المواقف العشوائية لسيارات الأجرة ظاهرة مأساوية اخترقت أحياء القاهرة الراقية والشعبية على حد سواء بصورة فجة، لها مضار ومخاطر كبيرة استفحلت فى ظل غياب الرقابة والقانون معاً. فرض أصحاب السيارات الأجرة «مواقف» فى العديد من الأماكن بعيداً عن رقابة الأحياء وفى ظل غياب رجال المرور مستغلين حاجة الركاب لفرض تعريفة ركوب تتوافق مع أهوائهم والقذف بالمعترضين خارج السيارة وعلى المتضررين اللجوء إلى الله. واستغل سائقو السيارات بعض الميادين والشوارع الحيوية وأماكن التجمعات لنقل الطلاب والموظفين إلى محطات المترو.. متسابقين فى تكدس مرورى واشتباكات لا تنتهى مع أصحاب المحال وقائدى السيارات الخاصة، والأخطر هو تعرض السيدات والفتيات لمعاكسات «نابية» من قائدى هذه المركبات المخالفة. الأهالى يستغيثون حماية لأنفسهم ولأولادهم من المخاطر بضرورة خضوع هذه المواقف لرقابة رجال المرور، للقضاء على هذه الإمبراطورية التى بدأت تتعاظم كل يوم عن سابقه مما ينذر بكوارث ويشوه الوجه الحضارى للمدينة ويفرض واقعاً جديداً لا يمكن السكوت عليه. بخطوات سريعة تحاول فاطمة عبد الله، موظفة، اللحاق بإحدى سيارات الأجرة التى تحمل الركاب لمحطة مترو البحوث، تقبض بيديها أبناءها الثلاثة، وتحاول أن تجنبهم زحام المرور، ومخاطر السيارات الطائشة، وأمام مزلقان ناهيا ببولاق الدكرور، بمحافظة الجيزة، تلحق بإحدى سيارات الميكروباص، لتلتقط أنفاسها بعد عناء طويل. صراعات وسباب وألفاظ نابية ومشاجرات بين أصحاب سيارات الميكروباص فى موقف بولاق الدكرور العشوائى، وبين أصحاب سيارات الملاكى والأتوبيسات المارة، بسبب الزحام وإعاقة حركة المرور لكثرة السيارات الأجرة المتراصة على شكل طوابير، وبالرغم من تواجد رجال المرور، إلا أن بلطجة السائقين فى هذه المنطقة ما زالت مستمرة. فتيات يحاولن الهرب من معاكسات سائقي الموقف، أخريات أصررن على المواجهة بالرد عليهم بالشتائم، مشاهد يومية مأساوية اعتادت عليها أعين أصحاب المحال القريبة من الموقف، والذين أشاروا إلى أن موقف بولاق الدكرور يُعد واحداً من ضمن عشرات المواقف العشوائية فى محافظة الجيزة. «يابيه ده مافيش يوم يعدى إلا لما تحصل أكثر من مشكلة وضرب وخناقات».. يروى فادى صابر، صاحب محل للملابس، أمام الموقف، معاناته اليومية مع أصوات السائقين المرتفعة، وصراعاتهم المستمرة فى ظل تواجد رجال المرور فى الشوارع. لم يقف «فادى» مكتوف الأيدى أمام هذه المأساة، وبادر بإبلاغ ضباط المرور بما يحدث أمام محله، خشية على مصدر رزقه من الأذى، قائلاً: «الضابط جه من هنا والسواقين اختفوا من هنا، ومافيش ساعات بعد ما مشى الضابط رجعوا تانى، ويظهر كده مافيش فايدة». «ناس كتير من أصحاب المحلات تعرضوا لخسائر كثيرة بسبب خناقات السائقين».. يتذكر أحد الشباب مشاهد لبعض المشاجرات بين السائقين وأصحاب المحال، بسبب الأصوات المرتفعة وإعاقة الأهالى المقبلين على المحال، والتى تحولت للاشتباك بالأيادى، وتهشمت الواجهات الأمامية للمحلات. الأمر نفسه أكده كمال فريد، صاحب محل، قائلاً: «مفيش فايدة.. الوضع ده ليه سنين لا يتغير، ومهما حاولنا نبلغ رجال المرور برضو بيرجعوا تانى.. حسبنا الله ونعم الوكيل»، مشيراً إلى أن غالبية السائقين بلطجية ويحملون السلاح الأبيض، ولا يستطيع أحد التعامل معهم سوى الضباط فقط. وتابع: «هذه المواقف غير رسمية وتواجدهم هنا غير قانونى، بالإضافة إلى المشكلات التى يسببونها للمارة والسيدات، سواء كان بسبب المعاكسات أو المشاجرات مع أصحاب