اليوم يتحدد مصير تأسيسية الدستور الثانية، والأنظار كلها تتوجه الي المحكمة التي ستصدر حكمها بشأن تشكيل لجنة الماذة، والتي يغلب عليها التيار الديني، والرئيس محمد مرسي صدق علي قانون التأسيسية لتحصينها تحسباً لصدور حكم قضائي ببطلانها.. وهناك آراء كثيرة تري أن هذه الجمعية باطلة وأنه لا فرق بينها وبين التأسيسية الأولي التي قضي ببطلانها.. والأمر الآن متروك للمحكمة وهي التي ستحدد مصير هذه التأسيسية.. وليس من حق أحد أن يمارس ضغوطاً علي المحكمة أو يؤثر فيما ستقضي به، لأن هذا متروك للقضاء وحده.. وعلي الجميع أن يخضع لما تراه المحكمة فنحن في دولة مدنية ديمقراطية يجب أن يسود فيها القانون، ويحترم القضاء ونقدسه، ولو فعلنا غير ذلك، نكون قد اغتلنا القانون، وبذلك نهدد مدنية الدولة.. تأسيسية الدستور الثانية شهدت مخاضا صعباً، وفيها أقل من خمسين في المائة من أعضائها، لا ينتمون إلي الاخوان ولا السلفيين، وعلي رأس هذه القوي الوطنية المشاركة فيها أعضاء من حزب الوفد، وكان لهم دور بارز ومهم ورائد في المناقشات التي تجري بشأن وضع مواد الدستور، وهناك اجماع وطني من المشاركين من الأحزاب السياسية علي وضع دستور يليق بمصر الحديثة، لا يعبر فقط عن تيار بعينه ولا حزب بذاته.. والذين يخشون من انفراد التيار الديني بوضع الدستور، غير محقين في تصورهم، لأن ذلك يعني أن باقي القوي الوطنية توافق علي ذلك، وهذا غير صحيح علي الإطلاق، فأعضاء حزب الوفد المشاركون في التأسيسية لا يمكن أن تلين لهم قناة أو يخالفوا وطنيتهم، ولذلك يلعبون دوراً رائعاً ورائداً يحتذي به ويؤخذ به، ودور الوفد لا يمكن أن ينتقص أحد من شأنه، وما يقوم به من دور يحفظ للدولة مدنيتها، وللدستور تعبيره عن جموع الشعب المصري، وللدولة هويتها الديمقراطية المدنية، وللشعب المصري حقوقه وآدميته وكرامته. لو أن المحكمة قضت اليوم ببطلان التأسيسية، سنعود إلي المربع صفر، ونبدأ من جديد ويتعطل وضع الدستور، في حين أن القضية الأساسية التي يجب أن تكون منذ اندلاع الثورة هي وضع الدستور والتأخير في اعداده ليس في الصالح العالم ولا يحترم الوطن، ويعطل المسيرة الديمقراطية التي بدأنا خطواتها الأولي، فمصر الآن تحتاج الي تثبيت هذه الخطوات ولن يتأتي ذلك إلا بوضع الدستور، والذي يحدد كل الخطوات التي تسير عليها البلاد.. وطبعا لا أريد دستوراً منقوصاً أو به عوار أو يخدم فصيلا معينا أو حزبا سياسيا بذاته، إنما دستور يعبر عن كل الطوائف المصرية بلا استثناء أو اقصاء، يحدد ملامح الدولة ودور المواطن وحقوقه وواجباته.. ولكني أري أن تعطيل وضع الدستور ليس في صالح المؤسسة الحاكمة ولا في صالح المصريين، فيجب أن ننتهي تماماً من مرحلة الفوضي العارمة الآن، وأن ننهي علي الفور السجال القانوني الدائر حالياً، ووضع الدستور، سيجلب استقراراً "مؤكداً" للبلاد، وينهي تماماً.. أي فرقة سياسية بين القوي المتصارعة ولن تقوم نهضة بالبلاد بدون وضع الدستور، ولن يهنأ المصريون بالحياة الكريمة التي ينشدونها دون وجود الدستور.. ولا تقوم قائمة لمصر بغيره، فالدستور هو العمود الفقري للدولة وبدونه سنجلب المزيد من التخبط والاضطراب. ولاخيار أمامنا إلا التعظيم للحكم الذي سيصدر اليوم بشأن التأسيسية، وان كنت أتمني أن يكون الحكم بغير البطلان حتي يتم الانتهاء من الدستور، لأن البطلان يعني العودة إلي نقطة الصفر، وساعتها يتم الاحتكام الي الاعلان الدستوري المكمل، وهو ما ترفضه طائفة بعينها، مما يعني المزيد من تعطيل وضع الدستور، وهو اتجاه مرفوض جملة وتفصيلاً وليس في صالح مصر الوطن ولا المصريين تأخير الدستور أكثر من هذا.. فقد كان الأجدي والأهم هو وضع الدستور أولا بعد الثورة مباشرة وعلي هداه تتم باقي العملية الديمقراطية، التي تواجه حاليا تخبطا وعدم استقرار.. وبما أننا منذ اندلاع الثورة وحتي الآن نواجه مصاعب ومشاكل بسبب عدم وجود دستور، فالأولي الآن هو سرعة وضع الدستور حتي نضمن الاستقرار للبلاد.. فلو صدر اليوم بطلان التأسيسية، سيعني العودة إلي المربع الأول، ويعني أيضاً عدم الاستقرار الذي بات حلماً ينتظره الجميع.