حوار: صلاح الدين عبدالله «أبارك فى الناس أهل الطموح ومن يستلذ ركوب الخطر وأعلن فى الكون أن الطموح لهيب الحياة وروح الظفر»، هكذا تقول الحكمة، وكذلك الرجل لا تعارض فى قاموسه بين القناعة والطموح، فالقناعة فى فلسفته هى حدود الممكن للطموح. السعادة فى منهجه متعة المغامرة، وثمار المجهود المبدع، وهو سر بحثه الدائم عن الجانب الخفى، الذى لا يراه سواه، من هنا ظل طوال مسيرته، لا يشغله سوى التعلم، والتفكير، والبحث عن كل ما هو جديد. الدكتور محمد الجوهرى المدير عام لشركة بيراميدز كابيتال للأوراق المالية ونائب رئيس مركز كمبردج للبحوث والاستشارات والتدريب بالمملكة المتحدة، الابتكار فى دستوره ليس ترفاً بل سر نهضة الشعوب وتقدم الدول، والنجاح ليس فى قيمة المال، وإنما فى الثقة بالنفس، والطموح لديه أهم أسباب النجاح، فبدون النجاح والعزيمة لن تكتمل، الوصول إلى القمة. على بعد أمتار من شارع البطل أحمد عبدالعزيز الذى يسجل ويخلد بطولاته، وما قدمه للقضية الفلسطينية حتى استشهد عام 48.. يجلس الرجل فى غرفة مكتبه بالطابق الثانى يتابع ويحلل فى صمت.. لوحات تحمل صور لأسهم وصكوك من الماضى الجميل أول ما يلفت الانتباه، جلسنا وبدأ أكثر تركيزاً وتفاؤلاً. «المشهد الاقتصادى يتعافى، ويحمل بصيصاً من الأمل، للخروج من عنق الزجاجة، فالمشهد وتقييمه الآن جاء بعد 5 سنوات من أولويات الحكومة، رغم تكلفته الباهظة على رجل الشارع، الذى تحمل تداعياته القاسية من أجل مستقبل أفضل»، ومن هنا كان الحوار. للتفاصيل أهمية خاصة فى حياة الرجل، باعتبارها تكشف ما وراء الخطوط العريضة، وكذلك مؤشرات الإصلاح الاقتصادى، الذى بدأ منذ سنوات بتقليص الدعم بشكل تدريجى، ثم الوصول خلال المرحلة القادمة إلى رفع الدعم مطلقاً لتحقيق العدالة الاجتماعية، وكانت أيضاً المشروعات القومية الكبرى من ضمن خطة الحكومة، وإنشاء الكثير من المشروعات اللوجستية، وشبكة الطرق، والكبارى، التى من شأنها دعم الاقتصاد على المدى المتوسط والطويل، وكذلك إقامة محطات كهرباء جديدة كنا نفتقدها، زادت بنسبة 100% منذ 2011، بالإضافة إلى توفير الغاز الطبيعى الذى يتم اكتشافه يوماً بعد الآخر. الالتزام والانضباط من السمات التى اكتسبها من والده، ربما لطبيعة عمله العسكرى، يعتبر أن خطط الحكومة جيدة، ولكنّ هناك المؤيدين والمعارضين لهذه الخطط، بسبب الأعباء التى تكبدها المواطن وأسهمت فى زيادة الفجوة بين الطبقات، خاصة الطبقة الأشد فقراً، بل وصول الطبقات المتوسطة إلى شريحة فى أمس الحاجة للدعم. أقاطعه قائلاً: لكن الفاتورة باهظة والتداعيات فاقت الجميع. يرد قائلاً: «نعم، تحمل الجميع الأعباء، من أجل مستقبل أفضل، ولكن كان المشهد ينقصه الكثير من الخطط الاستباقية، وتهيئة السواد الأعظم من المواطنين لذلك، وذلك لم يتم، بالإضافة إلى استعجال المواطنين لنتائج الإصلاح، وهو أمر يتطلب وقتاً». العمل والبحث عن الجديد من القواعد التى حددها لحياته منذ نعومة أظافره، حينما يتحدث عن سبب البطء فى نتائج الإصلاح يرجعها إلى الظروف العالمية التى يمر بها العالم ككل، ولم تجن الحكومة ثمار المشروعات اللوجستية، وحفر قناة السويس الجديدة، نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي. ارتفاع الدين الخارجى يمثل صداعاً بالرأس، خاصة بعد وصوله إلى 83 مليار دولار، إلا أن «الجوهرى» له رؤية خاصة فى ذلك، تقوم على حسن استغلال هذه القروض فى الاستثمارات التى تحقق عوائد، وبالتالى لن يكون الدين الخارجى نقمة، ولكن إذا ما استخدمت هذه القروض فى سد عجز الموازنة تكون بمثابة كارثة. دار بداخلى سؤال حول مبررات التغطية الضعيفة للسندات التى طرحت مؤخراً.. ويبدو أنه قرأ ما يدور داخلى ليجيبنى قائلاً: «إن سبب تراجع الإقبال على تغطية السندات الوطنية نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمى، ودخول بعض الدول بالمنطقة منافسة طرح سندات دولية، بعوائد مرتفعة، وكذلك طرح الأرجنتين لسندات دولية بنسب عائد وصلت 40%، إلا أن معظم السندات تقييم بصورة أكثر دقة، ومدى قدرة الدول القائمة بطرحها على السداد، وبالتالى