وسط خضم الاحداث الجارية داخل مصر، يزعجني سؤال.. اجابته تزعجني أكثر.. هو: هل تخلينا عن الشعب السوري الصديق.. هل تخلينا عن رفيق الحرب والسلام.. وهل نسينا المواقف المشتركة التي جعلت حتي أعدي الاعداء يعترفون بأنه لا حرب في المنطقة دون مصر.. ولا سلام فيها دون سوريا.. هل نسينا عندما كان علم واحد يرفرف فوق رؤوسنا جميعاً من أعالي دير الذور الي جنوبأسوان ومن القامشلي واللاذقية الي رفح والسلوم.. بل هل نسينا: من الموسكي لسوق الحميدية.. وقبل كل ذلك هل نسينا أيام الانتصار العظيمة من استعادة القدس ومعركة حطين. والصراع الطويل الذي امتد لأكثر من قرنين من الزمان ضد الصليبيين من أيام الفاطميين الي الايوبيين الي المماليك الي أن نجحنا معاً: نحن الشعبين المصري والسوري تحت راية صلاح الدين من استعادة القدس وتحرير أهلها.. أنا نفسي لن أنسي.. وفي أول زيارة لي لدمشق في أوائل سبعينيات القرن الماضي حملت أسرتي معي وذهبنا الي قبر صلاح الدين - بجوار المسجد الاموي - نقرأ الفاتحة لهذا القائد العظيم الذي جمعنا - عندما توفرت القيادة الواعية التي نسيت انه كردي وليس عربياً ولكنه كان مسلماً مخلصاً حتي أصبح نسر صلاح الدين رمزاً علي العلم المصري. أنا نفسي لم أنس، ولن أنسي، اننا كعرب وكمسلمين نري في هذا القائد صلاح الدين رمزاً للنضال المشترك، ضد العدو المشترك، الذي مازال خطراً يهدد الوجود العربي، بل الوجود المسلم في هذه المنطقة. هل نسينا سوريا.. وإذا كانت القيادات تتصارع علي السلطة هنا أو هناك.. فهل ننسي نحن كمصريين أخوة الدم.. وأخوة النضال والكفاح.. هل ننسي سوريا.. منكم لله. نعم المصريون منكفئون علي الكارثة التي حلت بهم، منذ استولي غير الثوريين الحقيقيين علي ثورة يناير.. ومنذ قفزوا الي مراكز الحكم، وكأن حلمهم الاكبر ليس الثورة.. ولكن الاستيلاء علي الحكم. فهذا هو حلمهم منذ عشرات السنين.. وعفا الله عن صدام حسين الذي بدأ زعيماً عربياً وانتهي مجرماً عربياً عندما احتل الشقيقة الكويت منذ 20 عاماً.. وقبلها أوهمنا انه يعد جيشه الذي كان عظيماً لكي يحرر فلسطين ويعيد اعلام العروبة فوق القدس.. ولكننا وجدنا هذا الجيش يتجه شرقاً مرة - الي ايران - في حرب شرسة استمرت 8 سنوات.. ويتجه جنوباً مرة أخري - الي الكويت - محاولاً التهامها وتقديمها لقمة سائغة لقواته، حتي لا ينقلبوا عليه.. الي أن ضاعت العراق.. ومازالت. ومهما اختلفت الرؤي حول الثورة في سوريا.. وهل هي ثورة شعبية تستهدف تحسين أوضاع الشعب، أم هي عمليات ارهابية تنفذ مخططاً استعمارياً يستهدف كسر الصمود السوري.. نقول مهما اختلفت الرؤي إلا انه لا يمكن السكوت - أكثر من ذلك - عن ما يحدث هناك في كل مدن العزيزة سوريا: في دمشق.. وفي حلب وحمص وحماة وأدلب ودرعا.. حقيقة ثورات الشعوب المصرية والتونسية والليبية واليمنية لم تحقق حلم الثورة النظيفة حتي الآن، إلا أن رد فعل النظام الحاكم في سوريا شديد للغاية.. وباطش الي أبعد مدي.. وما كان يجب أن يمضي النظام السوري الي حد ضرب شعبه بالطائرات والصواريخ والمدفعية والدبابات حتي بات السوري غير آمن علي نفسه أو ماله وعياله. وبات يسقط منه المئات كل صباح ومساء، في كل المدن علي استحياء. وما يزعجني هو موقف الدول العربية والاسلامية.. واذا كان بعض هذه الدول له مصالح، أو مطامع.. أو أهواء سواء في ايران في أقصي الشرق أو تركيا في أقصي الغرب.. أو حتي قطر التي تبحث عن دور في المنطقة.. فإن ما يهمني - في المقام الأول - هو موقف مصر. فلا موقف الحكومة المصرية يعجبني، حتي بعد أن استحوذت علي كل شيء.. ولا موقف الشعب المصري نفسه الذي يحيرني.. ويؤلمني. ولكن يبدو ان الشعب المصري بات مهموماً بمشاكله اليومية من نقص كهرباء الي أهرامات القمامة إلي قطع الطريق الذي بات أمراً يومياً سواء كان علي الطرق العامة الخارجية، أو الداخلية.. أو علي خطوط السكك الحديدية وحتي الهجوم علي المستشفيات وكأن الشعب لم يعد قادراً علي الحمار.. فأخذ يصب غضبه علي البردعة!. ورحم الله زعيمنا العظيم مصطفي النحاس الذي أشعل الدنيا ناراً عندما اعتقل الاستعمار الفرنسي عدداً من مناضلي سوريا ولبنان فاستدعي ممثل فرنسا في القاهرة ووجه له انذاراً بأنه اذا لم يتم الافراج عنهم فسوف يلقي النحاس باشا القبض علي كل رعايا فرنسا في مصر.. فاستجابت سلطة الاحتلال فوراً وأفرجت عن مناضلي سوريا.. فأين هذا مما يحدث الآن في كل أنحاء سوريا.. من تدمير لكل ما هو قائم هناك - وفي أي مدينة.. ومن مطاردة كل من يقول لا للنظام السوري. وفي السعودية الآن تلتقي قيادات دول التعاون الاسلامي وفيها ملوك ورؤساء أكبر الدول الاسلامية.. تري هل نكتفي - في مصر علي الاقل - بما سيخرج من هذا المؤتمر، ولن يخرج عن بيان سياسي، مهما كانت كلمات قاسية إلا انها لن توقف هذه الابادة التي لم تشهد سوريا مثيلاً لها حتي أيام الوالي التركي الشرس جمال باشا الذي نصب المشانق في كل مدن سوريا. ولا يكفي أن ترسل مصر مدداً تموينياً للاشقاء في سوريا لان النظام الحاكم لن يوصلها للشعب، ولكن لمؤيديه ومقاتليه. ولا يكفي أن نشجب وندين بل يجب أن نتحرك - وبقوة - لإجبار النظام السوري علي وقف هذه المجازر فوراً ضد الشعب السوري الشقيق.. يجب أن يتحرك الشعب المصري في مظاهرات عارمة ضد ممارسات النظام السوري حتي يحس شعب سوريا ان شعب مصر مازال يتذكر شقيقه الشعب السوري.