسرائيلية وزير الخارجية التشيكي " كاريل شوارزنبرج" ب " الأمير الصهيونى" لدعمه عملية "الرصاص المصبوب" ضد غزة فى عام 2008. حرب غزة ورأت المجلة ان حرب إسرائيل ضد حماس في غزة الشهر الماضى كان لها تأثير على صناع القرار في الاتحاد الأوروبي الذين يرون أن الرئيس "عباس" هو البديل الافضل لحركة "حماس" التى اظهرت قوتها العسكرية وتميل الى العنف. كما ان الرئيس "عباس" نجح فى تحركه الدبلوماسى وزياراته المتعددة إلى العواصم المحتلفة فى اوروبا وامريكا اللاتينية واسيا، بما في ذلك برلين ، أما إسرائيل، من جانبها، لم تقوم بأى مبادرات دبلوماسية لمواجهة جولة عباس فى العواصم الأوروبية على مدى العامين الماضيين، لإقناع الزعماء الأوروبيين ببديل عن التصويت لصالح القرار. وإحقاقا للحق، فإن إسرائيل تواجه دائما معركة شاقة في أوروبا، حيث يتزايد السكان المسلمين باستمرار، والمشاعر المؤيدة للفلسطينيين تكسب قوة دفع. ومن وجهة نظر الاتحاد الأوروبي ان تعنت إسرائيل منذ وقت طويل بشأن المستوطنات أدى إلى صعود حماس، وبالتالى فإن تأييد عباس لا مفر منه، ليجد نتنياهو نفسه وحيدًا إلى جانب امريكا وسبع دول اخرى.