ما زال بعض القائمين على صناعة السينما فى مصر يلهثون وراء المكسب السهل، حتى لو ساهمت طرقهم الملتوية للحصول على حفنة من الجنيهات فى القضاء على البقية الباقية من صناعة السينما التى تحتضر، لا بسبب الثورة التى يلقى عليها كل متخاذل خطاياه ولكن بسبب جشع صناعها والفوضى غير الخلاقة التى ابتدعوها لتكون وسيلتهم فى تخريب الفن السابع بحجة الجمهور عاوز كدة. ورغم مطالبتنا بالانفتاح على سينمات أخرى لتخليص المشاهد المصرى من براثن الأفلام الأمريكية التجارية النزعة، والتى يعتبرها العقلاء نفايات السينما العالمية إلا أن جهات التوزيع السينمائى ووزارة الثقافة لم يحركا ساكناً حتى توحشت هوليوود وأوشكت على القضاء على السينما المصرية، مع ما تعانيه من قلة الإنتاج وضعف الإيرادات وندرة التوزيع الخارجى الذى يقتصر على دويلات الخليج والتى لم يعد المسئولون عن التوزيع فيها بالسذاجة التى تدفعهم لقبول كل الهراء الذى تنتجه السينما المصرية، مما دفعهم لاستغلال العشوائية والفرقة بين جهات الإنتاج المصرية وتخفيض أسعار الافلام قبل أن تزداد سطوة الموزع الخليجى، ليشترط أبطال وموضوعات معينة ويضع كثيراً من المحاذير فى مقابل وعود بشراء الأفلام. فى الوقت نفسه استحوذ الفيلم الأمريكى على السوق الخليجى وزاحم الفيلم المصرى الذى لم يعد بالقوة التى كان عليها، حتى إن أسماء مثل عادل امام الذى كان يباع فيلمه بالحصول على صورة من توقيعه على عقد الفيلم فقد نفوذه، حتى إن بعض الموزعين لم يدفعوا باقى مستحقات الجهة الإنتاجية بحجة أن الفيلم لم يحقق عائداً لأنه ضعيف فنياً. ولأن السينما رافد مهم من روافد الثقافة، كما أنها صناعة تتبع اتحاد الصناعات الفنية كان على غرفة السينما ووزارة الثقافة البحث فى أزماتها ومحاولة حلها، بدلاً من تجاهل وزارة الثقافة لما تمر به السينما وتواطؤ الغرفة مع بعض المنتجين الذين يجلسون على مقاعد مجلس إدارتها لتحقيق مصالح شخصية، ليساهم الطرفان فى المذبحة التى اتضحت معالمها خلال موسم عيد الفطر بعد أن شهد عرض عدد قليل من الأفلام المصرية فى مقابل عدد أكبر من الأفلام الأمريكية التى نافست على الإيرادات وتسببت فى خسارة «فاضحة» لصناع السينما. ففى الوقت الذى تمخضت السينما المصرية عن أربعة أفلام فى موسم عيد الفطر تغزو هوليوود دور العرض المصرية بستة أفلام تمتلك عناصر الجذب، وهو ما جعل الأفلام الأمريكية تناطح أفلام العيد مع تقديم الموزعين لتنويعه مدروسة بين الأكشن والكوميدى والتاريخى والرومانسى على العكس مما تحمله أفلام الموسم، رغم أن معظم الأفلام الأمريكية التى اقتسمت مع الأفلام المصرية عيدية الجمهور تقدم تيمات معادة وتعمل على استغلال نجاح أفلام سابقة مثل SnowWhite and the Huntsman أو «سنوايت والقناص» لروبرت ساندرز فى تجربته الاولى والذى استعان فيها بتشارلز ثيرون وكريستين ستيورات أو تقديم اجزاء جديدة لعمل سابق، كما فى فيلم الرسوم المتحركة Madagascar 3: Europe's Most Wanted والذى سبقة جزآن حققا نجاحا عالمياً من سلسلة «مدغشقر» لمخرجيها توم ماكجراث وايرك دارنيل وThe Amazing Spider-Man أو «الرجل العنكبوت المذهل» وهى الشخصية الشهيرة التى تعود بمخرج ونجوم جدد فى نسخته الأخيرة التى اخرجها مارك ويب فى تجربته الثانية ويقوم ببطولتها أندرو جارفيلد وايما ستون، والأمر نفسه يتكرر مع شخصية «باتمان» التى يعاد استغلالها فى فيلم The Dark Knight Rises أو «صحوة فارس الظلام» التى يخرج نسختها الأخيرة كريستوفر نولان ويجسدها كريستيان بال مع الفرنسية ماريون كوتيارد