تصاعدت حدة المواجهات بين الرئيس محمد مرسى، والقوي السياسية بمختلف فصائلها خلال الأيام الماضية، وبعد أن كانت الحرب باردة بين الطرفين طوال الأشهر الخمسة الماضية، اشتعلت حدة المواجهات فجأة عندما فجر الرئيس قنبلته الدستورية، وخرج علينا بإعلان دستوري يمنحه صلاحيات لا نهائية، ويحصن قراراته ضد أي نوع من أنواع الطعن عليها، ووجدت القوي السياسية نفسها في خندق واحد، حيث خرجت في مظاهرات في الشوارع رافضة الإعلان، وتصاعدت حدة المواجهات بتعليق القضاة العمل في المحاكم، ورفض نقابة الصحفيين الإعلان، والتهديد بتوقف الصحف عن الصدور، وتم تشكيل جبهة إنقاذ وطني من عدد كبير من الأحزاب والقوي، اتفقت علي أمر واحد، هو مواجهة الرئيس، فهل تفلح هذه التكتلات والمواقف المتصاعدة في مواجهة الرئيس؟ وهل تثنيه عن عزمه على الإبقاء علي إعلانه الدستوري؟ وهل حنث الرئيس لليمين يمكن أن يهدد عرشه؟. حالة من الشد والجذب والتناحر شابت علاقة الرئيس مرسي والقوي السياسية، وتحولت الأمور فجأة لصراع معلن وعلنى بعد فترة من الهدنة والترقب، بسبب منح الرئيس نفسه صلاحيات لم يحصل عليها أي رئيس في العالم كله بموجب إعلانه الدستوري المكمل، وأصبحت قرارات الرئيس غير قابلة للطعن، وكأنها وحي إلهي، وليست قرارات لبشر يصيب ويخطئ - وتعدى «مرسي» رسول الله صلي الله عليه وسلم، الذي كان يراجعه أصحابه في قراراته، وكان يستجيب لهم.. ومن هنا بدأت المواجهات، وخرجت المظاهرات في الشوارع مرة أخري مطالبة باسقاط النظام، وطالبت لجنة الوفد في الإسكندرية في بيان لها بالدعوة لإجراء استفتاء شعبي حول تنحي الرئيس مرسي عن الحكم، لنكوصه عن اليمين الدستورية التي أداها في مناسبات عديدة، بإصداره الإعلان الدستوري الذي يعد انتهاكاً صارخاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وضرباً لمصالح الشعب المصري في مقتل، لحنثه باليمين التي تعهد فيها باحترام الدستور والقانون. في سياق متصل، اجتمعت جبهة الإنقاذ الوطني التي تم تشكيلها من 11 حزباً وحركة سياسية علي رأسها أحزاب الوفد والدستور والتجمع والتيار الشعبي وحزب المؤتمر المصري، وقررت رفض الإعلان الدستوري، وأعلنت دعمها للحشد الشعبي في التحرير وجميع ميادين مصر والاعتصام السلمي، كما رفضت الجبهة أي حوار مع الرئيس إلا بعد التراجع عن الإعلان الدستوري الذي وصفته بالباطل. وأكد حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي أن الجبهة تدعم القضاة والصحفيين في موقفهم من الإعلان، والاستمرار في التصعيد، حتي لو وصل الأمر للعصيان المدني. وأشار إلي أن العصيان خيار مطروح إذا لم يستجب «مرسي» لمطالب الجماهير. واستمراراً لمسلسل رفض الإعلان، قررت الجمعية العمومية لنادي القضاة تعليق العمل بالمحاكم، وانضمت نقابة الصحفيين للنادي، ورفضت الإعلان، واعلن الصحفيون عن مشاركتهم القضاة في إضرابهم، ويأتي هذا في الوقت الذي وقفت جماعة الإخوان المسلمين مناصرة ومؤيدة للإعلان الدستوري، وخرجت المظاهرات المؤيدة له، وبذلك أصبح الرئيس وجماعته في مواجهة كافة القوي السياسية والوطنية من أحزاب وحركات سياسية وقضاة وصحفيين، فلمن ستكون الغلبة؟. يجيب عن هذا التساؤل الدكتور محمد الجوادي، المفكر السياسي، مشيراً إلي أنه لو استمرت حالة