عندما يكون الأمر متعلقاً بمجموعة من الصبية يقومون برشق رجال الشرطة أو السفارة الأمريكية، فهذا ليس سبقاً إعلامياً لكي تقوم القناة الأولي والنيل للأخبار بعمل بث مباشر لها، لأن الأمر هنا - والكلام نوجهه لوزير الإخوان صلاح عبدالمقصود - يحمل قدراً كبيراً من الإساءة التي تعرض لها الرسول الكريم محمد، أشرف الخلق، لكن الشعب لم يحمل حجارة، ولم يسب أهله من قوات الشرطة. لذلك فالذين تبقوا أمام السفارة أو حول الشوارع المحيطة بها ليرشقوا كل من يمر بهذه المنطقة إما بلطجية أو من صغار السن، وبالتالي أخطأ التليفزيون في عمل هذا النقل المباشر، خاصة أن هناك قنوات أوروبية من إيطاليا وألمانيا وفرنسا نقلت عن التليفزيون المصري هذه الاشتباكات، وهذا دليل علي ما يقال عنا الآن بأننا نتعامل بطريقة همجية، وليست متحضرة مع الأحداث! هذه الواقعة ذكرتنا بمخرج مباراة كرم القدم بين مصر وزيمبابوي في تصفيات كأس العالم 1993 وخرجنا بسبب الطوبة الشهيرة من تصفيات كأس العالم، وبالتالي فهذه الصورة المنقولة عن التليفزيون المصري ضدنا علي طول الخط.. التليفزيون كان يجب أن يكتفي بالمسيرات المنظمة فقط، التي رفع فيها المصريون لافتات الاعتراض مع بث تقارير إخبارية عن الحالة حول السفارة في نشرات الأخبار، كما يحدث في كل القنوات المحترمة ولكن مع شديد الأسف الإعلام المصري بصفة عامة أخذ أسوأ ما في قناة الجزيرة وقام بتنفيذه، وهو نقل أي شيء علي الهواء حتي لو مشاجرة بين بلطجية، ويصورها علي أنها معركة داخل شوارع القاهرة بين الشرطة وأي فصيل سياسي. ما حدث أمام السفارة يتطلب من وزير الإعلام أن يعيد النظر في سياسة التليفزيون المصري، وفي الوجوه التي يتم استضافتها في برامجه، هوجة النشطاء السياسيين التي ظهرت فجأة مع اندلاع الثورة المصرية يجب أن تتوقف ونحسن اختيار من يتحدث، لغة العقل يجب أن تتغلب علي لغة التهور التي كانت سبباً في تفشي ظاهرة العنف في الشوارع، هناك أطفال وبلطجية يذهبون إلي أي منطقة مشتعلة بالأحداث من أجل الظهور فقط علي الشاشات، وهم يرشقون الشرطة بالحجارة متصورين أنه فيلم سينمائي من إخراج رائد الواقعية صلاح أبوسيف، وجاءوا للعمل به، وبعضهم تخيل أنه فيلم أمريكاني لأرنولد شوارزنجر أو توم هانكس أو حتي جاكي شان. هكذا تصوروا وهم أطفال لا يعرفون أن ما يحدث ضد مصلحة الوطن، وهم معذورون بسبب بسيط أن بعض من أطلقوا علي أنفسهم نشطاء سياسيين صوروا ما حدث للمجمع العلمي، وشارع محمد محمود، ثم سفارة أمريكا علي أنه بطولة، وأن الأولاد تهوروا، بل وأخذوا علي عاتقهم عمل مفاوضات، وهدنة مع الشرطة، من يقول إن بعض الأطفال الصغار، وبعض البلطجية يجلسون علي مائدة مفاوضات مع قيادات الداخلية أو الجيش قبلهم، وبالمناسبة لابد أن نفرق بين الثوار وبين من تبقوا في الشوارع لأغراض لا يعلمها غيرهم. وهنا لابد من الإشارة إلي أن تيارات سياسية استفادت من هذا الحشد، وأطلقوا علي هؤلاء الصغار «ثوار» وطالبوا بحمايتهم، لكن عندما كشرت أمريكا عن أنيابها، حصلت الشرطة علي فرمانات عليا، وأخلت الميدان والشوارع من هؤلاء الصبية، لكن مع شديد الاحترام لصاحب القرار لكنه جاء متأخراً، لأن شرفاء المصريين ذاقوا المرار من هذه النماذج، لكن أمريكا - الحمد لله - تدخلت. ما حدث طوال الفترة الماضية من انفلات سببه الإعلام ولن نحمل الوزير الحالي ما سبق لأنه لم يكن موجوداً، لكنه يحاسب بداية من الواقعة الأخيرة، وبالتالي عليه أن ينتقي مع قيادات ماسبيرو المحللين السياسيين من أصحاب المستوي، الذين لا يملكون أجندات خاصة، لأن مقاومة الانفلات يجب أن تبدأ من الإعلام المصري. قناة ال «cbc» لم تكن أفضل حالاً من التليفزيون المصري في نقل أحداث السفارة الأمريكية، حيث خصصت قناتها «+cbc» لهذا الغرض، ولا أعرف هل صاحب هذه القناة، وهو رجل أعمال أصبح له بيزنس في مجال الإعلام يري أن ما تنقله قناته «+cbc» في صالح البلد، وصالح الاستثمار.. أعتقد أنه يعي قيمة الاستقرار مع رجال الأعمال، لسنا ضد نقل الحدث، وتغطيته، لكننا ضد الإسهاب في نقل هذا التراشق غير المبرر من وجهة نظري لأن الانتفاضة التي قام بها الشعب منذ ظهور هذا الفيلم المسيء للرسول الكريم أعطت للأمريكان درساً في أننا لم نعد الشعب الصامت المغلوب علي أمره.. المظاهرات خرجت بشكل حضاري في كل المدن، وكنا نتمني أن تظل للنهاية. ال cbc أخطأت كما أخطأ التليفزيون المصري فأنتم لستم أفضل من قنوات إخبارية عالمية نقلت الحدث بشكل طبيعي، ولم تظهرنا علي شكل لا نريده لمصر وللمصريين.