"من بعدك لمين لمين لمين الزهر بينحني .. وبتشرق لمين لمين لمين شمسك يا دني" معزوفة أطلقها أسطورة الطرب ملحم بركات، لمسّ فيها قلوب معجبيه الذين تخطوا حدود بلاده "لبنان" بعد أن تغناه بصوته الجبلي القوي الذي يدخل على القلب بدون استئذان أو سابق إنذار، بهذه الأغنية سيظل خالدًا في ذاكرتنا وذاكرة الأجيال القادمة، ليرحل بركات عن عالمنا بجسده ويظل باقيا بفنه الذي يجب أن يُدرس. خيمت حالة من الحزن الشديد على الوسط الفني اللبناني والمصري والخليجي عقب انتشار خبر وفاة المطرب والمُلحن اللبناني ملحم بركات عن عمر ناهز 72 عامًا بعد صراع طويل مع مرض السرطان. لم يكن فنانا عاديا، وإنما كان رمزًا فنيًا مبدعًا، وأستاذًا لأجيال بعده، كان له اسلوب مميز وضعه في مكانه خاصة، فهو لا ينجرف وراء الموجة والتقاليع الغربية بغيى الربح المادي كما يفعل العديد من المطربين الآن، ولكنه حافظ على الطرب الأصيل الذي تربي عليه والموسيقي التي تعبر عن ثقافة بلده، فكان إدائه يجمع بين الطرب الأصيل والغناء المتجدد الذي لا يخل باللحن الشامي. تأثر بركات أو أبو مجد كما كان يلقبونه أو مطرب الضيعة كما كان يطلق عليه أهل قريته، بفن موسيقار الأجيال "محمد عبد الوهاب" فكان ملهمه ومثله الأعلى في الغناء والتلحين، حيثُ كان يراقب أصابع يديه على آلة العود كي يتعلم منه. ولد "أبو مجد" في قرية كفرشيما، وهو ينتمي إلى طائفة الروم الأرثوذكس، بدأ عشقه للفن يتوغل قلبه ويسيطر على حياته منذ أن كان طالبا في المدرسة، وفى أحد الاحتفالات المدرسية، قام بتلحين بعض الكلمات من الجريدة اليومية وقام بغنائها، ومن هنا بدأ كفاحه مع عالم الغناء والتلحين. نجح أبو مجد، في لفت انتباه الموسيقي حليم الرومي، الذي كان يسكن كفرشيما، فأثنى على موهبته وشجّعه. في مطلع شبابه، ففر بركات ليطلب من أبيه الذي كان يعمل نجارا بالسماح له بدراسة الموسيقى، فكان جواب الأب:"هناك عبد الوهاب في الساحة وتريد أن تصبح فنانًا"، ولكن بركات لم يولي اهتماما لقوله، فترك المدرسة وكان في السادسة عشرة من عمره، وقرر الالتحاق بالمعهد الوطني للموسيقى، فانتسب إليه دون معرفة أبيه، وكان يخبئ كتب المعهد في كيس ورقي يخفيه أمام مدخل منزله، إلى أن اكتشف والده الأمر، الذي عاد وقبل الأمر نظرًا لإصرار ابنه وموهبته الواعدة. التحق "أبو مجد"، بأحد البرامج المشهورة للأصوات الجديدة، وقام باختباره رواد الفن اللبناني الكبار، الذين اشادوا به وبأدائه المميز، حيثُ قالوا عنه آنذاك، أنه موهبة لا مثيل لها لما يمتلكه من طبقات صوت عالية ذات مواصفات جيدة، ثم التحق بعد ذلك بالمدرسة الرحبانية، ومن هنا بدأ بركات أن يحفر اسمه بأحرف من ذهب في عالم الغناء والتحلين، فقام بتلحين أغنية شهيرة للمطرب غسان صليبا بعنوان "يا حلوة شعرك داري" والتي لاقت استحسانا كبيرا من الجمهور والمستمعين، كما لحن أغنية شهيرة للفنان الراحل نصري شمس الدين، ووديع الصافي، وماجدة الرومي، وصباح، وغيرهم من المطربين الكبار. وبين ليلة وضحاها، تحولت صفحته على الفيس بوك إلى مآتم بعد أن أنهالت كلمات التعازي على صفحته من جانب عدد كبير من معجبيه والفنانين، فودعه الفنان اللبناني وائل جسار بهذه الكلمات "وداعا يا أرزة من لبنان.. وداعا يا رمز من رموز بلادنا.. وداعا يا عملاق.. وداعا الموسيقار ملحم بركات". واتشح موقع التدوين المُصغرا لعالمي "تويتر" بالسواد، بعد أن عبر عدد كبير من الفنانين عن آسفهم وحزنهم على فنان الأجيال ملحم بركات، حيثُ وودعه فريق دربه نزار فرانسيس فيت غريده له عبر حسابه الرسمي على تويتر قائلا :"رفيق عمري راح.. نفسي حزينة حتى الموت". وكتبت الفنانة اللبنانية نيكول سابا :"الله يرحم الموسيقار الكبير ملحم بركات..يا رب تكون نفسك بالسما..يا لطيف شو هالدّني الغّدارة". كما كتب الفنان راغب علامة: "رحم الله الموسيقار ..عندما زرته منذ كم يوم شعرت بأنه والعلم عند الله أيامه معدودة، تذكرت والدي رحمه الله في أيامه الأخيرة". ونعته الفنانة أحلام قائلة: "رحل أبومجد الإنسان ولكن سيبقى الموسيقار ملحم بركات فستبقى أرزه شامخة وعالية فى سفوح لبنان العوض بسلامتكم يا أهل لبنان". كما نعته الفنانة اللبنانية نوال الزغبي قائلة :"رحل جسدا ويبقى فنه وأعماله". وكان لملحم أمنية كشف عنها خلال استضافته مع برنامج مع الإعلامي نيشان، وهي تلحين مقطوعة موسيقية تكون من اجمل ما لحن وقدمه في حياته تمتد نصف ساعة، وتكون من تأليفه، وتستمر من بيته حتى مدفنه، وأن يُعزف هذا اللحن عند وفاته، كي يعرف كل الناس أنه توفى، وأنه في طريقه إلى العالم الآخر.