تساءل الكاتب الامريكى المعروف "توماس فريدمان" عما اذا كانت روسيا التى تظهر امام العالم بشكلها الحالى هى روسيا الحقيقية. وقال الكاتب فى مقال بصحيفة " نيويورك تايمز" الامريكية ان الظاهر فى روسيا شىء والباطن شيئا اخر . واضاف انه كصحفى يتابع الاحداث والانتفاضات الشعبية ضد الحكام الطغاة فى انحاء العالم فى العام الماضى ، استوقفه ما شاهده فى موسكو الاسبوع الماضى، فقد رأى لافتة صفراء كبيرة ، معلقة على مبنى مواجه لمبنى "الكرملين" وقد وضعت عليها صورة لرئيس الوزراء الروسى "فلاديمير بوتين" ، ووضعت علامة " اكس" ( لا ) على وجهه ، وكتبت عبارة " ارحل يا بوتين " بالروسية بجوار الصورة . والغريب ان الشباب الذين علقوا هذه اللافتة ، لم يعتقلوا ، وقال "فريدمان" ان "بوتين" تعامل مع الامر بهدوء ، ولم يكن عصبيا ، ولكن ذلك لا يعبر عن حقيقة مشاعره الداخلية ، وهو نفس الامر الذى تبدو عليه روسيا ، فهذه الدولة تبدو وكأنها دولة ديقراطية ولكن الحقيقة عكس ذلك ، وتبدو وكأنها تنتهج نظام السوق الحر ، ولكن واقع الامر مختلف ، وفى الوقت الذى تبدوا فيه روسيا وكأنها دولة قانون ، الا ان الحقيقة عكس ذلك ، كما تبدو دولة اوروبية ولكن الحقيقة ليس هكذا، وتبدو ايضا وكأنها دولة تحترم الصحافة الحرة ، الا ان واقع الامر عكس ذلك، وبينما تبدو انها انهت الحرب الباردة مع امريكا ، ولكن الواقع عكس ذلك ، وبينما تسعى لان تكون دولة نفطية ، والكن الواقع غير ذلك ايضا . واشار "فريدمان" الى ان "بوتين" هو المسئول عن هذا الوضع ، وتساءل عما اذا كان "بوتين" سيفى بوعوده فى السماح بتشكيل احزاب جديدة ، ام انه سيتنظر انكسار المعارضة الحالية الضعيفة التى تفتقر الى قيادات وطنية حقيقية يمكن الالتفاف حولها . واضاف ان "روسيا بوتين" اصبحت على مفترق طرق . فعندما تولى "بوتين" الرئاسة عام 2000، بدت روسيا وكأنها لاتعانى من مشاكل ، الا انه فى واقع الامر كانت هناك مشاكل عديدة ، ورغم ان "بوتين" نجح فى استعادة زمام الامور ، وتوحيد البلاد واعادة الاستقرار ، الا ان ذلك لم يتم بالاصلاحات الاقتصادية والسياسية الحقيقية ، بل تم بسياسة القبضة الحديدية ، وساعده فى ذلك ارتفاع اسعار البترول وزيادة الايرادات ، ومع ذلك كان وما يزال العديد من الروس ممتنين لهذه السياسة . وخلال السنوات الماضية نشأت زمرة فاسدة من الاغنياء حول "بوتين" ، الا انه فى الوقت نفسه خصص جزء من عائدات النفط والتعدين الروسى للمدن المختلفة فى روسيا ، وهو ما ادى الى تنامى الطبقة الحضرية المتوسطة فى البلاد التى اصبحت تمثل التهديد الحقيقى لمستقبل "بوتين" حاليا . ورغم ان "بوتين" نجح فى انتشال روسيا من الانهيار ، الا انه لم يكن قادرا على احداث تغييرات سياسية واقتصادية وتعليمية ، تجعل من روسيا دولة اوروبية حديثة . وقال "فريدمان" ان روسيا لديها الامكانيات التى تؤهلها لأن تكون دولة حديثة ، الا ان السؤال هل يمكن ان يحدث ذلك تحت قيادة بوتين ؟ . واضاف "فريدمان" انه التقى هو و"ألين بارى" مدير مكتب "نيويورك تايمز " فى موسكو بالمتحدث باسم "بوتين" ، "ديمترى بيسكوف"، وعندما سألاه عن المظاهرات ، اجاب ان هذه المظاهرات الحضرية ، علامة ودليل على ان النمو الاقتصادى فى البلاد سبق الاصلاح السياسى ، فهؤلاء المتظاهرين لم يكونوا قادرين قبل عشر سنوات على شراء سيارة او شقة او فتح حسابي مصرفى ، او توفير اموال لالحاق ابنائهم فى المدارس الخاصة ، والان اصبح لديهم القدرة على فعل كل ذلك ، وبالتالى بدأوا يفكرون فى الانغماس فى الحياة السياسية . وعندما سألاه عما اذا كانت لديه قناعة بما يردده " بوتين" بأن المظاهرات والاحتجاجات هى مؤامرة امريكية لاضعافه وزعزعة روسيا ، اجاب "بيسكوف" ان هذا الامر مؤكد ، وهناك معلومات بقيام واشنطن بتمويل منظمات داخل روسيا لاحداث فوضى فى البلاد. كما ان الحكومة الروسية كان لديها معلومات قبل عامين او ثلاثة من الانتخابات البرلمالنة التى جرت فى ديسمبر الماضى ، بأن هناك من سيخرج فى اليوم التالى للانتخابات ليقول ان الانتخابات مزورة . واوضح "فريدمان" ان الموقف الروسى من الازمة فى ليبيا ، كان غريبا ومترددا ، والموقف الحالى من الوضع فى روسيا ايضا ، غريبا ، ولكنه قد لا يكون غريبا اذا نظر اليه فى اطار الوضع المقلوب فى روسيا او ما يمكن ان نسميه " الوجهين" اى الواقع والظاهر . وشكك "فريدمان" فى امكانية احداث اصلاح حقيقى فى روسا تحت قيادة "بوتين".