نشرت مجلة «جلوبال رسيرش» في 13 ديسمبر مقالاً لمراسلها في الشرق الأوسط فنيان كننجهام تحت عنوان «بعد سبعين عاماً من بيرل هاربر.. هل إيران هي اليابان الجديدة؟».. يعرض فيه الكاتب كيف يعمل الاستعمار الأمريكي وحلف الناتو وكلب حراستهم الإسرائيلي علي استفزاز إيران لدفعها إلي إطلاق الرصاصة الأولي لتكون هي البادئة بالعدوان أمام العالم لتبرير الهجوم عليها، يقول كننجهام: «منذ سبعين عاماً قامت أمريكا بسلسلة من الاستفزازات ضد اليابان مثل قطع النفط عنها حتي تشل اقتصادها وعزلها دبلوماسياً مما دفع اليابان إلي الهجوم الشهير علي الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر الذي اتخذته أمريكا ذريعة لدخول الحرب العالمية الثانية، وهو ما كانت تخطط له أمريكا عن طريق استفزاز اليابان حتي تكون اليابان هي المعتدية أمام العالم وتكون أمريكا في حالة دفاع عن النفس». ولعلنا نتذكر كيف خطط الاستعمار الأمريكي وكلب حراسته الإسرائيلي مؤامرة استدراج عبدالناصر عام 1967 لإغلاق خليج العقبة بعد ترويج أكذوبة الحشود الإسرائيلية ضد سوريا، فأصبح عبدالناصر هو المعتدي أمام العالم وبررت إسرائيل شن حرب 1967 التي أعدت لها مع أمريكا بعناية فائقة وسحقت الجيوش العربية في 5 يونيو عام 1967 فيما عرف بحرب الأيام الستة.. ويعرض كننجهام في هذا المقال الخطوات الاستفزازية التي تقوم بها أمريكا ومعها حلف الناتو وإسرائيل ضد إيران لدفعها إلي إطلاق الرصاصة الأولي حتي تبدو إيران أمام العالم في وضع المعتدي ويبدو مجرمو الحرب في واشنطن وتل أبيب وشركاؤهم في حلف الناتو في وضع الضحية التي تدافع عن نفسها. يقول الكاتب: إن هذه المؤامرات الأمريكية لها أمثلة تاريخية قام بها الاستعمار الأمريكي خلال تاريخه، ففي عام 1898 دبرت أمريكا حادثة إغراق المدمرة الأمريكية «مين» في ميناء هافانا بكوبا التي كانت مستعمرة إسبانية عندئذ، وكانت هذه الحادثة هي المبرر الذي اتخذته أمريكا لإعلان الحرب علي إسبانيا وانتزاع المستعمرة الكوبية منها، وفي عام 1915 اتخذت أمريكا حادثة إغراق السفينة الأمريكية «لوسيتانيا» مبرراً لدخول الحرب العالمية الأولي في صف بريطانيا وفرنسا ضد ألمانيا والنمسا، وفي عام 1964 دبرت أمريكا حادثة الهجوم علي قطعة بحرية أمريكية الذي قام به عملاء للمخابرات الأمريكية في خليج تونكين بفيتنام لتنتزع من الكونجرس قراراً بشن حرب الإبادة التي قام بها الاستعمار الأمريكي ضد الشعب الفيتنامي وأباد فيها 3 ملايين فيتنامي قبل انسحاب أمريكا الذليل من فينتام، وفي 11 سبتمبر عام 2001 اتخذت أمريكا مما أسمته «هجمات إرهابية» علي نيويوركوواشنطن التي دبرها العملاء بعناية فائقة مبرراً لشن حروبها العدوانية الدائرة الآن ضد شعبي العراق وأفغانستان. ويستطرد الكاتب قائلاً: إنه من خلال هذا العرض التاريخي والحروب التي تفبركها المؤامرات الأمريكية فإن الاستفزازات التي تقوم بها أمريكا حالياً ضد إيران تأخذ معني عاجلاً جداً لما يدبر حالياً. وفي مقال آخر لمجلة «جلوبال رسيرش» يقدم الكاتب توم بورجهارت عرضاً مقنعاً بأن أمريكا وإسرائيل تقومان حالياً بشن حرب سرية داخل إيران تشمل هجمات بالقنابل والمفرقعات علي مواقع عسكرية إيرانية، وقد وقع اثنان من هذه الهجمات الشهر الماضي قتل فيهما أكثر من 30 عسكرياً إيرانياً.. وينقل الكاتب عن مسئول عسكري إيراني قوله إن الرد الإيراني علي العمليات التخريبية التي تقوم بها أمريكا وإسرائيل داخل إيران لن يقتصر علي رد داخل الحدود الإيرانية. وكانت آخر العمليات الاستفزازية التي قامت بها أمريكا ضد إيران هو اختراق المجال الجوي الإيراني لمسافة 140 ميلاً بطائرة بلا طيار تابعة للمخابرات الأمريكية، ومن الواضح الآن أن هذه الطائرة من طراز «RQ - 170» بدون طيار عالية التقنية جداً، وتستطيع الطيران علي ارتفاع 50 ألف قدم ولا يكتشفها الرادار، وكانت هذه الطائرة في رحلة تجسس فوق الأراضي الإيرانية لتحدد غالباً مواقع الإنشاءات