من مدرسة البوليس بثكنات عابدين إلى «جامعة عصرية متكاملة».. «أكاديمية الشرطة» صرح علمى أمنى شامخ    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 30 سبتمبر    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 30 سبتمبر    4 شهداء وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على دير البلح بقطاع غزة    ضربات سريعة في القلب.. القصة الكاملة لدخول وخروج محمود كهربا من المستشفى اليوم    جهود مكثفة لضبط نجل التربي في واقعة سحر اللاعب مؤمن زكريا    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    للمُقبلين على الزواج.. تعرف على سعر الذهب اليوم    إخلاء للمنطقة وإغلاق الطرق، حريق ضخم في مختبر للكيماويات بجورجيا الأمريكية (فيديو)    على عاطف يكتب: سياسة واشنطن إزاء إيران حال فوز ترامب أو هاريس    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    «معلومات الوزراء» يستعرض التجربة الهندية فى صناعة الأدوية    مصرع 4 أشخاص جراء مشاجرة على قطعة أرض بأسيوط    موظف أمام «الأسرة»: «مراتى عايزة 4 آلاف جنيه شهريًا للكوافير»    إشادات بإيمان العاصي بعد مشهد مواجهة «أكرم» في «برغم القانون»: ممثلة رائعة    كولر يرفض تعيين مديراً للكرة بالنادي الأهلي بعد رحيل خالد بيبو    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الاثنين: 4 ظواهر جوية مؤثرة    أستاذ اقتصاد: بعض حراس العقارات يتجاوز راتبهم 10 آلاف جنيه ويطالبون بالدعم    الاحتلال يستهدف العاصمة اللبنانية بيروت    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    «لو كنتب موجود مكنش هياخد هداف الدوري».. سيف الجزيري يتحدى وسام أبوعلى    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    شراكة استراتيجية مع «الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية في مصر    إصابه 4 أشخاص إثر اصطدام دراجتين ناريتين في المنوفية    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    دونجا يتحدى بعد الفوز بالسوبر الأفريقي: الدوري بتاعنا    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    السعودية تعرب عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع الأمنية في لبنان    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    سعر استمارة الرقم القومي يصل ل 800 جنيه.. إجراءات جديدة لاستخراج البطاقة في دقائق    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حبيب لبيب يكتب: الميراث والتبنى.. فريضة الأقباط المحظورة
نشر في الوفد يوم 28 - 08 - 2019

لا مجال لتطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسيحيين إذا تصادمت مع جوهر العقيدة المسيحية
المشرع المصرى احترم الشرائع الدينية وابتعد عن المساس بصميم العقائد
مبادئ المسيحية تعتبر المسيحى المخالف لها مارقًا على ديانته
الدستور هو القانون الأعلى الذى يرسى قواعد وأصول نظام الحكم
المواد الدستورية تقرر الحقوق العامة وترتب الضمانات لحمايتها
التشريع هو قيام سلطة عامة مختصة فى الدولة بالتعبير عن القاعدة القانونية، والتكليف بها فى صيغة مكتوبة، وله عدة خصائص أولها أنه يضع قاعدة قانونية بخصائصها الثلاثة المعروفة، وهى كونها عامة مجردة، فلا يوجه الخطاب فيها إلى أشخاص معينين بذواتهم، أو وقائع محددة بعينها، وألا يستنفذ مضمونها تطبيقًا واحدًا على شخص معين، أو واقعة معينة، وكونها تستهدف السلوك الاجتماعى الظاهر دون المشاعر أو النوايا الحسنة، وكونها تقترن بجزاء دنيوى، حال مادى محسوس منظم، وثانيها أنه يصدر فى وثيقة مكتوبة وثالثها أنه يصدر عن سلطة عامة مختصة فى الدولة بما لها من حق السيادة، فيقصد بالقانون معناه الأعم، فيدخل فيه أى تشريع، سواء كان صادرا من السلطة التشريعية، ومن السلطة التنفيذية وسواء أصدرتها الأخيرة على سند من تفويضها من السلطة التشريعية، أو إذا كان القانون هو الذى عين من يصدر القرارات اللازمة لتنفيذه.
ويتدرج التشريع إلى ثلاثة أنواع أولها وأعلاها هو التشريع الأساسى، ويقصد به الدستور، وثانيها التشريع العادى، وهو ما يطلق عليه اسم القانون بمعناه الضيق، أى الوثيقة المكتوبة الصادرة عن السلطة التشريعية متضمنة قاعدة قانونية بخصائصها سالفة البيان.
