مشهد دموي صارخ، يتخلله صياح وعويل ولطم للوجوه، يتبعها تقطيع في الأجساد بآلات حادة وأسلحة بيضاء، وضرب للرؤوس في الحوائط حتى تنزف مزيدًا من الدماء، هذا ليس مشهد من فيلم خيالي ولكنها طقوس الشيعة التي تحييها في كل أنحاء العالم احتفالًا بيوم عاشوراء. "بداية الاحتفال" تُعرف الشعية في طقوسها لإحياء هذا اليوم بالعنف والدم، إلا أنها لم تبدأ ذلك حيث كانت هادئة في بداية الأمر، وكان يتم إحيائها من خلال تحريف الآذان، ومهاجمة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إلا أنها تطورت شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى حد الدماء. في العصر الفاطمي بدأت الشيعة أولى تحريفها للآذان، بإضافة جملة "حي علي خير العمل"، كما ظهر السجود للبشر وتمجيد إحداهم بعينهم، فكان الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أول من أمر الناس بالسجود له. وكان الآذان المحرف يطلق في هذا اليوم، ويقوم الخطيب بذكر اسم الخليفة الفاطمي علي المنبر في الخطبة ويوجب علي الحاضرين القيام والسجود له لمجرد ذكر اسمه. بالإضافة إلي انتشار الكتابات علي المرافق العامة مثل: "محمد وعلي خير البشر"، ويقمون بسب ولعن الخلفاءالراشدين الثلاثة أبي بكرالصديق وعمرالفاروق وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين. "تطور الاحتفال" بدأت مظاهر الاحتفال تميل إلى العنف، خلال عصر الدولة "البويهية" التي حكمت غرب إيرانوالعراق، بعدما أمر حاكمها الدولة بإغلاق الأسواق في العاشر من محرم، وخرج وقتها النساء يلطموا الوجوه ويشقوا الملابس حزنًا على مقتل الحسين. وفي عهد الدولة الصفوية التي حكمت إيران أيضًا، تطور الأمر أكثر حيث ظهرت مجالس التعزية، لمحاكاة الآلام التي عانا منها الحسين بمقتله، ومن هنا بدأت مظاهر الضرب بالسلاسل الحديدية على الظهر والسكاكين على الرأس، وتقييد أيدي النساء والزحف على أرجلهم. ويقوم البعض الآخر بعمل مشهد تمثيلي أمام الجماهير يجسدوا فيه معركة "كربلاء" التي قتل فيها الحسين، ويسمونه "موكب الحسين"، حيث يتم حمل السيوف والدروع وإسالة الدم مواساة له. بالإضافة إلى توزيع الماء للتذكير بعطش الحسين في صحراء كربلاء واشعال النار للدلالة على حرارة الصحراء كما يقوم البعض بضرب أنفسهم بالسلاسل. "الاحتفال حول العالم" وحول العالم تختلف طقوس الشيعة في الاحتفال بيوم عاشوراء، ويعتبر اليوم عطلة رسمية في بعض الدول ذات الأغلبية الشيعية مثل إيران، لبنان، البحرين، الهندوالعراق والجزائر، في حين تقتصر مظاهر الاحتفال في البلدان السنية علي الصيام. "مصر" ويحتفي المسلمون في مصر بشهر محرم، فيصومون يومي التاسع والعاشر سُنة عن الرسول صلي الله عليه وسلم، كما يتناول المصريون طبق عاشوراء، وتشهد مساجد آل البيت حالة من الاستنفار الأمني تزامنًا مع يوم عاشوراء. "العراق" أما في العراق، يبدأ مئات الآلاف من الشيعة في إحياء ذكرى عاشوراء في مدينة كربلاء حيث مرقد الحسين، وسط إجراءات أمنية مشددة تتخذها السلطات العراقية تحسبًا لأي هجمات قد ينفذها متشددون. وتقوم مواكب لمئات الرجال يرتدون ملابس بيضاء بممارسة شعائر التطبير بحز رؤوسهم بالسيوف والحراب قبل الضرب عليها وسريان الدم منها، ويحتشد حولهم آلاف الزوار عند مرقد الحسين. ويتحشد آلاف الزوار بلباسهم الأسود عند مرقد الإمامين يستمعون من خلال مكبرات الصوت، إلى سيرة معركة كربلاء، حيث قتل الحسين، ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة الأثني عشرية، مع عدد من أفراد عائلته. "المغرب" وفي المغرب يطلقون عليه "يوم زمزم" ويقوم فيه المغاربة برش الماء على بعضهم وعلى مقتنياتهم للتبارك، ويجتهد التجار في بيع كل بضائعهم، ويعقب عاشوراء "ليلة الشعالة" حيث يجتمعون حول نار ويرددون الأناشيد ويقصون على الأطفال قصة مقتل الحسين. "لبنان" وسنويًا، يتدفق عشرات آلاف الأشخاص إلى الضاحية الجنوبية لبيروت لإحياء ذكرى عاشوراء، وسط تدابير أمنية استثنائية ويرتدي أغلب المشاركين في عملية الأحياء ملابس سوداء وأوشحة خضراء، ويعصب بعض الأطفال رؤوسهم بعصبة حمراء كتب عليها "أبا عبدالله"، بينما كتب على عصب وضعتها نساء "يا زينب". "البحرين" وتشكل الشيعة الأغلبية في البحرين، ويحيى ذلك اليوم الآلاف، بالدماء وضرب بعضهم بالأسلحة البيضاء والسلاسل الحديدية. "السعودية" ورغم التشديدات القوية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، إلا أن الآلاف يحيون يوم عاشوراء في شوارع القطيف بالمنطقة الشرقية مرتدين اللباس الأسود. "سوريا" وفي سوريا توقفت كثيرًا مظاهر الاحتفال بهذا اليوم منذ بدء ثورات الربيع العربي، إلا أنها عادت خلال عام 2014، بمسيرات يتخللها حمل للشموع والموسيقى، وقيام البعض الآخر ب"طلم" الوجوه في باحة المسجد الأموي داخل العاصمة دمشق. "إيران" وفي إيران يحيي الشيعة ذكرى عاشوراء بطقوس ومراسم مختلفة حيث تتشح الشوارع بالسواد، وترفع الشارات السوداء في كل مكان ويكتب عليها شعارات مؤلمة: مثل "يا حسين يا مظلوم، يا ثأر الله، السلام عليك يا أبا عبد الله". وتمتلىء سرادق العزاء شوارع وأزقة البلاد مرفوعًا عليها الأعلام السوداء مكتوبة بالأحمر، بما يشير إلى الدماء كلمة: "يا حسين يا شهيد، يا قمر بني هاشم".