الإسلاميون هم الصندوق الأسود الذي نحتاج إلى فتحه وفك شفرته الداخلية.. ربما كانت هذه العبارة هي العنوان العريض الذي يلخص أعمال ندوة " الإسلاميين ونظام الحكم الديمقراطي. تجارب واتجاهات" التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة على مدى 3 أيام، وشارك فيها نخبة من قادة العمل الإسلامي والباحثين والناشطين السياسيين من العالم العربي، محاور الندوة المتعددة أشرعت الأبواب أمام محاولة جادة لفهم "نجوم السياسة العربية الجدد "أي الإسلاميين"، من إخوان مسلمين وسلفيين وجهاديين وحركات أخرى من المغرب العربي إلى مشرقه، ومناقشة مواقف التيار الإسلامي الذي يتسع ليشمل طيفا واسعا من الإسلاميين من "أسامة بن لادن إلى أردوغان" كما يقول الشيخ راشد الغنوشي، مما أثار نقاشات ثرية تميزت في معظمها بالجدية والحرفية العالية في البحث، رغم غلبة النظرة الأيديولوجية الضيقة على بعض الأوراق أو ما يمكن أن نسميه "التفسير الأيديولوجي للتاريخ والظواهر"، وهو ما أثار ناشطة إسلامية مصرية ودفعها إلى توجيه انتقادات حادة بقولها "إن كثيرا من الأوراق مسبقة النتائج، وأنها تتضمن أحكاما مبنية على تصورات مسبقة". هذه الانتقادات الحادة لا تنقص من أهمية الندوة وما دار فيها من سجالات أثمرت على الأقل، حالة من التواصل يتيح المجال أمام الجميع "إسلاميين وغير إسلاميين" للفهم المتبادل بغية التوصل إلى صيغة يقبل كل طرف فيها الآخر من دون نوايا إقصائية، وتغليب معايير المشاركة على المغالبة، وبناء قاعدة معيارية للتعاون البيني بين الأطراف، وهو الأمر الذي دفع الشيخ سالم الفلاحات، المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في الأردن إلى طلب "نجدة" عربية لجسر الهوة بين الإسلاميين والقوميين واليساريين والليبراليين، وهي الهوة الآخذة بالتوسع بسبب الموقف من الثورة السورية. ربما أهم ما شهدته الندوة اعتراف بعض الإسلاميين المشاركين في الندوة أو القريبين من الفكر الإسلامي بارتكاب أخطاء تحتاج إلى تصحيح، وهي اعترافات صغيرة لكنها مهمة في الوقت نفسه، فهي ربما تؤسس لمراجعة نقدية شاملة وموسعة وصادقة من قبل التيارات الإسلامية المختلفة لتجربتها ومشاركتها في الحياة العامة قبل وبعد الثورات العربية، فالحركات الإسلامية تحتاج إلى "مراجعات جذرية" مبنية على الشفافية والمكاشفة والصراحة والصدق، تقنع الآخرين وتطمئنهم إلى جدية الحركات الإسلامية في التغيير على أسس جديدة تبتعد عن ممارسات الأنظمة السابقة. هذه النقطة بالذات "الثقة المتبادلة" أثارت لغطا كبيرا، بين إسلاميين يقدمون خطابا يقوم على "حسن النوايا"، وبين متشككين يريدون "أفعالا لا أقوالا"، فالطريق إلى جهنم محفوفة بحسن النوايا، والخطاب الاستبدادي دائما ما يبدأ "بالعسل المسموم" حسبما يرون، وبالتالي فإن غير الإسلاميين "من قوميين ويساريين وليبراليين" يطالبون الحركات الإسلامية التي صعدت في سلم السلطة إلى تقديم برامج حقيقية قابلة للتطبيق، والتأسيس لإصلاح حقيقي ينشر ثقافة تداول السلطة ومحاربة الفساد وقبول الآخر كما هو، والكف عن محاولة