تنصيب الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر إعلان صريح لدخول الوطن العربي مرحلة جديدة عنوانها الأبرز "الوطن العربي الجديد"، الذي يتشكل في عصر الثورات العربية، فالدكتور مرسي هو أول رئيس مصري وعربي منتخب بإرادة شعبية وجماهيرية حرة، وهو أول رئيس مدني لمصر، وهو أول رئيس من التيار الإسلامي الأبرز والأوسع انتشارا "الإخوان المسلمون"، وهو أول رئيس يفوز بأغلبية بسيطة جدا، 52 في المائة منهيا حقبة بالفوز بنتيجة 99.99 التي كانت لا يقبل الرؤساء العرب بأقل منها. تنصيب الدكتور مرسي، المعتقل السياسي السابق، على سدة الرئاسة في مصر، يفرض واقعا جديدا في أعلى قمة هرم السلطة في العالم العربي، فرئيس مصر شخصية لا يمكن تجاوزها نظرا لمكانة مصر وأهميتها، فهي العمود الفقري للأمة العربية، تتأثر بها إيجابا أو سلبا، وما يحدث في مصر ينعكس بشكل مباشر وسريع على الدول الأخرى، ولهذا فإن أي محاولة للتقليل من أهمية ما يجري في مصر، تفكير قاصر تنقصه الحكمة والذكاء، ومحاولات قوى الشد العكسي لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبثية ولن تؤدي إلى شيء. ومن هنا فإن تنصيب الرئيس الدكتور محمد مرسي يشكل علامة فاصلة بين مرحلتين، مرحلة الاستبداد والطغيان ومرحلة الحرية والديمقراطية، وانتقالا من مرحلة حكم العسكر إلى سلطة الشعب والجماهير، ومن شرعية الجنرالات إلى شرعية صناديق الاقتراع ومن حكم الأقلية المتفردة إلى حكم الأكثرية وهذا بالضبط ما عبر عنه اختيار الرئيس مرسي لميدان التحرير لمخاطبة الشعب المصري باعتباره مصدر السلطة والشرعية وأن كل مؤسسات الدولة بمثابة وكلاء لهذه الشرعية، وهو بهذا يوجه رسالة قوية إلى جنرالات المجلس العسكري للانسحاب من المشهد السياسي والعودة إلى ثكناتهم، وغير ذلك فإن ميدان التحرير جاهز للتصدي لهم إذا قرروا البقاء في السلطة، مما يؤكد نهاية حقبة الجنرالات والانقلابات العسكرية إلى الأبد فميدان التحرير وميادين مصر هي التي منحت الدكتور مرسي الشرعية الثورية وغالبية المصريين منحوه الشرعية الشعبية وهذه الشرعيات لا يمكن تجاوزها من أي جهة كانت حتى لو كان لديها دبابات وطائرات ورصاص. ما سبق يرسم صورة منقوصة للمشهد، فقوى الشد العكسي لم تنسحب من الميدان بعد، والفلول ما زالوا فاعلين، والجنرالات يبحثون عن الفرص للانقضاض، وهذا يجعل من الركون إلى الهدوء والدعة، قضية خطيرة، فهؤلاء نجحوا باستقطاب ما يقرب من نصف الشعب المصري، بطرق مختلفة، ولديهم آلة إعلامية ضخمة قادرة على "شيطنة الرئيس المنتخب شعبيا وشيطنة ميدان التحرير وشيطنة الشعب غير الموالي لهم أيضا" مما يتطلب انتباها واستعدادا دائما من قبل القوى الثورية والشعبية حتى لا يتم الانقضاض على أصواتهم وإرادتهم واختيارهم. ولا شك أن الرئيس مرسي يرث وضعا اقتصاديا مترديا إلى أبعد الحدود، ويرث حالة اجتماعية لا يحسد عليها، وهذا ما يصعب المهمة أمامه ويعطي ذخيرة لأعدائه وخصومه للانقضاض عليه، وإشغاله بمعارك جانبية تلهيه عن مهمته الرئيسية في انتشال مصر من وضعها المتردي الذي تسبب به حكم العسكر والنظام السابق، وأول مهمة كبيرة للرئيس مرسي هي استعادة صلاحياته كاملة غير منقوصة بالاستناد إلى الشرعية الثورية والشعبية، وعدم التهاون بهذه المسألة، وتحدي الجنرالات في الشارع إذا أصروا على الاحتفاظ بأي جزء من السلطة مهما كان صغيرا، ومحاصرة دباباتهم بالإرادة الشعبية، وعدم الوثوق بهم، فمن يثق بالجنرالات كمن يحاول النوم في غرفة مليئة بالأفاعي. والأولوية الثانية هي بناء حكومة ائتلافية موسعة لا تستثني إلا الفلول والمتورطين بالفساد، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية لتوزيع الحمل على الجميع "وتوريطهم في السلطة" بدل "الطخ عليها من الخارج كمعارضة، أما الأولوية الثالثة فهي وقف "نزيف الفساد والرشاوى" الذي يضرب في كل مكان، ووقف الامتيازات التي كان يتمتع بها الكثيرون دون وجه حق، ووقف "بهرجة السلطة" والمواكب الجرارة والحرس الذي يسد عين الشمس ويحول الشوارع إلى ثكنات تحول حياة الناس إلى جحيم، والحد من النفقات والمصاريف الحكومية الباهظة التي ترهق جيوب المواطنين. ما يحدث في مصر سيؤثر على الأمة العربية كلها، وسيؤدي إلى تشكيل حالة عربية جديدة غير مسبوقة، والسيطرة على الوضع داخل مصر سيتيح للرئيس مرسي وحكومته التصدي للتحديات الخارجية وعلى رأسها "قضية مياه النيل" والمكانة الإستراتيجية لمصر في الوطن العربي وإفريقيا والعالم الإسلامي والعالم أجمع، وإعادة مصر إلى وضعها الطبيعي كحجر الزاوية في المنطقة لا يستطيع أحد أن يتجاوزها أو يتجاهلها، وألا تكون تابعة لأي قوة على وجه الأرض وهذا لن يتم دون تمتين الجبهة الداخلية على قادة المشاركة. ومصر ترسم الخارطة الجديدة للمنطقة، وتعيد توزيع مراكز القوى والنفوذ، يتسيد فيها الإسلاميون المشهد من المغرب إلى ليبيا وتونس مرورا بالأردن واليمن وسوريا وحتى دول الخليج العربي، إنها خارطة الزمن العربي الجديد الذي توج فيه الدكتور محمد مرسي رئيسا للشعب المصري، وقائدا للثورة وربما للأمة العربية.. وهذا ما يجعلنا في انتظار ما ستفعله مصر ورئيسها المنتخب ثوريا وشعبيا الدكتور محمد مرسي نقلا عن صحيفة الشرق القطرية