النووية الإيرانية، تمهيداً لشن هجوم جوي خاطف عليها، وهو نفس نوع الهجوم الجوي الذي ظلت واشنطن وحلفاؤها يهددون به إيران طوال الشهور الماضية، وقد وصفت جريدة «واشنطن بوست» كشف النقاب عن عملية التجسس الأخيرة هذه من المخابرات الأمريكية ضد إيران بأنها تمثل أول خطوة تقوم بها إدارة أوباما للمواجهة العسكرية مع إيران، ويدخل في هذه المواجهة زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لأعداء إيران المحتملين في الشرق الأوسط، كما تدخل فيها التهديدات التي يطلقها المسئولون الأمريكيون وحلفاؤهم ضد إيران. ويدخل ضمن مجموعة التهديدات العدوانية تصريح وزير الدفاع الأمريكي ليون بانتيا الذي ذكر الأسبوع الماضي تفاصيل عن مجموعة كبيرة من خطط لعمليات عسكرية ضد إيران، وعلينا أن نتذكر أن المواجهة مع إيران التي امتدت لحقبة كاملة كانت مبنية علي تأكيدات أمريكية لم تثبت صحتها أبداً بأن إيران تطور سلاحاً نووياً، وهو زعم نفته إيران مراراً، كما أن سنوات عديدة من التفتيش بمعرفة الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي منشآت إيران النووية السلمية لإنتاج طاقة للأغراض السلمية لم تستطع إثبات أن إيران تطور سلاحاً نووياً، رغم أن المخابرات الغربية ووسائل الإعلام الغربية شنت حملة اتهامات هائلة ضد إيران وحاولت بعنف الضغط علي وكالة الطاقة الذرية لاستصدار مستند اتهام منها ضد إيران. وتقول جريدة «واشنطن بوست» أيضاً: إن اللهجة الأمريكية التي تزداد حدة ضد إيران تصاحبها جهود دبلوماسية متزايدة لتكثيف الضغط الاقتصادي علي إيران حيث تجند واشنطن حلفاءها الأوروبيين والآسيويين، لتنسيق جهودهم لخنق الاقتصاد الإيراني. وعندما نقرأ هذه الفقرة الأخيرة مرة أخري نستطيع بسهولة وبدرجة عالية من الرعب أن نستبدل يابان عام 1941 بإيران عام 2011. ويعود لأذهاننا ما قاله وزير الحرب الأمريكي هنري ستيمسون قبل هجوم اليابان علي بيرل هاربر عام 1941 تدوي كلماته في أذاننا بلهجة غاية في الشر عندما نطبقها علي الوقت الحالي مع إيران، قال ستيمسون بالحرف الواحد: «إن المسألة تتلخص في كيف يمكننا استدراجهم ليطلقوا الرصاصة الأولي».. وعلينا أن نتذكر أيضاً أن الحرب الأمريكية ضد اليابان اتسعت لتشمل كل منطقة المحيط الهادي وشرق آسيا وفجرت أكثر أحداث التاريخ بربرية وهي المحرقة النووية ضد هيروشيما وناجازاكي في اليابان. ولكن هذه المرة وقع التطور المذهل في تكنولوجيا التدمير فإن ما يمكن أن تؤدي إليه حرب ضد إيران ستجعل المحرقة البربرية ضد هيروشيما وناجازاكي تبدو مسخاً صغيراً بجانب ما يمكن أن يؤدي إليه التطور التكنولوجي الهائل من دمار مرعب. وهكذا نري في نهاية هذا العرض للسيناريو المحتمل من الاستعمار الأمريكي أن دولة رعاة البقر التي قامت علي أنقاض 20 مليوناً من الهنود الحمر الذين أفناهم الاستيطان الأبيض الزاحف من أوروبا، والذي استخدم في بناء دولته 20 مليوناً آخرين من العبيد الذين اختطفهم من أفريقيا هي نفس دولة مجرمي الحرب الحديثة، نفس الاستعمار الأمريكي الذي اختلق مختلف الحجج لغزو كوبا وبانتزاعها من الاستعمار الإسباني، الذي انتزع الشرق الأوسط بلا حرب من الاستعمارين البريطاني والفرنسي بعد عدوان السويس عام 1956، الذي أباد 3 ملايين من شعب فيتنام العظيم في محاولته الفاشلة لإخضاع شرق آسيا التي انتهت بفشل مدوٍّ لأمريكا، نفس الاستعمار الأمريكي الذي يحاول اليوم تركيع شعبي العراق وأفغانستان، عن طريق العملاء الذين زرعهم فيهما ليحكموها لحسابه، ولا شك لدينا أن نهاية هذا الاستعمار المحتومة ستكون نفس النهاية المهينة التي لاقاها في فيتنام، فمجرمو الحرب لا يختلفون والاستعمار الأمريكي لا يتغير في أساليبه سواء كان الجالس علي رأس العصابة الحاكمة في واشنطن مجرم حرب يمينياً أبيض متطرف في تعصبه ضد الإنسانية مثل بوش الابن أو مجرم حرب «ديمقراطي» أسود ذا أب مسلم، فكل مجرمي الحرب سواء في النهاية. ------- نائب رئيس حزب الوفد