والأصل أن تستقل السلطة التشريعية بسنّ التشريع العادى، إلا أنه استثناء من هذا الأصل خول الدستور السلطة التنفيذية التصدى لسنّ التشريع فى حالتين أولاهما تشريع الضرورة وثانيهما تشريع التفويض، أما النوع الثالث من التشريع فهو التشريع الفرعى الذى يعرف باسم اللائحة، وتسنه السلطة التنفيذية بموجب الاختصاص المخول لها فى الدستور بصفتها هذه، واللوائح ثلاثة أنواع أولها اللوائح التنفيذية التى تضعها السلطة التنفيذية بالأحكام التفصيلية التى يقتضيها تنفيذ القوانين، وثانيها اللوائح التنظيمية التى تضعها السلطة التنفيذية لتنظيم المصالح والمرافق العامة والإدارات الحكومية، وهى لوائح مستقلة بذاتها، وثالثها لوائح الضبط: التى تضعها ذات السلطة وتضمنها ما تراه من قيود على حرية الأفراد بقصد حماية الأمن أو توفير السكينة أو حماية الصحة العامة.
التدرج التشريعى
وتقضى قاعدة تدرج التشريع بأنه لا يجوز لسلطة أدنى أن تلغى أو تعدل أو تعطل قاعدة قانونية وضعتها سلطة أعلى إلا بتفويض من هذه السلطة أو من القانون، فالدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ويحدد لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وظائفها وصلاحياتها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، بما يحول دون تدخل أى منها فى أعمال السلطة الأخرى، أو مزاحمتها فى ممارسة اختصاصاتها التى ناطها الدستور بها فإذا كان الدستور هو القانون الوضعى صاحب الصدارة، فإن على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها.
وأحكام الدستور التى لا يحتاج إعمالها إلى سنّ تشريع أدنى يتعين إعمالها من تاريخ نفاذ الدستور، واعتبار ما يخالفها من التشريعات الأدنى منسوخة ضمنا بقوة الدستور، وحكمة ذلك أن الدستور هو القانون الوضعى الأسمى صاحب الصدارة، فكان على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه، فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور، ويستوى فى ذلك أن يكون التعارض سابقا أو لاحقا على العمل بالدستور، فإذا ما أورد الدستور نصا صالحا بذاته للاعمال بغير حاجة إلى سنّ تشريع أدنى لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة قد فسخ ضمنا بقوة الدستور نفسه.
ولا شك أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، إلا أن النسخ قد يكون ضمنيا، وللنسخ الضمنى صورتان فإما أن يصدر تشريع جديد يشتمل على نص يتعارض تعارضا تاما مع التشريع القديم، وفى هذه الحالة يقتصر النسخ على الحدود التى يتحقق فيها التعارض، وإما أن يصدر تشريع جديد ينظم تنظيما كاملا وضعًا من الأوضاع أفرد له تشريع سابق، وفى هذه الحالة يعتبر التشريع السابق منسوخا جملة وتفصيلا، ولو انتفى التعارض بين بعض نصوص هذا التشريع ونصوص التشريع الذى تلاه.
وبالتالى فإن إلغاء القاعدة القانونية يعنى رفع حكمها القانونى بموجب قاعدة قانونية أخرى متأخرة عنها وأعلى منها أو مساوية لها فى مدارج التشريع، وهو لا يتم إلا بإحدى الوسائل التى نص عليها المشرع، ويترتب عليه إبطال العمل بالقاعدة الأولى وتجريدها من قوتها الملزمة، بالنسبة للمستقبل أى اعتبارا من تاريخ العمل بالقانون الناسخ.
وقد قضت محكمة النقض بجلستها المعقودة بتاريخ 5/11/1975 فى الطعن رقم 10 لسنة 43ق بأنه إذا كان المقصود بإلغاء التشريع ونسخه هو رفع حكم قانونى بحكم قانونى آخر متأخر عنه، بما ترتب عليه إبطال العمل بالتشريع الأول وتجريده من قوته الملزمة وكان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن يتم ذلك بتشريع لاحق ينص على الإلغاء صراحة، أو يدل عليه ضمنا بأن يشتمل على نص يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده، وكان من الجائز أن يتم إلغاء التشريع إما عن طريق استبدال نصوص أخرى بنصوصه أو بالاقتصار على إبطال مفعوله دون سنّ تشريع جديد، بمعنى أنه لا يلزم أن يشتمل النص الناسخ على بديل للحكم المنسوخ.
