كتبت سامية فاروق: نشر موقع نادى مجلس الدولة بحثاً قيماً للفقيه القانونى المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة عن «الحماية الواجبة لسيرة الأنبياء.. دراسة مقارنة بين الشرئع والتشاريع للحق فى حرية الفضاء الإلكترونى وعلاقته بالمقدسات الدينية فى التشريعين المصرى والدولى». وقد عرض «خفاجى» فى المقدمة لقضية حرية الرأى والتعبير وحفظ سيرة الأنبياء وخطورة السخرية والاستهزاء من المقدسات الدينية، وأوضح أن المجتمع الدولى والتشريعات الوطنية استقرت على حق الإنسان فى حرية التعبير، لكن مهما كانت حرية التعبير مقدسة فلا بد لها من ضوابط تنظم ممارستها حماية للمجتمعات من الفتن والصراعات واحترام الشعوب لثقافة تقاليدها الدينية، وتزداد الحاجة لتلك الضوابط عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الأديان والمقدسات. وأشار «خفاجى» إلى أن تطاول الإعلام الغربى على الأنبياء يحض على الكراهية الدينية، ويزعزع الأمن والسلم الدوليين، وأن الإساءة للأنبياء على الروابط الإلكترونية إباحية، وليست حرية، ودور الدولة حماية القيم الدينية، وأن الاتفاقيات الدولية تحمى الحريات الدينية المسئولة على شبكة المعلومات الإلكترونية، وأكد أن تقييد حرية الاجتماع الإلكترونى ضرورة للحفاظ على الأمن القومى، وترتضيه القيم الدينية، وأبان أن سخرية القناة العاشرة لتليفزيون الكيان الصهيونى برسولى الله عيسى ومحمد عليهما السلام، ردة حضارية، وتطرف وتمييز ضد الآخر. وكشف أن لجنة الدستور المصرى 1923 رفضت اقتراح وزير خارجية إنجلترا خلال الاحتلال بإطلاق تحديد مفهوم الأديان. وأضاف «خفاجى»، أن الأنبياء هم صفوة الخلق، اختارهم الله عز وجل ليكونوا مصابيح الهدى للبشرية عبر مختلف الأجيال، وحفظهم الله عما لا يليق بمنصب من يتلقى مثل هذه الأمانة، فهداهم للخيرات وعصمهم من المنقصات، وهم القدوة والمثل، ومن ثم وجب على البشرية احترامهم، ووقارهم وتقديرهم فى سبيل طريق الهدى والرشاد. ونظراً إلى ما أحدثته وسائل الاتصال الفضائى والإلكترونى من تقدم مذهل جعل العالم بأسره قرية صغيرة، ولجوء بعض ذوى النفوس المغرضة إلى الإساءة للأنبياء سعياً فى الإيذاء المعنوى أو تحقيقاً لمكاسب زائلة، ما حدا به إلى تأليف هذا البحث. يقول الدكتور محمد خفاجى، فى بحثه، إن ظاهرة تطاول بعض وسائل الإعلام الغربية على الرموز والمقدسات الإسلامية، تركت جراحاً بالغة فى نفوس المسلمين فى سائر الأقطار وخطورة تلك الإساءات أنها تحض على الكراهية الدينية، ما يؤجج من النزعة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذى من الممكن أن يؤثر على حسن العلاقات الودية بين الدول والشعوب، بل إنه من الممكن أن يتعدى ذلك الأمر إلى توليد العنف وزعزعة الاستقرار والأمن والسلم الدوليين . ويضيف الدكتور خفاجى، أن الإساءة للأنبياء أو الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تمس عقيدة كل مسلم، وهى من قضايا الاتفاق عند جميع المسلمين؛ لأنها من الأصول الكلية، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله تعنى تعظيم الله وتعظيم رسوله الكريم، ولا يختلف فى ذلك المسلم المثقف عن العامى، ولا الإسلامى مع العلمانى، كما لا يختلف فيها السنى مع الشيعى. ويشير «خفاجى»، فى بحثه، إلى أنه من كمال الشريعة الإسلامية، أنها جعلت من عقيدة المسلم احترام الأديان السماوية، والإيمان برسل الله عز وجل، فلا يجوز لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أن