لفد التبس الأمر على الحكومات المتعاقبة منذ خمسينات القرن الماضى حتى الآن للتفريق بين المهاجر والمغترب .. وقد تسبب هذا الالتباس فى الاخفاق فى معالجة الكثير من القضايا .. وفقد ثروة هائلة من العملة الصعبة .. فالمهاجر هو انسان ترك أرض مصر بنية عدم العودة اليها – على الأقل فى القريب العاجل .. حيث أنشأ له مكانا فى دولة أخرى وأختار له ولأسرته بيتا دائما فى البلد التى هاجر اليها .. سواء كانت قريبة أو بعيدة عن البلد التى ولد فيها .. وغالبا ما تكون هذه البلد الجديدة من البلاد التى يسمونها بلاد المهجر أى البلاد المستوردة للطاقة البشرية .. وأشهر هذه البلاد هى الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا .. بغرض الاقامة والاستقرار فيها .. حتى البلاد القريبة كالدول العربية قد ينزح لها المصريون بقصد الاستقرار الدائم .. فيصح تسمية النازح باسم المهاجر وليس المغترب .. وغالبا ما تكون الهجرة الي هذه البلاد للتزاوج والتناسب .. أما المغترب فهو شخص ترك أرض الوطن بقصد العمل لفترة – طالت أوقصرت – لكنها فترة للعمل .. على ان يعود بعدها الى أرض الوطن .. للبناء والشراء والاستثمار .. لتربية الأولاد والحياة مع الاقارب والأصحاب .. وفى الحالة الأولى لايهم المهاجر أن يرسل أموالا أو يستثمر نقودا فى البلد التى هاجر منها لأنه قد لا يعود اليها أبدا بعد أن اعتاد هو وأسرته على الحياة الجديدة .. على عكس المغترب الذى سوف يعود بعد أن ينتهى عقد عمله ولذلك فهو دائما يرسل أمواله الى البلد التى نزح منها لأنه فى احتياج لها للأنفاق على أسرته منها ولأنها أكثر أمانا فى دولته الأصلية .. المهاجر يحتاج الى من يشجعه ويدفعه الى التعامل مع أرض المولد .. أى الأرض الأصلية التى ولد عليها وهاجر منها .. ولذلك نشطت الدول التى تكثر الهجرة منها الى انشاء وزارات للهجرة للاتصال بمواطنيها المهاجرين للتعرف على احتياجاتهم والربط بينهم وبين أوطانهم وتشجيعهم على التعامل مع أوطانهم الأصلية .. وطبعا تشجيع الأثرياء منهم على الاستثمار فى أوطانهم الأصلية .. وقدرات وزير الهجرة يجب أن تكون متعددة حتى يستطيع خدمة المهاجر واقناعه وخدمة الوطن .. وليس السفر للفسحة وزيارة بعض المعارف والأصحاب كما رأينا من معظم وزراء الهجرة السابقين .. ولجأت معظم دول العالم الثالث الى اعطاء المهاجر حقوق الانتخاب والترشح والترشيح وحق العودة ان أراد للاستفادة من قدراته وخبراته وأحيانا أمواله.. الا دولتنا المحروسة التى وضعت له العراقيل فى كل خطوة يخطوها وكأنه جرثومة وليس ابن البلد .. وليس أدل على ذلك من قانون الجنسية الذى لا مثيل له فى السوء وآثاره الغريبة .. هذا تزوج .. وذاك أمه أو أولاده حصلوا على الجنسية .. مما يجعله مانعا له من العودة والمشاركة فى الحياة العامة .. مما يستوجب الغاؤه فورا بعد قيام ثورة 25 يناير.. فهو قانون يخالف المنطق والعقل البشرى .. ولذلك فقد طالبت كثيرا منذ سبعينات القرن الماضى بالغاء هذا القانون المبتور والمخالف لأبسط حقوق الانسان .. وقد آن الأوان .. أما المغترب فغالبا ما تربطه علاقاته الأسرية وصداقاته بأرض المولد .. فهو كثيرا ما يتزاور ويستثمر من أجل أسرته سواء كانت تعيش معه فى البلد التى نزح اليها أو ما زالت تحيا فى وطنه الأصلى ..ومن ثم فاحتياجه الى وزارة هجرة لا لزوم له .. ومع ذلك فالدولة النازح منها يستحسن أن توفر فى سفاراتها وقنصلياتها متخصصون فيما يمكن أن يحتاجه المغترب من الشراء أو الاستثمار فى بلده الأصلى .. أو كيفية التعامل معها مثل استخراج الرقم القومى وخلافه من أوراق رسمية حتى لايلجأ الى تحمل عناء السفر الى وطنه لاستخراجها من حين لآخر.. واذا أردنا لوزير الهجرة أن يتولى شئون المغتربين فلا ضير من ذلك .. على أن تسمى الوزارة .. وزارة الهجرة والمغتربين أو وشئون المغتربين..اختصارا للتكاليف وخاصة أن وزير الهجرة فى العادة يجب أن يكون متعدد القدرات للحفاظ على شئون الذين غادروا أرض الوطن من النوعين .. مهاجر أو مغترب .. والغريب أن مصر من الدول التى تتهم بالتقصير مع مواطنيها سواء كانوا مهاجرين أو مغتربين .. ولا أدل على ذلك من استخراج الرقم القومى الجديد حيث بح صوتنا فى المطالبة ببعثات لاستخراجه .. وحين فطنت الدولة الى وجوب ذلك أرسلت بعثة – واحدة يتيمة - لم تعلن عنها الا قبلها بأيام فلم يتمكن المقيمون فى كاليفورنيا من الحصول عليه وضياع فرصة الانتخاب على معظم من يقيمون فى كاليفورنيا.. وكأن المسئولين فى مصر يتعمدون الاضرار بمواطنيهم فى الخارج .. والحمد لله أن من كنا ننوى انتخابه رئيسا لمصر قد جعله الرب رئيسا لمصر .. ومما يدعو الى الدهشة هو تعامل أجهزة الدولة مع المهاجر المصرى .. حتى البنوك والسوق الحرة فى المطار وخارجه.. وفى جعبتى ما لا يتسع له هذا المقال أو عشر مقالات مثله مما يسبب أضرارا بالغة للوطن الأم .. وهوما لايمكن أن يحدث فى أى دولة من دول العالم المتحضر .. وقد عاصرت عدة وزراء هجرة لم أجد فيهم من يصلح لهذا المنصب ..وأنا أعرف الأسلوب العفن الذى كان يتم اختيارهم على أساسه وهو الأسماء الامعة من الأصدقاء والحبايب .. وان أرادت مصر أن تربط المهاجر المصرى بوطنه فعليها أن تدقق فى اختيار من يمثلوها بدءا من أعضاء القنصليات والمستشارين الاعلاميين وانتهاءا بوزير الهجرة .. كما يجب عليها تحسين الخدمة البنكية التى صارت فى الحضيض .. مما يدفع المصريين فى الخارج الى الامتناع عن التعامل مع البنوك المصرية أو التى تنشأ على أرض مصر والامتناع عن ارسال عملة صعبة عن طريقها أو الاحتفاظ بعملة صعبة فيها .. أما الأجهزة الحكومية فى مصر فيجب أن يتلقوا دروسا فى حسن استقبال الناس وخاصة أخوانهم من المهاجرين ..ويعلموا أنهم مصريين مثلهم مهما طالت فترة غيابهم فى الخارج .. تحياتى من كاليفورنيا ..