كما قضت أيضا بأن الإلغاء الضمنى يتم بتصدى القانون اللاحق لتنظيم الموضوع نفسه، كما يكون الإلغاء الضمنى أيضا إذا ورد نص قديم ونص جديد على مجلس واحد يستحيل معه إعمالهما فيه، ففى هذه الحالة يفهم ضمنيا أن التشريع الجديد ألغى التشريع القديم.
المجالس الملّية
والمعروف أنه أيام الاحتلال الأجنبى اتسم النظام القضائى فى مصر بظاهرة التعدد، واستتبع ذلك تعددا فى القوانين المطبقة، فقد كان الأجانب فى مصر يخضعون فى منازعاتهم المالية للمحاكم المختلطة التى أنشئت سنة 1875، وكانت هذه المحاكم تطبق المجموعات القانونية المختلطة، أما بالنسبة لأحوالهم الشخصية فقد كانوا يخضعون لقوانينهم الأجنبية، أما المصريون فقد كانت المحاكم الوطنية التى أنشئت سنة 1883، هى المختصة بالفصل فى منازعاتهم غير المتعلقة بالأحوال الشخصية، أما منازعاتهم المتصلة بالأحوال الشخصية فقد كانت تتولى جهات القضاء الدينى الفصل فيها، وعلى هذا الأساس كانت المحاكم الشرعية مختصة بقضايا الأحوال الشخصية للمصريين المسلمين، وكانت تطبق عليهم أحكام الشريعة الإسلامية، أما بالنسبة
لغير المسلمين فقد كانت المجالس الملية هى المختصة بالفصل فى قضايا أحوالهم الشخصية، وتعددت هذه المجالس بتعدد المذاهب حتى وصلت إلى أربعة عشر مجلسا، كل منها يطبق المبادئ الدينية الخاصة بالطائفة الخاضعة لولايته.
وفي سنة 1955 صدر القانون رقم 462 ناصا على إلغاء المحاكم الشرعية والملّية وإحالة الدعاوى المنظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية، وعلى أن تصدر الأحكام فى المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية طبقا لما هو مقرر فى المادة 280 من لائحة المحاكم الشرعية، أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين فتصدر الأحكام فى نطاق النظام العام طبقا لشريعتهم.
وكانت المادة 280 من لائحة المحاكم الشرعية تقضى بأن تصدر الأحكام طبقا للمدون فى هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة.
ومفاد ذلك أن المصريين غير المسلمين كانوا يخضعون فى أحوالهم الشخصية لقواعد شريعتهم لكن المشرع المصرى أصدر بعد ذلك قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، متضمنا أحكاما تسرى على جميع المصريين أيا كانت ديانتهم، والقواعد الموحدة للمواريث لا تقتصر على أحكام هذا القانون، وإنما يكملها القول الراجح من مذهب أبى حنيفة فى حالة عدم وجود نص يحكم النزاع المطروح.
ورغم وجود هذه القواعد بالنسبة للمصريين جميعا فى مسائل الميراث، فلم يكن هناك ما يمنع من تطبيق شرائع غير المسلمين على مسألة الميراث فى حالة استثنائية نصت عليها المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1944 بقولها قوانين المواريث، والوصية وأحكام الشريعة الإسلامية فيها هى قانون البلد فيما يتعلق بالمواريث والوصايا، على أنه إذا كان المورث غير مسلم جاز لورثته أن يتفقوا على أن يكون التوريث طبقا لشريعة المتوفى، وبمقتضى هذا النص كان يجوز للورثة أن يحتكموا لشريعة المتوفى غير المسلم، فيما يتعلق بتحديد أنصبتهم فى التركة.
ولما صدر القانون المدنى سنة 1948، نصت المادة 875، منه على أن تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم فى الإرث، وانتقال أموال التركة إليهم تسرى فى شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة فى شأنها ومقتضى هذا النص أن تحديد أنصبة الورثة يتم طبقا للشريعة الإسلامية وهذا النص نص عام يخاطب جميع المصريين أيا كانت ديانتهم.
ولذلك قضت محكمة النقض بجلسة 28/1/1997، فى الطعن رقم 85 لسنة 63ق، بأن الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة فى شأنها هى الواجبة التطبيق فى مسائل المواريث المتعلقة بالمصريين مسلمين وغير مسلمين، كما قضت بأنه إذا خالفت المحكمة حكما من أحكام الشرع، كان واجبا الأخذ به فى الدعوى فإن حكمها يكون مخالفا للقانون يمكن نقضه.
الدستور الحالى
وبتاريخ 18 يناير سنة 2014، صدر الدستور الحالى مشيرا فى مقدمته إلى أن مصر مهد الأديان السماوية، فى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام، وتجلى له النور الإلهى وتنزلت عليه الرسالة فى طور سنين، وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام، وحين بُعث خاتم المرسلين انفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، هذه مصر، وطن نعيش فيه ويعيش فينا، نؤمن بأن لكل مواطن الحق فى العيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقا فى يومه وفى غده، نحن نؤمن بالديمقراطية طريقا ومستقبلا وأسلوب حياة، نحن نكتب دستورا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية، نكتب دستورا يحقق المساواة بيننا فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز.
ونص الدستور فى المادة الثانية منه على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ونصت المادة الثالثة على أن مبادئ شرائع المسيحيين المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية، واختيار قيادتهم الروحية.
وإذا كان الدستور هو القانون صاحب الصدارة وعلى ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه فإذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور وإهدار ما سواها.
ولما كان النص المتقدم نصا صالحا بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سنّ تشريع أدنى، لذا لزم إعمال هذا النص اعتبارا من 18 يناير سنة 2014، يوم العمل بالدستور وتعتبر المادة 875 من القانون المدنى بالنسبة للمصريين غير المسلمين قد نسخت ضمنا بقوة الدستور ذاته، ومن ثمّ فإن الأثر المترتب على ذلك هو تطبيق أحكام الشريعة المسيحية فى شأن المواريث على المصريين غير المسلمين، بل وفى كافة مسائل أحوالهم الشخصية.
ولا يغير بما تقدم ما قد يقال من أن القاضى ملزم بالتأكد من عدم مخالفة القاعدة القانونية التى تحكم مسألة الميراث للنظام العام، ذلك أن هذا القيد أمر معروف فى نطاق تنازع القوانين إعمالا للمادة 28 من القانون المدنى التى لا تجيز تطبيق أحكام قانون أجنبى إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام، وبالتالى فإن القاضى حين تعرض عليه منازعة خاصة بمثل هذه العلاقة وتحيله قواعد تنازع القوانين إلى قانون أجنبى معين واجب التطبيق فإن الواجب عليه قبل أن يطبق هذا القانون أن يتأكد من مخالفة حكمه للنظام العام فى مصر لأن لكل بلد نظامه القانونى الخاص به، وقد تختلف النظم القانونية فيما بينها اختلافا جوهريا فى بعض الأحيان، ما يجعل حكم القانون الأجنبى مصطدما مع القواعد الأساسية التى يقوم عليها نظام المجتمع، أى متعارضا مع النظام العام فى مصر.
ولكن النظام العام كقيد على تطبيق شريعة غير المسلمين بشأن أحوالهم الشخصية أمر غريب لأن القاضى فى هذه الحالة لا يطبق أحكام قانون وضعى، إنما يطبق شريعة إلهية فلا يملك تأويلها أو وقف العمل بأحكامها.
النظام العام
وإذ خلا التقنين المدنى من تحديد المقصود بالنظام العام إلا أن محكمة النقض بجلسة 17/1/1979، عرفت النظام العام فى الطعنين رقمى 16 و26 لسنة 48ق بأنه القواعد التى ترمى إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد، سواء من
الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التى تتعلق بالوضع الطبيعى العادى والمعنوى لمجتمع منظم، وتعلو فيه على مصالح الأفراد، وتقوم فكرته على أساس مذهب علمانى بحت يطبق مذهبا عاما تدين به الجماعة بأسرها، ولا يجب ربطه البتة بأحد أحكام الشرائع الدينية، وإن كان هذا لا ينفى قيامه أحيانا، على سند مما يمت إلى العقيدة الدينية بسبب متى أصبحت هذه العقيدة وثيقة الصلة بالنظام القانونى، والاجتماعى المستقر فى ضمير الجماعة، بحيث يتأذى الشعور العام عند عدم الاعتداد به، مما مفاده وجوب أن تنصرف هذه القواعد إلى المواطنين جميعا مسلمين وغير مسلمين بصرف النظر عن ديانتهم، فلا يمكن «تبعيض» فكرة النظام العام، وجعل بعض قواعده مقصورة على المسيحيين ويتفرد المسلمون ببعضها الآخر، إذ لا يتصور أن يكون معيار النظام العام شخصا أو طائفة وإنما يتسم بالموضوعية متفقا وما تدين به الجماعة فى الأغلب الأعم من أفرادها.