يسىء إلى أى من رسل الله من آدم إلى محمد عليهم السلام. ويضيف «خفاجى»، أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال الادعاء بأن العمل الفنى المسىء للأنبياء يندرج تحت ستار حرية الرأى والتعبير وهى منه براء، ذلك أنه قد بات مسلماً وفقاً لقواعد القانون الدولى أن حرية الرأى يجب ألا تتعدى على معتقدات الآخرين، ولا تتجاوز حدود الآداب العامة، ولا تثير مشاعر واستياء معتنقى الديانات الأخرى ومن باب أولى الديانات السماوية الثلاث، ولا تؤدى إلى الاعتداء على السكينة العامة، وإنما هى التى تحترم معتقدات ومشاعر الآخرين وتؤدى إلى الإبداع فى أسمى صوره وتحلق بهم إلى آفاق أرحب وأفضل مما هى عليه ، لتصبح حرية الرأى منتجة ومحققة لطموحات وآمال البشرية. ويوضح «خفاجى»، أن الإبقاء على المواقع الإعلامية التى تسىء إلى الأنبياء يهدر القيم، فضلاً عن الإخلال بالمصالح العليا للدولة والأمن القومى الاجتماعى، وأنه يتعين الانتصار للمبادئ والأصول الدينية والقيم الأخلاقية التى يقوم عليها الإعلام المرئى والمسموع والمقروء فى نطاق الانحياز لحرية الرأى والتعبير المسئولة، وهو ما يستنهض همة الدولة للوقوف عند مسئولياتها فى عالم الإنترنت لكل ما يمثل ازدراءً للأديان والقيم التى توارثتها الإنسانية عبر تاريخها الطويل. ويقول الدكتور محمد خفاجى، فى بحثه، إن إساءة الغرب للأديان لم تقتصر على الدين الإسلامى فحسب بل امتدت إلى الدين المسيحى. وأضاف أن ما قامت به القناة العاشرة لتليفزيون بنى صهيون من سخرية واستهزاء برسولى الله عيسى ومحمد عليهما السلام، يعتبر ردة حضارية، وتطرفاً وتمييزاً ضد الآخر. وأوضح أن المشرع الدستورى المصرى التزم فى جميع الدساتير المصرية بمبدأ حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية باعتبارهما من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة فى كل بلد متحضر، فلكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التى يطمئن إليها ضميره وتسكن إليها نفسه، ولا سبيل لأى سلطة عليه فيما يدين به فى قرارة نفسه وأعماق وجدانه. أما حرية إقامة الشعائر الدينية وممارستها فهى مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتير السابقة وأغفله كل من دستور 1971 ودستور 2014 وهو «قيد عدم الإخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب» . ويقول الدكتور خفاجى، إن إغفال النص على القيد المذكور المتعلق عدم الإخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب ليس عديماً لكل أثر، ولا يعنى إسقاطه عمداً وإباحة إقامة الشعائر الدينية ولو كانت مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب. ذلك أن المشرع رأى أن هذا القيد غنى عن الإثبات والنص عليه صراحة باعتباره أمراً بديهياً وأصلاً دستورياً يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه. وأكد «خفاجى»، أنه على المستوى الدولى فإن كفاح البشرية من أجل الحرية الدينية قائم منذ قرون سالفة، وقد أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة، وعلى الرغم من أن مثل هذه الصراعات ما زالت سارية، فإنَّه يمكن القول إن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد. وقد اعترفت الأممالمتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن «لكل إنسان حق فى حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته فى أن يدين بدين ما، وحريته فى اعتناق أى دين أو معتقد يختاره».