حوار: صلاح الدين عبدالله الأرواح الراقية تطلب بأدب، تشكر بذوق، وتعتذر بصدق، تحترم ذاتها وتحترم الغير،.. فاحترامك للناس يكسبك محبتهم، ولا يفقدك مهابتك.. وكذلك الرجل تمام السعادة فى قاموسه تكون بمكارم الأخلاق. المكان المنخفض يكون أكثر البقاع ماء، ونفعا، وكذلك العلماء أكثرهم تواضعًا، أحسنهم علما.. نقطة ضعفه التماس الاعتذار، ربما يكون اكتوى بنارها كثيرًا، ولكن تظل فى صفاته وجزءا من شخصيته مهما كانت آلامها. أراد دراسة هندسة العمارة، ولكن شاءت له الأقدار، مجالًا آخر، ورغم ذلك تحقق حلمه عندما صمم منزله البسيط برؤيته. الدكتور طارق عبدالبارى العضو المنتدب لشركة مصر للمقاصة.. النجاح بدستوره يكمن فى السعادة، والرضا فى الطموح، بدؤه بتحقق كل أحلامك إذا كنت تملك الشجاعة لمطاردتها. كيف لى محاورة رجل يتسم بالهدوء الشديد، والحذر فى كل كلمة ينطق بها، كانت علامات استفهام بداخلى عند مجالسته إلى أن كان الحوار مع «عبدالبارى» المواطن وليس المسئول.. بالطابق الثالث، وفى الحى المالى بوسط المدينة، يجلس الرجل فى مكتبه البسيط... مجموعة من الصور الفوتوغرافية تزين مكتبه، جميعها تتعلق بعمله الجامعى هى أول ما يلفت الانتباه عند مدخل الغرفة... تتبع نظراتى، واهتمامى بالصور..فبادرنى قائلا «عشقى للعمل الجامعى لا يقابله شيء سوى عملى بسوق المال». جلسنا وبدأ هادئا كعادته.. «صورة الأمس المظلمة ذهبت إلى غير رجعة، وباتت الصورة مشرقة، لكنها تحتاج إلى جهد كبير حتى يكتمل ضوءها...نعم كنا فى السنوات الماضية قد وصلنا إلى وضع ليس فيه رؤية، أو بارقة أمل، كان العمود الرئيسى لجسد الدولة فى حالة لا تسر عدوا، ولا حبيبا، فالتعليم والصحة، فى تدهور يوما بعد الآخر، والتفاصيل فى البنية التحتية أكثر سوءًا، والمرافق فى حالة يرثى لها، ولكن تغيير الحال رغم حاجته إلى مزيد من العمل».. هكذا بدأ محللا للمشهد. الرجل الذى غرس والده بداخله حب الوطن، حينما يتحدث عن المشهد، يقول بأن «التعليم والصحة، لن تحل مشكلاتهما بين عشية وضحاها، ولكن الأمر سوف يستغرق وقتا، المهم تحديد المشكلة، وأبعادها، والإسراع فى العلاج، حيث أن تراكم المشكلات سوف تخلق مشكلات أخرى، فحينما شهدت شبكة الطرق القائمة صيانة، انعكس إيجابيًا على سهولة حركة المرور، ونفس المشهد بكل قطاعات الاقتصاد». أقاطعه قائلا: لكن كل ذلك له تكلفة باهظة، وفاتورته موجعة بسبب الاستدانة والقروض، وهو ما سوف يتحمله رجل الشارع والأجيال القادمة. تبدت علامات استفهام على ملامح الرجل، قبل أن يجيبنى قائلا: «فى السنوات الماضية كنا نقترض من أجل الطعام، ودخلنا فى حسبة برمة، بسبب تراكم الديون، فى ظل توقف الإنتاج، لكن الحال تغيير، فرغم الاستدانة وتفاقم الديون، إلا أنها غير مقلقة، بسبب توجيهها إلى الاستثمار، حيث أن الأمل فى أنشاء المصانع، والشركات التى تضيف إلى الناتج المحلى، وفتح مجالات جديدة للاستثمارات المتنوعة». فى جعبة «عبدالبارى» فى هذا الصدد حكايات، يستشهد الرجل بشبكة الطرق، التى باتت تشق كل أنحاء الجمهورية، خاصة الطريق الدولى الذى يربط كل المحافظات، دون الدخول فى قلب العاصمة، وعائد هذه الطرق من شأنها سد جزء من عجز الموازنة، والآخر يوجه إلى الاستثمار فى مشروعات أخرى. بناء الشخصية لا تكون إلا بالقدرة على اتخاذ القرار الصحيح، هو ما تعلمه منذ سنوات عمره الأولى، عندما يحلل عجز الموازنة يعتبرها غير مقلقة، إذا كانت نسبة كبيرة منها موجهة إلى الاستثمار، فمعايير نجاح الموازنة، تخفيض الاستهلاك، وزيادة الاستثمار. تظل السياسة النقدية اللغز المحير لدى المراقبين، لكن فى وجهة نظر الرجل، تحمل التفاؤل مع تخفيض معدلات الفائدة، واستقرار سعر الصرف، وكل ذلك مع الاستقرار السياسى والأمنى، سوف يساهم فى استقطاب المزيد من الاستثمار. للتفاصيل فلسفة خاصة فى شخصيته، لا يخشى الغرق فيها لخبرته الطويلة فى الحياة، والعمل.. يتحدث عن السياسة المالية، ويحمل الكثير من الانتقادات ضدها، فالضرائب عامل مساعد وليس أسآسيا، يعتبرها من أقل الضرائب على مستوى العالم، باستثناء دول الخليج العربى، التى لا تعانى من العجز، فالضرائب تصل إلى 22%، عكس العديد من الدول التى تصل فيها إلى 65%، لكن هذا ليس معناه الاستمرار فى زيادتها. إذاً.. ما العلاج؟ يجيب: لن يتحقق التقدم، والتنمية سوى بالاهتمام بالعنصر البشرى، القادر على بناء الدولة، وكذلك العمل على إدخال تكنولوجيا المعلومات والحاسبات فى منظومة الضرائب من خلال ربطها ببطاقة الرقم القومى للممول، وقتها سوف يتم الوصول إلى التفاصيل الخاصة، ببيانات هذا الممول، التزماته وحقوقه، وبهذا يمكن للحكومة الوصول إلى جحور القطاع غير الرسمى، حتى هيكلة شركات قطاع الأعمال سوف تخفف العبء الضريبى على المواطن، بسبب تحولها إلى المكسب». مسئولية الموقف، والكلمة من السمات التى اكتسبها من والده، ومنحته أفضلية بين زملائه، يحمل الرجل تحفظات على المشهد الاستثمارى، حيث لا يرضى الكثير من المراقبين، فمازال رغم القانون لم يصل إلى مستويات ما قبل ثورة يناير والتى وصلت 12 مليار دولار كاستثمارات مباشرة، والوصول إلى مرحلة الثقة فى الاستثمار تعد أكثر مراحل الترويج للاستثمار، مع تحديد خريطة استثمارية واضحة، للشركات الراغبة فى ذلك, بعيدًا عن المحسوبية، والواسطة، والعمل على حل مشكلات المستثمرين، والمنازعات، إذا ما أرادت الدولة تشجيع واستقطاب الاستثمار. رغم تشبث الخبراء والمراقبين بقطاعات محددة باعتبارها قاطرة الاقتصاد، إلا أن «عبدالبارى» له رؤية خاصة، حيث يعتبر أن كل القطاعات قادرة على قيادة الاقتصاد، من خلال قطاعى التعليم والصحة، خاصة أن الاهتمام بهما، بمثابة مفتاح الانطلاقة الحقيقية نحو المستقبل، وكذلك قطاع السياحة الذى يتطلب جهدًا مضاعفا للوصول به إلى المكانة التى يأملها الجميع. للقطاع الخاص مكانة خاصة فى أجندة الرجل، باعتباره صاحب الدور الرئيسى فى التنمية الاقتصادية، ولكن حينما يتم الأشارة إلى القطاع، لابد من التنويه عن الدور الأساسى لجهاز حماية المستثمر، فى مراقبة المنتجات، حيث أن جودة المنتج الأساس، وعلى القطاع الخاص استغلال فرصة تراجع الاستيراد للعديد من المنتجات، بتقديم وإنتاج منتجات ذات جودة أفضل من المستورد، وضرورة النظر إلى الامر بحرص وطنى وقومى، وليس بحثا عن المكاسب الفاحشة، من هنا لابد أن يكون لجهاز حماية المستثمر دور، مع التوعية المستمرة للمستهلك، بما يقوم بشرائه. دار بداخلى سؤال حول موقف التنمية بالصعيد، ودور الدولة فى هذا الملف...ويبدو أن الرجل قرأ ما داخلى.. فبادرنى قائلاً: أن الصعيد فى حاجة كبيرة إلى تنمية ليس فى المشروعات، وإنما الاهتمام بالتعليم، والصحة، حيث أنه من غير المقبول أن يتم إهماله تعليما بهذه الصورة». ليس هذا فحسب وفقا لقوله، بل أن الصعيد فى حاجه إلى خط سكة حديد جديد يكون بموازاة الطريق الصحراوى الشرقى أو الغربى، بحيث يكون قادر على تخفيف الضغط على الخط القائم، وأحياء المناطق الصحراوية. ليس سهلا أن تبنى شخصية قادرة على تحمل المسئولية، وحب العمل، وهو ما حدث مع الرجل طوال رحلته الأكاديمية والعملية التى يضيف لها يومًا عن الآخر، منذ أن تولى العمل فى سوق المال، وبات عشقا لديه طوال السنوات الماضية، حرص كل الحرص أن يكون كتفا بكتف مع مجلس إدارة الشركة، ورئيسها محمد عبدالسلام لتنفيذ خطة استراتيجية متكاملة، تتطور مع المستجدات، نجح مع المجلس فى تنفيذ 100% من الاستراتيجية، خاصة فى قطاع التكنولوجيا ونظم المعلومات، والعمل على زيادة الطاقة الاستعيابية، وتشغيل كل ما هو جديد لتشغيل البيانات بكفاءة عالية، وكذلك عملية تشفير البيانات، بل ودراسة تطبيق «بلوك تشاين» وهو نظام يهدف إلى تسهيل وحماية الأرصدة للعملاء، وكذلك نجحت الشركة فى زيادة عدد الشركات المقيدة حفظ مركزى من 1600 شركة إلى 2100 شركة، ومستهدف الوصول إلى 80 ألف شركة خلال عامين، كما نجحت أيضاً فى تطبيق كافة المعايير الخاصة بشركات الايداع والمنصوص عليها من منظمة الايوسكو، بل يأمل فى المساهمة فى خروج بورصة العقود والشورت سيلنج إلى النور. الرجل عاشقا للقراءة، ويضع الاقتصاد فى مرتبه خاصة، مغرما برياضة المشى، لما تمنحه من قوة تركيز، ومحبا للألوان الزرقاء لما تحمله من صفاء، لكن يظل هدفه الأول الوصول مع مجلس إدارة الشركة إلى تحقيق طموحات السوق وصناعة سوق المال.. فهل ينجح فى ذلك؟