ومؤدى ما تقدم أنه يتبادر إلى الذهن أن المرجع فى بيان ما إذا كانت هذه القواعد متعارضة مع النظام العام أم لا هو أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها صاحبة الولاية العامة فى مسائل الأحوال الشخصية إلا أن هذه النظرة غير صحيحة لأنه لو اعتبرنا أن النظام العام بشأن تطبيق شرائع غير المسلمين هى قواعد الشريعة الإسلامية، بحيث إن القاضى يمتنع عن تطبيق هذه الشرائع كلما تعارضت مع قواعد الشريعة الإسلامية لأدى ذلك لعدم تطبيق هذه الشرائع، لأن الشريعة الإسلامية نظمت كل مسائل الأحوال الشخصية ووضعت لها حلولا تختلف عن تلك المقررة فى الشرائع الدينية الأخرى، وهذه النتيجة لا يمكن التسليم بها لأنها تتعارض مع موقف المشرع الذى أقر مبدأ تعدد الشرائع، بشأن مسائل الأحوال الشخصية.
أضف إلى ذلك أن محكمة النقض أقرت بصريح العبارة أن النظام العام تقوم فكرته على أساس مذهب علمانى بحيث يطبق مذهبا عاما تدين به الجماعة بأسرها ولا يجب ربطه البتة بأحد أحكام الشرائع الدينية فلا يتصور أن يكون معيار النظام العام طائفيا وأنه يجب أن يتسم بالموضوعية.
ولما كان ما تقدم وكان المشرع قد نص فى المادة الثالثة من الدستور على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وكان المقصود بمسائل الأحوال الشخصية هى مجموعة متميزة من الصفات الطبيعية أو العائلية للشخص، والتى رتب القانون عليها أثرا فى حياته الاجتماعية لكونه إنسانا ذكرا أو أنثى وكونه زوجا أو أرمل أو مطلقا وكونه أبا أو ابنا وكونه كامل الأهلية أو ناقصها لصغر سنه أو عته أو جنون، باعتبار أنها تقوم على تقرير مراكز قانونية أو حالات أو صفات معينة يرتب عليها القانون أثرا فى حياة الأشخاص الاجتماعية، وكانت مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين مصدرها الإنجيل، والإنجيل لا يفرق بين المرأة والرجل، ومن ثمّ فإن تقسيم الميراث يكون بالتساوى بين الطرفين، وهو ما أكدته لائحة سنة 1938، التى ضمت القواعد الواجب إعمالها فى شأن الميراث.
ولا شك أنه إذا خالفت أى محكمة حكما من أحكام الشرع المسيحى كان واجبا الأخذ به فإن حكمها يكون مخالفا للدستور مما ينحدر به إلى درجة الانعدام.
وأتذكر أن محكمة النقض كانت قد أرست مبدأ مهما بأنه لا مجال لإعمال القواعد الموضوعية فى الشريعة الإسلامية إذا تصادمتا مع أحد المبادئ المتصلة بجوهر العقيدة المسيحية، والتى تعد مخالفة المسيحى لها مروقا من ديانته وانحرافا عن عقيدته وخرقا لمسيحيته، وعلى هذا الأساس فإن القاضى إذا وجد أن الأحكام التى سيطبقها تتصادم مع أصول الديانة المسيحية فيجب أن يمتنع عن تطبيقها.
وقد استندت محكمة النقض فى حكمها المتقدم إلى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 462 لسنة 1955، التى تقطع بأن المشرع إنما قصد احترام كافة الشرائع عامة وخاصة، وأن الإخلال بالقواعد الأساسية المتعلقة بصميم العقيدة وبجوهر الديانة لم يدر بخلده ومجاوزة لمراده.
التبنى
والمعروف أن التبنى يراد به أحد معنيين، الأول أن يضم الإنسان إليه ولدا يعرف أنه ابن غيره، ينسبه إلى نفسه نسبة الابن الصحيح، وتثبت له جميع حقوقه، والثانى أن يجعل غير ولده كولده النسبى فى الرعاية والتربية فقط دون أن يلحق به نسبه ولا يكون كأولاده الشرعيين.