السيارات الخاصة». ومن جانبهم، أشار عدد من سائقى السيارات الأجرة إلى أنهم لا يجدون سوى هذه المنطقة أمام سلم ناهيا، ببولاق الدكرور، لتحميل الركاب لكونها منطقة حيوية ما بين منطقة بولاق الدكرور ومحطة مترو البحوث. فيما قال عدد من المواطنين إنهم يحتاجون لهؤلاء السائقين لنقلهم إلى محطة المترو بأجرة مخفضة «جنيه واحد»، مقابل جنيه ونصف الجنيه وهو ما يدفعونه لسيارات فيصل والجيزة. وقال أحمد سلامة، طالب جامعى، إن السائقين نعمة ونقمة فى نفس الوقت، فكونهم يحملون المواطنين من بولاق الدكرور إلى محطة المترو فهذا شىء جيد على الرغم من أن الموقف غير رسمى، ولكن الحكومة تراعى مصالح المواطنين، أما ما يفعله بعض السائقين من مشاغبات ومشاجرات ومعاكسات للفتيات فهذا ما يسبب غضب واستياء الأهالى والمارة فى الشارع، وغيرهم العشرات من أصحاب المحال. وعن حجم الإشكاليات اليومية، قال «سلامة» إن السائقين يخلقون عشرات الصراعات اليومين مع الأهالى بسبب الزحام وتكدسهم أمام كوبرى ناهيا. ومن موقف ناهيا ببولاق الدكرور، إلى موقف سلم «الإليزيه» بشارع السودان، والذى يحمل أهالى منطقة أرض اللواء إلى محطة مترو البحوث بالدقى، حيث ممارسات غير أخلاقية لأصحاب سيارات الميكروباص، على الأهالى من خلال فرض أجرة غير رسمية عليهم قيمتها جنيه وربع مع العلم أن القيمة الرسمية للأجرة جنيه فقط. وعبر العشرات من أهالى منطقة أرض اللواء عن استيائهم من ممارسات سائقى الأجرة اللا أخلاقية عليهم، مؤكدين أن السائقين يمارسون بلطجتهم على الركاب فى فرض أجره غير رسمية عليهم فى ظل غياب رجال المرور. وقالت سالى فتح الله، موظفة: «السائقين دول ماعندهمش ضمير، ويغالون فى الأجرة دون ضمير أو رقابة ومن يرفض يتعرض للمهانة، وممكن ينزلوه من السيارة فى منتصف الطريق». وتابعت: «إنهم لا يراعون الله فى أحد كبيراً كان أو صغيراً، ولو واحد مسن دفع جنيه بس ممكن يتعرض للإهانة أمام الناس من أجل ربع جنيه ليس لهم حق منه، وينزلوه فى وسط الطريق، أما الشباب فكل يوم فى خناق مع السواقين علشان الربع جنيه». وعن إمكانية لجوء المواطنين لرجال المرور للحد من بطش سائقى الميكروباص، فقال مجدى عبد العال، موظف: «اليوم اللى يكون فيه مرور ويوجد ضباط على الطريق بيلموا على جنيه بس، والأيام التى لايوجد فيها أحد بيلموا على جنيه وربع، واحنا ورانا مصالح مش فاضين كل شوية للخناقات وننزل نشتكى علشان ربع جنيه.. بس فعلاً ده حرام واللى بيعملوه فى الناس غير أخلاقى». وطالب «عبد العال» وزارة الداخلية بتشديد الرقابة على الطرق بشكل يومى وتطبيق الغرامات المشددة على السائقين المخالفين والذين يفرضون أجرة غير رسمية على المواطنين. بينما طالب زين فتحى، موظف جامعى، رجال المباحث بسرعة ضبط السائقين الذين يتسببون فى المشاكل مع المواطنين، وطرح فكرة أن يستقل أحد ضباط المباحث إحدى هذه السيارات على أنه مواطن عادى، ليكشف معانات العشرات من الأهالى مع السائقين. وأعرب العشرات من المارة بشارع جامعة الدول عن معاناتهم مع هؤلاء السائقين والذين يمثلون عائقًا للمرور فضلاً عن أخلاقهم غير المنضبطة، حيث يقومون بمعاكسات الفتيات والسيدات اللاتى لجأن لضباط المرور مراراً للحد من تجاوزات السائقين خلال مرورهن فى الشارع. وقالت سارة سلامة: بعض السائقين يقومون بمعاكسة الفتيات بصورة فجة دون وازع من ضمير أو أخلاق أو دين، مطالبة بضرورة تواجد رجال المرور باستمرار لإعادة الانضباط للمنطقة والوقوف فى وجه المخالفين وتفعيل القانون ضدهم.