«للصدق رائحة لا تشم، ولكن تحس بالقلوب، وللعزيمة طاقة خلفها ثقة بالنفس «وهكذا الحكمة، والإيمان كافية لتحقيق ما تريد، وللكلمة الصادقة فى مشواره علامات، حرص عليها لتمنحه الأفضلية بين جيله. العقبات لا تكون مخيفة إلا عندما ترفع عينيك عن القمة، والباحثون عنها دائماً يحصلون على الأفضل هكذا انطباعى.. حينما تنبأ والده بمساره، غرس بداخله الرغبة فى المحاولة هى أولى خطوات النجاح، والعطاء بلا قيمة إن لم يكن جزءاً من الذات. محمد محمود رئيس مجلس إدارة شركة ميدكاب لتداول الأوراق المالية...لا يشغله سوى تحقيق هدفه، نشأته فى بيت تربوى دفعته إلى البحث عن الصورة المتكاملة، فى تصرفاته، وصناعة القرار لم تتكشف إلا مع تحمله المسئولية، يؤمن بالأخطاء، والاعتراف بها ليس ضعفاً فى منهجه وإنما شجاعة، للتفاصيل حكايات فى مسيرته، لكن يبتعد حتى لا يغرق بداخلها. فى غرفة بالطابق الثالث، مجهزة بشاشة تداولات كبيرة وعدد من الملفات المرتبطة بعمله، يتقدم بحماس شديد مرحباً، جلسنا وبدأ أكثر نشاطاً وحماساً، كل من يفهم الرجل الذى وصفه أصدقاؤه بالطموح أن يتابع إشارت يديه حينما يتحدث عن الاقتصاد، ومدى تفاؤله بالقادم. يبدو أنه قرأ نظرتى إلى حركته فبادرنى قائلاً «المشهد قبل نوفمبر الماضى كان مؤلماً، لكن تغيرت الخريطة إلى الأفضل، بدعم مؤشرات الاقتصاد فى كافة المجالات، سواء التصدير أو الاستيراد، وكذلك فى ميزان المدفوعات، والاحتياطى النقدى، وحجم الاستثمارات الأجنبية المتمثلة فى محفظة السندات وأذون الخزانة التى وصلت إلى 18 مليار دولار». أقاطعه قائلاً: لكن السواد الأعظم من المراقبين يعتبرون استثمارات السندات والخزانة مؤقتة قد تتعرض للتخارج فى أى لحظة؟ يجيبنى قائلاً: «هذه الاستثمارات شكلت هرماً كبيراً من الثقة فى الاقتصاد الوطنى، وبالتالى هى مؤشر جيد لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتى سوف يكون لها دوراً فى المرحلة القادمة، فى ظل المشروعات القومية الكبرى سواء بالعاصمة الإدارية أو تنمية محور قناة السويس». العمل والإخلاص ومحبة الآخرين قواعد راسخة لدى الرجل يعمل على دعمها بصورة مستمرة، لذا حينما يتحدث عن التكلفة الاجتماعية الباهظة للإجراءات الإصلاحية يحدد علاجها فى العمل على الإنتاج وبناء المصانع بما يساهم فى توفير فرص عمل، وتحقيق الحماية الاجتماعية باعتبارها الطريق الآمن لذلك، وكذلك ضرورة دعم القطاعات الخدمية سواء الصحة أو التعليم». يظل ملف السياسة النقدية نقطة خلاف بين المراقبين والخبراء، ومدى تعامل الحكومة بشأنه، إلا أن «محمود» رغم عدم رضاه عن هذا الملف، لكن لديه رؤية خاصة تقوم أن السياسة النقدية ضحية تراكم سياسات سابقة، نتيجة التحكم فى سعر الصرف منذ أعوام طويلة، فلو تمت عملية التعويم عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية لتغير الوضع تماماً، ولأصبح التحكم فى عملية الاستيراد غير المبررة طوال هذه السنوات، والاعتماد على المنتج المحلى. نشأته فى أسرة تربوية، ورغبته الدائمة بالوصول إلى الصورة المتكاملة، دعمت بداخلة مواجهة المشكلة وعدم البكاء على اللبن المسكوب، والرجل دائماً يشدد على الإنتاج المحلى، وحصر السلع التى يتم استيرادها، وإنتاج البديل منها، خاصة أن المقومات الإنتاج المحلى باتت متوافرة بصورة كبيرة، وهو ما يعتبر إصلاحاً حقيقياً. تظل السياسة المالية تشغل حيزاً كبيراً فى تفكيره، حيث يعتبر أن الضريبة التصاعدية على الأرباح الرأسمالية واحدة من المحاور الهامة فى ملف هذه السياسة، ونفس الأمر بالنسبة للضريبة العقارية التى لا مفر من تطبيقها، وبذلك قد يتم توفير حصيلة ضريبية تخفف الضغط على الموازنة العامة للدولة، وكذلك العمل على دخول القطاع غير الرسمى فى المنظومة من خلال عمليات حصر ومحفزات ضريبة، بما يحقق العمل على احتواء القطاع. أسأله لكن لماذا عدم التكامل بين السياسة المالية والنقدية؟ - يرد على قائلاً: «نعم السياستين تعملان فى جزر منعزلة، ربما لطبيعة المرحلة، ومحاولة استخدام السياسة النقدية لأدواتها لمواجهة التضخم، إلا أن الاستمرار فى ذلك لن يخدم السياسة المالية، وسوف يزيد من أعباء الدين العام». رغم صدور قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية الا أنه واجه الجدل بين مؤيد ومعارض.. «محمود» له وجهة نظر فى هذا الملف، حيث يعتبر أن التكامل بين القانون وبيئة الاستثمار، أمر لا غنى عنه، إذ إنه غير مقبول أن يتوافر استثمار بدون قانون أو بيئة، ولكن على الدولة الاهتمام بالمستثمر المحلى قبل الأجنبى، حيث يعتبر مؤشراً لجذب الاستثمار والأموال الأجنبية. فى جعبة الرجل الكثير فى ملف الاستثمار، إذ إنه يشدد على توفير خريطة استثمارية كاملة بفرص الاستثمار فى القطاعات المختلفة بالمحافظات، بحيث لا يتم التعامل بصورة عشوائية، ورغم نجاح تجربة الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار الأسبق خلال فترة رئاسته للوزارة، إلا أن المقارنة بوضع الاستثمار حالياً ظالمة، بسبب استقرار المشهد على جميع الأصعدة، وطفرات النمو الاقتصادى وقتها. قرر الرجل فى سنوات عمره الأولى دراسة الهندسة، إلا أن القدر حدد مساره ليدرس البيزنس والتجارة، واختار قسم إدارة الأعمال، حتى يكون دقيقاً فى قراراته، ومن هنا كان تحديده للقطاعات القادرة على قيادة قاطر الاقتصاد يتصدرها القطاع الصناعى والزراعى، باعتبارهما من المجالات كثيفة العمالة، وكذلك الخدمات الصحية والتعليمة، والسياحة التى شهدت خلال الفترة الماضية تطوراً كبيراً بتنوع مصادرها. للقطاع الخاص دور هام فى أولويات الرجل، إذ يعتبره أنه القاعدة الأساسية التى يقوم عليها الإنتاج، والداعم الرئيسى للتنمية، لذا على الحكومة القيام بواجبها نحو القطاع الخاص، بتشجيعه والعمل على تقديم إجراءات تحفيزية. الرجل دائماً يبحث عن الجديد ويحرص على تقديم غير المتوقع والابتكار، فعندما يتحدث عن الطروحات الحكومية بالبورصة يقول إن «البورصة منصة تمويل للشركات، وقادرة على جذب رؤوس أموال جديدة، وسوف تساهم الطروحات المرتقبة فى استقطاب شرائح جديدة من فئات المستثمرين، بما يحقق عمق السوق وزيادة سيولته». الإدارة لديه إبداع وابتكار، وتتوافق مع منهجه، وهو ما يؤكد نجاحه فى تقديم الجديد بكل شركة عمل بها إلى أن وصل منصة الإدارة للشركة، وحدد استراتيجية مع مجلس الإدارة تقوم على 5 محاور بالعمل على زيادة قاعدة العملاء الأفراد والمؤسسات، وكذلك التوسع فى المحافظات، مع تحسن السوق، بالإضافة إلى إضافة بعض الإدارات الجديدة الفنى والتحليلى، بما يخدم عملاء الشركة، وأيضاً حرصه على التوسع فى التداول الإلكترونى والوصول إلى أكبر قاعدة من الشباب، ويسعى الرجل إلى تقديم الجديد للشركة التى يبلغ رأسمالها 21 مليون جنيه، ويخطط إلى افتتاح 4 فروع بمحافظات الصعيد والدلتا، وبعض المناطق بالقاهرة. الرجل تعلم من تجاربه، على المستوى الشخصى والعملى، ولا يتهرب من أخطائه، بل يواجهها، يجد متعته فى قراءة مؤلفات السيرة الذاتية للعظماء، شغوفاً بالرياضة لما تمنحه صفاء بالذهن، مغرم بالألوان التى تميل إلى الهدوء، كما يصفه أصدقاؤه بذلك، لكن يظل شغله الشاغل الوصول إلى مرحلة الرضاء عن النفس، ولن يتحقق إلا بالوصول بشركته إلى مركز الريادة وتحويلها إلى كيان وبنك استثمارى كبير.. فهل ينجح فى تحقيق ذلك؟