والأول كان معروفا قبل الإسلام، وعرفه العرب فى الجاهلية، وظل معترفا به فى الإسلام وبمقتضاه تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فكان يدعى زيد بن محمد، حتى أبطله القرآن بعد الهجرة بأربع سنوات، أو خمس، وكان زواج النبى من زينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة تطبيقا لهذا الإبطال، قال تعالى: «وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما».
والتبنى بالمعنى الثانى عمل خيرى، إذا دعت إليه عاطفة كريمة كحماية المتبنى من الضياع لموت والديه أو غيابهما أو فقدهما، أو لإشباع غريزة الأبوة والأمومة عند الحرمان منها بالذرية ولا مانع منه بل مندوب إليه من باب الرحمة والتعاون على الخير.
فالتبنى مُحرم بنص قاطع فى القرآن الكريم وهو المصدر الأول للأحكام الشرعية الإسلامية ومع ذلك فالدولة تقوم برعاية اللقطاء، وتلحقهم بأسر بديلة تتكفل بتربيتهم، حتى ينشأوا نشأة أسرية فاللقيط ليس له كافل معلوم، وهو بهذا شخص غير منسوب لأحد، وقد احتاط الإسلام لرعاية هؤلاء فاشترط فى الكفيل أن يكون صالحا للرعاية،أمينا، حرا، رشيدا، حسن السلوك، كما قرر أن الطفل المسلم لا يجوز أن يتولاه غير المسلم خوفا عليه من الفتنة.
أما الفكر المسيحى فإنه يؤمن بأن المسيح هو ابن الله الآخذ صورة إنسان، وأنه ولد بقوة الروح القدس من مريم العذراء، وعندما يؤمن الإنسان بالمسيح كمخلص، فإنه يصبح ابنا لله، بالمعنى الروحى، فالمؤمنون بالمسيح هو أبناء له.
ودليلنا فى ذلك ما أورده يوحنا البشير فى العهد الجديد عندما قال على فم المسيح وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله، أى المؤمنون باسمه، بالإضافة إلى قول المسيح لتلاميذه: متى صليتم فقولوا أبانا الذى فى السماوات يتقدس اسمك ليأتي ملكوتك، فالمسيحية تؤمن أن كل المؤمنين هم أولاد الله بالتبنى، ويحق لهم أن يدعوا الله بآبانا.
وفى عظة للسيد المسيح قال: كنت جوعانا فأطعمتمونى، عطشانا فسقيتمونى، كنت غريبا فآويتمونى، فيجيبه الأبرار قائلين: يا رب متى رأيناك جائعا فأطعمناك، فيجيب قائلا: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتم بأحد اخوتى هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم، فالتبنى على هذا الأساس هو نوع من أنواع الرحمة.
وفى مثل الابن الضال يظهر التبنى بأن يصبح الإنسان مبرءا رغم كل ما أخطأه، ففى التبنى تتأكد علاقة الأب بالابن، فالتبنى لا يعنى أن الابن الضال قد عاد إلى بيته مستعدا أن يعترف بأنه ليس مستحقا أن يدعى ابنا، ولكنه يقابل بالعناق والقبلات، ويرد إلى مركز الابن، فالتبنى هنا عمل الأب الكريم الذى يأخذ الابن فى حضنه ويمنحه الحرية والامتيازات والميراث.
لهذا أقرت الشريعة المسيحية التبنى، فإذا كان الإسلام لا يعترف بالتبنى، واشترط فى كافل اليتيم أن يكون صالحا للرعاية والطفل المسلم لا يجوز أن يتولاه غير المسلم، فإن الشريعة المسيحية تعترف بنظام التبنى، لمعروفى النسب، وليس لمجهولى النسب، وترفض تبنى المسيحى لطفل غير مسيحى احتراما لتعاليم الإسلام التى لا تجيز أن يتولى رعاية الطفل المسلم غير المسلم.
هذه شريعة الأقباط وليس فى تطبيقها أى تصادم مع أصول الشريعة الإسلامية، ولا يعد إعمال أحكام هذه الشريعة على المصريين من غير المسلمين مروقا من ديانتهم أو انحرافا عن عقيدتهم ولا خرقا لإسلامهم.
فهل آن الأوان أن تطبق محاكمنا شريعة السيد المسيح فى كل ما يتعلق بأحوالنا الشخصية احتراما للمادة الثالثة من الدستور التى جعلت مبادئ هذه الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية وإعمالا للمادة الثانية من القانون المدنى التى لا تجيز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وهذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.