أثار رد فعل اثنين ممن لم يوفقا في انتخابات الرئاسة هما عمرو موسي والدكتور سليم العوا، إعجاب واحترام الكثيرين، فكلاهما قبل بالنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات، وأولها أنهما قد خسرا المعركة الانتخابية، ولم يشكك أي منهما في إجراءاتها، بل اعترفا بنزاهتها، أما غيرهما من الخاسرين فقد قرروا الانقلاب علي العملية الديمقراطية برمتها بالعودة إلي ميدان التحرير، وباستدعاء انصارهم وباستغلال ظروف نقص الوعي والضجر واليأس والفقر، للمطالبة بأن تنحصر جولة الإعادة علي اثنين منهما هما الدكتور «عبدالمنعم أبوالفتوح» و«حمدين صباحي» بتطبيق قانون العزل السياسي علي «الفريق أحمد شفيق» بعد ان صعد للمنافسة علي مقعد الرئاسة في الجولة الثانية، وبعد أن تنافسا عليها معه في الجولة الاولي، بينما لاتزال المحكمة الدستورية العليا تنظر في مدي دستوريته ودستورية القانون الذي انتخب علي أساسه هذا البرلمان، مما دفع برلمان الاسلاميين بإعداد مشروع قانون لتجريد المحكمة من الاختصاصات، أو بتشكيل مجلس رئاسي يضمهما مع غيرهما لتسلم السلطة بلا انتخابات . ولا معني لذلك إلا إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهي الفكرة التي رفضها الإخوان المسلمون، الذين شاركوا في مظاهرات الميادين، لاستغلالها في التشهير بمنافس مرشحهم في جولة الإعادة الفريق «أحمد شفيق»، ولا بأس بجانب هذا الهدف الرئيسي من رفع حزمة من المطالب الطارئة والمتناقضة والجذابة لكثيرين، مثل التنديد بالأحكام علي رموز النظام السابق، والمطالبة بإقالة النائب العام رغم أن النيابة العامة أول من بادر بالطعن علي الاحكام، وأول من أشار أثناء سير المحاكمة إلي القصور في الأدلة الجنائية التي تؤل مسئولية جمعها، كما هو معروف للكافة، إلي هيئات البحث والتحري، ثم التشكيك في نزاهة القضاء بالدعوة الي تطهيره، الامر الذي دفع القضاة وأعضاء النيابة العامة للتلويح بمقاطعة الاشراف علي جولة الاعادة في الانتخابات الرئاسية، وقاد المجلس الاعلي للقضاء إلي اتهام، من يحرضون علي القضاة من نواب وساسة واعلاميين، بنشر الفوضي وهدم اركان السلطة القضائية. اسباب شخصية تم الباسها قسرا – كما هي العادة هذه الايام - اردية القضايا العامة،في نفس الوقت الذي تدهس فيه بالاقدام تحت هدير شعارات براقة، المصالح العليا للوطن، التي اصبحت لعبة في يد من يقدرون علي الحشد والتمويل، ومن يجيدون التجمهر والتظاهر، ومن يعابثون المشاعر، علي حساب مخاطبة العقول، من هواة السياسة الجدد، ومن البارعين في المكائد القانونية والقضائية من ترزية قوانين البرلمان الجديد ومعاونيهم من أساتذة الجامعات والأكاديميين ممن قدموا جليل خدماتهم للجنة السياسيات في الحزب الوطني المنحل، وهاهم آلان يتشدقون بمبادئ الثورة ويتغنون بشهدائها وهم يرتعدون خوفا من الديمقراطية، فيلجأون الي تدبيج قوانين استثنائية للعزل السياسي لإقصاء منافسين من حلبة المنافسة في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، وحسم الجولة الثانية منها في الميدان، بدلا من صندوق الاقتراع! ليست الديمقراطية «سلم» نستخدمه للصعود إلي سدة الفوز، ونحطمه ونطيح به ادراج الرياح ساعة الهزيمة.. فالقبول بالخسارة هو اول المبادئ الحاكمة للديمقراطية.وكل الشواهد تؤكد أن ذلك كله لاجدوي منه، وان الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ستجري في موعدها، بين المرشحين اللذين وصلا الي مرحلة الإعادة لحسم الخيار بينهما عبر صندوق الانتخابات.. وسواء اسفرت الانتخابات عن فوز هذا او ذاك، فمن واجبنا جميعا، وفي مقدمتنا الذين خرجوا من السباق في الجولة الاولي، إن نحترم نتيجتها،وان نتعامل مع الفائز فيها باعتباره رئيس مصر المنتخب،وصاحب الحق، الوحيد في تسلم السلطة التنفيذية، من المجلس العسكري، وان نمارس حقنا في متابعة سياساته ونقدها والاعتراض عليها، بالاساليب الديمقراطية السلمية، فلا مجال لان يقول احد انه اذا نجح هذا او ذاك سوف ينزل الي الشارع ليقود ثورة ثانية، أو يهدد باستخدام العنف، لان مثل هذا الكلام يعني اننا لن نكون بلدا ديمقراطيا في اي يوم من الايام، وأن الهدف الرئيسي الذي قامت من أجله ثورة يناير، وهو إطلاق حق الجماهير في اختيار حكامها بانتخابات حرة نزيهة، تقوم علي التكافؤ، وتخلو من التدخل الاداري لم ولن يتحقق. وليس معني هذا ان الانتخابات آلية تخلو من العيوب، أو تؤدي في النهاية الي ديمقراطية كاملة الاركان غير منقوصة، فالناس قد تخطئ الاختيار بسبب نقص الوعي، او الخضوع لتأثيرات غير سياسية في الاختيار بين المرشحين، وقد يختار الناس أكثرهم سوءا، لكنهم في النهاية يتحملون مسئولية اختيارهم، ويكتسبون من كل معركة انتخابية وعيا جديدا، مما يمكنهم في النهاية من اختيار الافضل من بين المرشحين. والانتخابات بعد هذا كله ليست إلا آلية واحدة من آليات الديمقراطية،وهناك خارج الصندوق آليات أخري للتأثير علي القرار السياسي، وإلزام رئيس الجمهورية المنتخب، وكل من يمارس سلطة باسم المواطنين حدود وظيفته، فتصوب أخطاؤه، وهي تشمل ممارسة حق التظاهر والإضراب السلمي والاعتصام، وتكوين الجماعات السياسية والأحزاب وإبداء الرأي عبر إعلام حر. وهذا هو ما ينبغي للمصريين ان يتمسكوا به، ويمارسوه وان يؤمنوا ان الديمقراطية طريق طويل، قد تعترضه نواقص ومشاكل وعقبات، لكنه في النهاية الطريق الوحيد الصحيح نحو الدولة الناجحة.. دولة المؤسسات والقانون.