التشرذم والتفرقة التي تعيشها القوي السياسية في مصر، فلن تكون لها الغلبة أبداً، وهذه المعركة القوية لابد فيها من الوحدة، ونبذ الخلافات واختيار زعيم واحد للمعارضة تكون لديه القدرة علي لم الشمل، حتي يشعر الرئيس أنه أمام قوة واحدة لا يمكن تفتيتها، وبالتالي ستتغير نتائج المعركة. وبما أن الخطوة الأولي لتجميع القوي السياسية قد بدأت بالفعل، يري فؤاد بدراوى، سكرتير عام حزب الوفد أن القوي السياسية ستسير في طريقها بكل قوة للضغط علي الرئيس للتراجع عن إعلانه الدستوري. وأشار إلي أن جهة الإنقاذ الوطني ستستمر في انعقادها، لحين تراجع «مرسي» عن الإعلان وأضاف: اتخذنا بالفعل خطوات تصعيدية أخري، منها الاعتصام في ميدان التحرير، وإذا لم يستجب الرئيس فسيستمر التصعيد، حتي لو وصل الأمر لإعلان العصيان المدني. وأشارت الناشطة سالي توما، عضو ائتلاف شباب الثورة إلي أن جهود القوي السياسية وحدها لن تستطيع فعل شيء، ولابد من الاستجابة الشعبية والمشاركة في الفعاليات للضغط علي الرئيس وأضافت: كل الخيارات مطروحة أمامنا، وعلي رأسها الإضراب العام ثم العصيان المدني، ولكن لابد من التنسيق بين القوي الثورية والسياسية وبين العمال والطلاب، وسنعمل علي ضم الفئات التي أعلنت من قبل عن الاضراب مثل الأطباء، وعمال بعض الشركات والهيئات. ويضم عبدالغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان المستقيل صوته إلي صوت «توما»، مؤكداً أن وحدة القوي السياسية والتعاون مع الحركة الجماهيرية سيكون لهما دور حتمي في اسقاط الإعلان الدستورى، وقال: سنسعي لتوسيع القوي المشاركة في الجبهة لتضم كافة الفئات التي تبحث عن حقوقها الضائعة مثل الأطباء والمعلمين والعمال. وأشار إلي أن كافة القوي السياسية ستستمر في العمل الجماهيري السلمي، وإذا لزم الأمر سنلجأ إلي الإضراب العام رفضاً للإعلان الدستوري. علي الجانب الآخر، ينادي الدكتور مصطفي النجار، عضو مجلس الشعب المنحل وأحد قادة ثورة 25 يناير، بضرورة الحوار بالتزامن مع الإجراءات الثورية، مشيراً إلي أن وضع البلاد الآن لا يحتمل المزيد من الاحتجاجات، والرهان علي استمرار المساندة الشعبية للثوار أمر غير مضمون، لذلك لابد أن يكون هناك حوار قبل التصعيد، الذي قد يصل للإضراب العام والعصيان المدني في حالة فشل المفاوضات. وفي اطار اللعبة أو المعركة التي تدور الآن بين القوي السياسية والرئيس، مازال اعتماد الدكتور محمد مرسي مقصوراً علي تأييد مناصريه من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، في حين بدأت الميليشيات الإخوانية في الاعتداء علي كل من تطوله أيديهم من رموز المعارضة، واتخذت كتيبة المحامين التابعة للجماعة من القانون وسيلة لتقييد أيدي المعارضة، بتهمة قلب نظام الحكم، وهو ما حدث مع بعض الرموز الوطنية، حينما تقدم أحد المحامين ببلاغ للنائب العام تحت رقم 4296 ضد كل من الدكتور السيد البدوي شحاتة رئيس حزب الوفد، والدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور، وحمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي المرشح الرئاسي السابق، يتهمهم فيه بالتآمر لقلب نظام الحكم، ويطالب بالتحقيق معهم ومنعهم من السفر. هكذا احتدمت المعركة واشتعلت، وجمع المصريين في انتظار نتيجتها.