الهيمنة على الدولة المجتمع والثقافة والدين، وفي مقابل هذه الدعوات يتهم الإسلاميون الآخرين بأنهم يضعون العصي في الدواليب، وأنهم يحرضون عليهم ويشيطنونهم ويعرقلون مساعي التحول الديمقراطي ويعملون على تيئيس الشعوب من الثورة بوصفها عديمة الفائدة، وتخويف الناس من الإسلاميين بهدف خلق حالة من الشقاق المجتمعي، وهو ما عبر عنه باحث يمني بقوله" من يقنع الدجاجة؟" وهي نكتة شعبية تقول إن طفلا مجنونا كان يخاف من الدجاجة لأنه كان يعتقد نفسه حبة قمح ويخشى أن تأكله، وبعد أن تكللت جهود الأطباء بالنجاح وأقنعوه أنه ليس حبة قمح، أعلن أنه شفي من هذا الوسواس، إلا أنه بعد برهة من الوقت عاد الخوف إليه ثانية وقال: " أنا اقتنعت، ولكن من يقنع الدجاجة أنني لست حبة قمح ".. وهنا تكمن المشكلة، فالإسلاميون مقتنعون أنهم جيدون ودعاة إصلاح وديمقراطية، لكن المشكلة في الآخرين غير الراغبين أو غير القادرين بالاقتناع. كثيرة هي الأسئلة التي أثارها المشاركون في الندوة:" من التجارب الإسلامية في السودان والمغرب وتونس ومصر والجزائر وليبيا واليمن والأردن وسوريا والعراق ولبنان، إلى تجربة حكم الإسلاميين في فلسطين تحت الاحتلال، وهي تجارب ناقشت التحديات والبناء السياسي والاقتصادي للدولة ووضع المرأة، والشيعية السياسية وولاية الفقيه ومشاركة حزب الله في العمل السياسي والمدرسة الترابية والبراغماتية السياسية والجمود الأيديولوجي وإشكاليات الانتقال من الدعوي إلى السياسي، والمشاركة الإسلامية في الحكم قبل وبعد ثورات الربيع العربي، وموقف الإسلاميين من المواطنة والعلاقات الدولية، والإصلاح الديني والعلمانية، ومرحلة ما بعد الثورات والقوى الإسلامية والتحالفات المبرمة، والوسطية وفقه الدولة بين الرؤية البراغماتية وتجربة حماس في الحكم، والدولة والمواطنة في فكر وتجربة الإسلام السياسي المعاصر، وإشكاليات التسييس الطائفي في الحركات والأحزاب الإسلامية العراقية، والإسلاميون المغاربة وتجربة التحالفات والمشاركة في الحكم والإخوان والدولة الأردنية من المشاركة إلى المغالبة" وغيرها من الملفات المهمة، تحدث عنها في الندوة باحثون وناشطون سياسيون يشار لهم بالبنان على رأسهم الدكتور عزمي بشارة والدكتور حسن الترابي والشيخ راشد الغنوشي وخالد مشعل وسالم الفلاحات وحارث الضاري وعبد الله جاب الله وعلي صدر الدين البيانوني، وثلة غيرهم ممن قدموا إسهامات طيبة. نجحت الندوة بإثارة عاصفة من الحوارات بين جميع الأطراف، وفي كل مرة كان ينتهي الوقت قبل أن ينتهي الكلام، وهو نجاح يندرج في إطار "القوة الناعمة" لمحاولة تليين الأطراف المختلفة عن طريق الحوار، وتعبيد الطريق أمام الجميع للتعاون المستقبلي بعيدا عن الإقصاء ولغة الرصاص والعنف المادي والمعنوي. وأيا يكن الاختلاف أو الرفض لهذه الورقة، فإن المحصلة النهائية للندوة، هي النجاح بتأسيس "فرشة حوارية" قادرة على التقريب بين الأفكار والآراء والأيديولوجيات والمواقف بعيدا عن التشنج والاصطفاف والعداوة أو حتى إطلاق الرصاص. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية