لكل ثورة شهداؤها.. الذين يقدمون أرواحهم هدية للوطن.. فقد ثاروا ليعيش الوطن.. وهؤلاء هم وقود الثورة بل أشرف جنود لها. وربما تكون الثورة الفرنسية هي اكثر الثورات تقديما للشهداء.. وكان سبب ذلك، ان الثورة بذات شعبية بلا قيادة قوية في أيامها الأولي وغياب سلطة حقيقية للثورة خصوصاً وان سلطة الملك لويس السادس عشر كانت تتهاوي وحدث شبه غياب للسلطة.. علي الشارع. وربما تكون الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا هي الأكثر من حيث عدد الشهداء.. وايضا بسبب سقوط حكم القياصرة.. بعد ان انهزمت قواته في اكثر من جبهة حربية.. وايضا بسبب طبيعة الشعب الروسي.. ولم يفرق الثوار بين رجال الحكم.. وبين معارضيهم. وشهداء ثورة 19 سقطوا برصاص الإنجليز وعندي كشف بكل اسمائهم.. وهي الثورة التي بدأت من نوفمبر 1918 وحتي صدور دستور 1923 في يوم 19 أبريل 1923.. وحتي شهداء إسقاط دستور 1930 واعادة دستور 23. ** ولكن شهداء »ثورة ميدان التحرير« التي بدأت يوم الثلاثاء 25 يناير سقطوا للأسف إما بأيدي رجال الشرطة المصرية.. أو بأيدي الذين دفعهم رجال النظام لمواجهة ثورة الشباب، ومنهم من سقط بالرصاص الرسمي.. ومن سقط تحت سنابك الخيل وأرجل الجمال يوم الأربعاء التالي.. ولكن العار - كل العار - ان يسقط شهداء بأيد مصرية.. مهما كانت الأسباب. ** وحتي الآن لم يصدر بيان رسمي بعدد شهداء هذه الثورة الشريفة وكل ما صدر جاء علي لسان وزير الصحة الجديد من ان الضحايا هم 8 اشخاص، ثم أضيف عدد ثلاثة آخرين في الايام التالية.. فهل هذا معقول، أم هو موقف حكومي حتي لا تزداد الثورة اشتعالاً بسبب الأرقام الحقيقية للشهداء. ورغم ذلك فإن الأرقام المتداولة بين الثوار تقول ان عن هؤلاء الشهداء يصل إلي 300 شهيد.. أما المصابون فالعدد بالآلاف وتتحدث الروايات عن ان عدداً كبيراً من هؤلاء وهؤلاء سقطوا بطلقات الرصاص، والمؤسف ان بعضها، ان لم يكن اكثرها، وقع بطلقات في الرأس.. بل وبعض الطلقات اخترق العيون ودمر الجماجم.. وتلك في رأيي جريمة مضاعفة. لأن مرتكبها كان يتعمد القتل.. فإن لم يحدث القتل.. فسوف يحدث التشويه المميت. ** ونتساءل لماذا لم تعترف الحكومة بهذه الارقام.. ام هي لا تعرف كيف تحصر هذه الاعداد، خصوصاً ان بعض الاسر كانت تدفن شهداءها حتي دون شهادات وفاة. ولقد سقط هؤلاء الشهداء ليحققوا حلمهم، يريدون التغيير ويبحثون عن الكرامة.. بل ومستعدون للاستغناء احيانا عن رغيف الخبز، وهؤلاء الشهداء ماتوا لنعيش ويعيش ابناء الوطن كله.. ولقد حققوا حلمهم، الحلم الذي كنا نحلم به منذ عشرات السنين.. وفي المقدمة حق الكلام وحرية الكلام والتعبير.. هؤلاء هم شهداء الحقيقة. ** ولقد أبكاني وأبكي كل المصريين هذا الشاب النحيل الرائع وائل غنيم الذي قدمته الاعلامية »الثورجية« مني الشاذلي وهو يتحدث عن شهداء الثورة.. زملاء تلك الثورة التي انطلقت عبر الفيس بوك والتي استهزأ بها رجال الحكومة، ومن كانوا في معيتهم من كتاب السلطة.. وابكتنا كذلك مني الشاذلي بحكاية من سطرين حكاية الشاب احمد مطاوع الذي ترك حقيبته وبطاقته وعنوانه.. المثير الغريب عنوان سكن في شارع حسني مبارك بكفر المصيلحة. أما وائل غنيم فهو لا يختلف عن اي ابن من ابنائها.. فقد جعلنا نخجل من جيلنا لأنه حقق وزملاؤه مالم يفعله اي جيل قبلنا ولا بعدنا.. ولقد ابكانا وائل وحرك قلوبنا.. علي تلك الزهور التي استشهدت وقتلتها يد الإثم.. ولا تعرف وهي تضغط علي الزناد ان هؤلاء هم خيرة شباب مصر، وإن كل واحد منهم مثل ابنه .. وولده.. أو مثل أخيه. ووائل لم يكن يؤدي مشهداً تمثيلياً أمام الكاميرا .. بل كان يتحدث من قلبه.. قلب شاب مثقف حاصل علي الماجستير.. ابن ناس وليس بلطجياً. ** وإذا كان ديننا الحنيف يقول ان إكرام الميت دفنه.. فكم كنت أتمني ان يدفن هؤلاء الشهداء الثوار حيث سقطوا.. في ميدان التحرير.. بملابسهم ودمائهم.. في الميدان ليتحول هذا الميدان بالفعل الي ميدان الشهداء.. ولنقم في الموقع ذاته نصبا للشهداء.. لا يقل روعة عن نصب شهداء الجامعة.. شهداء الوطن وشهداء دستور 23 أمام المدخل الرئيسي لجامعة القاهرة. ونسجل علي هذا النصب اسماء كل هؤلاء الشهداء.. ولنجعل من الميدان ومن المقبرة »حمراء اللون من رخام اسوان الوردي الاحمر« مقبرة لكل هؤلاء.. وتحته شعلة تظل مشتعلة الي الأبد مثل ما هو موجود تحت قوس النصر في باريس حيث شهداء الثورة الفرنسية وشهداء النضال العسكري من اجل فرنسا الحرة. ** أقيموا الآن هذه المقبرة.. وهذا النصب وسجلوا الاسماء.. بل سجلوا حكاية هذه الثورة العظيمة التي فجرها هؤلاء الثوار.. اشرف ثوار.