كما يصر عجائز هوليوود على الاستمرار فى تقديم جزء ثانٍ منThe Expendables أو «فريق الدمار 2» الذى كتبه وشارك فى بطولته سليفستر ستالون واسند المخرج سايمون ويست بطولة الجزء الثانى لجان كلود فان دام مع باقى نجوم الجزء الاول. وإلى جانب هذه الأفلام يدخل الفيلم التاريخى Brave أو «الشجاعة» للمخرج مارك اندروز وبطولة ايما طومسون وكاريج فيرجسون السباق إلى جانب فيلم Step Up Revolution أو «ثورة الخطوات الساخنة» للمخرج سكوت سبير وبطولة أدم سيفانى وكاثرين ماكورميك وفيلم The Dictator أو «الديكتاتور» إخراج لارى شارليز وبطولة ميجان فوكس وبن كنجسلى. وقد تكون هذه التنويعة هى السبب الحقيقى وراء ثورة منتج وموزع مثل محمد حسن رمزى ومطالبته باستبعاد الافلام الاجنبية من المنافسة على إيرادات موسم العيد إنقاذاً للصناعة -على حد قوله- ولكن المؤسف أن رمزى الذى يخاطب غرفة صناعة السينما للموافقة على اقتراحه هو أحد اعضاء مجلسها، والأغرب أنه وغيره من المنتجين يتحملون مسئولية هذه الأزمة التى وضعوا أنفسهم والسينما المصرية فيها بعد مطالبتهم برفع عدد نسخ الفيلم الاجنبى من 5 نسخ ل 8 ثم ل 10 نسخ للفيلم الواحد وموافقة وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى على هذا القرار بعد إلحاح من أعضاء غرفة صناعة السينما لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية ومع ضعف الإنتاج المصرى ظهرت سلبيات هذا القرار الذى يمثل تهديداً للفيلم المصرى، رغم أن هذا التهديد ليس وليد اللحظة ولكنه مر بمراحل تطور لم يلتفت إليها أى من الساخطين على غزو السينما الأمريكية لأنهم كانوا منتفعين وقتها. فالرسم البيانى للأفلام الأجنبية فى مصر يوضح ارتفاع عددها وارتفاع إيراداتها بشكل مضاعف حتى تجاوزت حاجز المائة فيلم وحققت إيرادات قيمتها خمسة وثلاثين مليون جنيه فى 2007، حينما كانت تعرض بخمسة نسخ للفيلم الواحد بينما ارتفع عدد الأفلام فى 2008 لمائة وستة وثلاثين فيلما وحققت ضعف الإيرادات، حيث وصلت لسبعين مليون جنيه مع حصولها على استثناءات من وزير الثقافة لتعرض بثمانية نسخ وهو ما أدى لارتفاع نسبة الإيرادات من 10% فى 2007 ل 20% فى 2008 وليس من الغريب أن تصل النسبة فى 2010 و 2011 إلى 35% ويجب ألا نتعجب بعد أن أوضحت مؤشرات موسم العيد حصول الأفلام الأجنبية على نسبة وصلت ل 50 % من إجمالى إيرادات هذا الموسم. ورغم حالة الشيزوفرينيا التى تتملك البعض من منتجى وموزعى السينما الذين ينصبون الفخاخ ويقعون فيه إلا أن مبادرة محمد حسن رمزى بوقف عرض الأفلام الأجنبية فى أيام العيد تستحق الدراسة فى هذا الوقت لمواجهة الإغراق الذى تقوم به السينما الأمريكية ولكن الأهم أن هذا القرار صدر لتحقيق مصالح فئة من محتكرى السينما الذين يملكون جهات إنتاجية ودور عرض إلى جانب عملهم كموزعين، وعليه يجب أن تسعى وزارة الثقافة بصفتها المعنية بصناعة السينما إلى استصدار قانون يحرم الهيمنة على السينما بالتشاور مع غرفة صناعة السينما فالمنتجون الأفراد والكيانات الصغيرة هى التى تعطى السينما المصرية قبلة الحياة فى الوقت الذى يتصارع فيه الكبار على كل ما يرفع أرصدتهم المصرفية وهو ما يجعل حلم العودة إلى إنتاج مائة فيلم سينمائى مصرى بعيد المنال، لأننا مازلنا نتعامل مع السينما باعتبارها سبوبة وليست صناعة تستطيع تحريك اقتصاد دولة كما فى الهند التى أصبحت تنافس هوليوود بمدينتها الإنتاجية الكبيرة وعدد أفلامها الذى تجاوز الألف فيلم فى العام فقط، لأن هناك قانوناً وهناك دولة تحمى الصناعة وتدفعها للأمام.