فإن معظم المؤسسات المالية تقوم بتقييم الاقتصاد ككل. يسعى الرجل دائما إلى الواقعية والمنطق، حتى فى مقتبل عمره، حينما أرد الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية، ولكن رفض والده، لدرايته الكاملة بشخصيته، وبنفس الواقعية يتحدث «الجوهرى» حينما يشير إلى السياسة المالية يقول: «لست مع فرض ضرائب جديدة وإنما مع طريقة جديدة تستهدف شرائح جديدة، ولا بد من تحديد سياسة ضريبية تحقق العدالة للمواطنين، بأفضل وسيلة، خاصة أنه لم يتحقق من تحصيل الضريبة العامة فى الموازنة العام الماضى سوى 30% من التحصيلات وهذا أدى إلى عجز، وكذلك لا بد من زيادة المرتبات للقطاع الخاص، أسوة بالقطاع العام، لتحقيق عدالة بند الأجور فى ظل جنون الأسعار». حريص ودقيق فى كلامه، ربما خبرته الطويلة وتعلمه من التجارب منحته ذلك، عندما يتحدث عن الاستثمار، ترتسم علامات الرضا على وجهه، حيث يعتبر أنه السطور الأولى فى الملف سطرت بالفعل من خلال بنية تحتية متكاملة، والتوسع فى المدن الجديدة، وشبكة طرق ومواصلات متكاملة، لكن الخطوة المهمة فى هذا الملف تعزيز خطط جذب المستثمرين الأجانب، وتوفير مناخ ملائم للمستثمر المحلى، الذى يعد مؤشراً مهماً لتدفق الاستثمارات الأجنبية. وتابع متسائلاً: «لماذا لا تقوم الحكومة ببيع حصص من الأراضى المملوكة للشركات القابضة، وإحياء مناطق جديدة بإقامة مصانع لهذه الشركات، وبذلك تحقق الاستفادة من أصول الشركات؟». يظل الشغل الشاغل للرجل الاهتمام بالقطاع الصناعى، باعتباره من القطاعات كثيفة العمالة، وقدرته على توفير احتياجات السوق المحلى من منتجات متنوعة، بل المساهمة فى توفير العملة الصعبة من خلال التصدير للخارج، وكذلك الاهتمام بالقطاعات الخدمية، سواء فى التعليم أو النقل، والطاقة التى حققت نقلة كبيرة فى الأشهر الماضية والتصدير للدول المجاورة، والربط الكهربائى مع الدول الشقيقة، وقبل كل ذلك الاهتمام بالعنصر البشرى والاستثمار فى قدراته. يظل القطاع الخاص يمثل جدلاً بين الخبراء والمراقبين، وقدرته على استكمال دوره فى التنمية، و«الجوهرى» له رؤية خاصة فى هذا الصدد تقوم على قانون جامع مانع يشمل القطاعين العام والخاص، بما يحقق الحماية للعاملين فى المؤسسات الخاصة، أسوة بموظفى الحكومة، كما أنه على القطاع الخاص إعادة النظر فى سياسته مرة أخرى لتحسين الصورة الذهنية السيئة التى تطارده منذ سنوات. أقاطعه قائلاً.. فى ظل التخبط الحكومى فى ملف طروحات الشركات الحكومية بالبورصة.. هل ترى الوقت مناسباً لطرح الشركات ؟ يجيب قائلاً إن: «الوقت غير مناسب لعملية الطروحات، وأمام الحكومة 6 أشهر إذا أرادت الطرح، ولا بد تحديد خطة واضحة لهدف هذه الطروحات، إذا كانت بغرض التوسع وتنمية الشركات، أم بهدف سد عجز الموازنة، وهنا تكون الخطورة، وتبديد المال العام». رحلة شاقة هى التى مر بها الرجل فى حياته، مطبات، وعراقيل، تهد الجبال عاشها فى مسار رحلته الطويلة، لكن لم يقف أمام قدره مكتوف الأيدى، بل خرج من أزمته التى تعرض لها بحادث فى منتصف رحلته، لإيمانه بالعزم والصبر، وليستكمل رحلته فى مجال البيزنس الذى بدأه بدراسة التجارة، إلى أن وصل إلى العمل بصناعة سوق المال، وتنفيذ استراتيجته وأحلامه فى شركته مع مجلس الإدارة، حيث نجح معهم فى تنمية الشركة وتبنى سياسة توسعية بثلاثة فروع للشركة فى المحافظات المختلفة، والتوسع فى قاعدة العملاء الأفراد والمؤسسات المحلية والأجنبية، بل الوصول إلى رأس مال الشركة إلى 24 مليون جنيه، ومستهدف خلال الأسابيع القليلة القادمة الوصول إلى 30 مليون جنيه. القناعة منحت «الجوهرى» أفضلية بين أبناء جيله، لا ينسى من مد له يد العون سواء من أسرته أو أصدقائه أو زملائه، يظل حاملاً الجميل لشقيقه الأكبر الذى تعلمه منه الكثير، ولزوجته وأسرته الصغيرة التى ساندته وقت الشدة.. مغرماً بالمعرفة وقراءة العلوم الإدارية لما تحمله من منفعة علمية وعملية، يهوى رياضة الشطرنج لما تمنحه من قدرة على التركيز، لكن يظل شغله الشاغل الوصول بشركته إلى الريادة وسط الشركات الكبرى.. فهل ينجح فى تحقيق ذلك؟