لم يفد نظام عربي إسرائيل قدر إفادة النظام السوري لها. ولم يتاجر نظام عربي بالفلسطينيين وقضيتهم قدر متاجرة النظام السوري بها. في كل حالات هذا النظام سواء قبل أن يثور عليه شعبه، أو بعد الثورة هو مفيد لإسرائيل وأمانها وأمنها. كيف يكون نظام المقاومة والممانعة مفيداً لعدوه المزعوم إلى هذا الحد؟. الحقائق المجردة تقول : * النظام السوري قبل الثورة جار جيد، ومرغوب، من إسرائيل لأنه ضعيف. * النظام السوري خلال الثورة أكثر جودة، ومرغوبية، من إسرائيل لأنه أكثر ضعفًا. في كلتا الحالتين، فإن إسرائيل تنام آمنة مطمئنة، رغم أنها تحتل قطعة من الأراضي السورية - هضبة الجولان - منذ 45 عامًا، دون تحريرها لا حربًا ولا سلمًا. وفي حال سقط هذا النظام عاجلاً، أم آجلاً، فإن إسرائيل لن تخسر شيئًا ولن يتهدد أمنها أيضا. صحيح أنه سيأتي نظام جديد لن يكون منبطحًا، أو حارسًا لحدود إسرائيل، أو ممانعًا بالكلام فقط للتجارة والدعاية، لكنه - في نفس الوقت - لن يكون محاربًا، إنما سيكون جادًا في السلام بشروط محترمة. إذن لن تتهدد إسرائيل، كما هي غير مهددة منذ جاورت سوريا، ومنذ احتلت الجولان في حرب 1967. المكسب الإضافي لإسرائيل سيأتي من لبنان، من حزب الله، فهو مع سقوط النظام السوري سيفقد الظهير المهم، وسيفقد الممر الآمن الذي من خلاله يصل الدعم الإيراني العسكري والمالي، سيكون هذا الحزب عاريًا لبنانيًا وإقليميًا، وسيكون مآله الضعف، وربما السقوط، أو التخلي عن سلاحه، والتحول إلى مجرد حزب سياسي منزوع الأنياب والمخالب، وربما يتجه هذا الحزب للاشتباك مع إسرائيل ليثبت أنه قوة مخيفة في حد ذاته سواء بوجود نظام الأسد، أو من دونه، وربما يكون في ذلك انتحاره. ارتكب هذا الحزب الخطأ القاتل بانحيازه السافر إلى جانب النظام السوري الذي يقتل شعبه. لم يتوازن في موقفه فكشف نفسه بأنه ليس مع تحرر الشعوب من الطغيان، وبالتالي بدد ما تبقى له من أصدقاء ومتعاطفين معه من الشعوب العربية التي ساندته ودعمته ورفعته على الأعناق يومًا. فهل يمكن أن يصدق أحد اليوم هذا الحزب الذي زعم تأييد ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا؟. هو فعل ذلك ليس حبًا في شعوب هذه البلدان إنما شماتة في أنظمتها التي لم يكن بينها وبينه ود، وهو في سوريا حيث المحك الحقيقي لمصداقيته أيّد قتل الشعب وقمع الثورة فنسف أي مصداقية له، والآن لم يعد أحد يهتم بما يقوله زعيمه حسن نصر الله في خطاباته المتلفزة، وأي مواجهة جديدة له مع إسرائيل لن تحظى بالإسناد الشعبي العربي كما حصل معه في 2006 وقبلها. وإذا سار النظام الأسدي في طريق السقوط فإن الضلع الثالث في مثلث تحالف " سوريا - إيران - حزب الله" وهو إيران سيكون أكثر عزلة، وبلا أي صديق، أو حليف في المنطقة إلا بعض الأحزاب والمكونات العراقية، وبقايا حزب الله، وهنا سيسهل تقليم أظفاره باستهداف مشروعه النووي، وترسانة صواريخه، دون أن يكون قادرًا على الرد المؤلم. إسقاط النظام في سوريا سيكون مرتفع الكلفة بسبب تعقيدات التحالفات والتشابكات والتداخلات في الإقليم، وبسبب موقعه الجيوسياسي، لكن في زواله سيكون زوال ذلك التحالف الذي يجلب أضرارًا وتهديدات للمنطقة، ويجعلها تفقد الشعور بالاستقرار والهدوء، والفائدة ستكون عظيمة للشعب السوري المقهور المعذب ليتنسم الحرية والكرامة الإنسانية بعد عقود من إذلال البعث ودمويته. كما سيكون لبنان من أكثر المستفيدين حيث سيزول سيف التهديد السوري المباشر، أو عبر عملاء وأتباع الداخل، من على رقبة هذا البلد ليعيش حياة طبيعية بدون وصاية السوري، أو خطر سلاح حزب الله رأس حربة إيران. ولأن تحالف الطغيان يدرك هذه الحسابات فإنه يقاتل بكل عنف وقسوة حتى لا يسقط نظام الأسد، وإيران الأكثر حرصًا عليه لأنها تدرك أنها في خسارته ستخسر حزب الله أحد فيالق حرسها الثوري، كما ستفقد ممرها الآمن للتغلغل في بلاد العرب، وما تهديد هذا الحرس مؤخرًا بأنه سيقاتل إلى جانب النظام السوري إذا حصل تدخل خارجي وفقا لاتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين إلا تأكيد على أن غرق عنصر من المركب الذي يجمع هذا التحالف سيعني غرق المركب بمن بقي فيه. ولذلك فان إيران صارت تتعامل مع سوريا كأنها إقليم في أراضيها وبالتالي هي التي تخوض المواجهة نيابة عن دمشق إعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا وماليًا وعسكريًا. أليس مدهشًا أن تكون هي التي تشوش من أراضيها على بث قناة الجزيرة رغم العلاقات الطيبة بينها وبين قطر، كما تجند كل وسائل الإعلام التابعة لها والممولة منها والناطقة بالعربية في لبنان مثل فضائيات "العالم" و"المنار" و"إن بي إن " وغيرها بخلاف الصحف لترويج الأضاليل وإخفاء حقيقة المجازر اليومية. والدعم السياسي الإيراني يظهر في دفع الحكومة اللبنانية التي يهيمن عليها ويوجهها حزب الله لتأييد النظام السوري في الجامعة العربية، ومجلس الأمن، وفي كل محفل، وكذلك في الانتقال الدراماتيكي لدميتها في بغداد نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية من الاشتباك مع دمشق واتهامها بدعم الإرهاب في بلاده وتهريب المتطرفين عبر الحدود وإيواء البعثيين والمطالبة بالتحقيق الدولي في ذلك إلى داعم كبير الآن للأسد سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا وماليًا. في بداية الثورة فوت هذا النظام على نفسه وبلده فرصة ثمينة بإجراء إصلاح شامل وجاد وحقيقي يحفظ بها نفسه ودماء شعبه وبلده رغم تاريخه الاستبدادي الدموي، والشعوب تغفر لحكامها إذا حققوا بعض آمالها وتطلعاتها وأشعروها بكرامتها، لكنه صمم على الطغيان حتى يئس منه الشعب فكان مطلبه الوحيد الآن هو إسقاطه رغم نهر الدماء الذي لا يتوقف عن الجريان يوميًا. إسرائيل مستفيدة من وجود أو غياب هذا النظام، لكن هناك من هم الأكثر استفادة وهم الشعبان السوري واللبناني بل الإقليم كله.