مفاجأة في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 11 أكتوبر بالصاغة بعد الارتفاع الجديد    هالاند الهداف التاريخي لمنتخب النرويج فى الفوز على سلوفينيا بدورى الأمم    خطط عدوانية ضد إيران .. ماذا دار في مكالمة بايدن ونتنياهو ؟    متحدث الزمالك: لنا الحرية في إطلاق شعار "أكبر قلعة رياضية".. ولماذا أصبح مستفزا الآن؟    إصابة 5 أشخاص فى انقلاب سيارة ميكروباص بكفر الشيخ    تركي آل الشيخ يكشف عن حدث كبير خاص بعمرو دياب في موسم الرياض    عمرو سلامة: "مشكلتنا في تمثيل الأكشن أن معظم الناس مش بتعرف تتضرب"    روفكون الفائز بنوبل فى الطب لتليفزيون اليوم السابع: اكتشافى سيفيد ملايين البشر    اختلاط انساب.. سعاد صالح تحذر المواطنين من أمر خطير يحدث بالقرى    «إتهام باطل.. وإجراء رسمي» رد ناري من وكيل بنتايك بشأن أزمة المنشطات    هشام حنفي: عرضت الجزيري على الأهلي واترفض    إعلام لبناني: غارة لطيران الاحتلال استهدفت بلدة الناقورة في جنوب لبنان    سياسيون: زيارة الرئيس السيسي لإريتريا خطوة محورية لتعزيز الأمن والاستقرار    عضو بالتصديري للحاصلات الزراعية يطالب بخطوات جريئة لمساندة القطاع الصناعي    ملخص ونتيجة مباراة انجلترا ضد اليونان في دوري الأمم الأوروبية    "نظام غذائي صعب".. دينا عن رشاقتها: "باكل كل الحاجات اللي بتطير"    أحمد سالم: الزمالك سيتقدم بشكوى ضد بوبيندزا في "فيفا"    قراءة سورة الكهف يوم الجمعة: دروسٌ في الإيمان والثبات على الحق    وزير الصحة: إيزيس التخصصي يوفر 28 سريرًا و26 ماكينة غسيل كلوي لدعم صحة المرأة في جنوب الصعيد    ارتفاع عز والاستثماري.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 11 أكتوبر 2024    وكيل خطة النواب يكشف لمصراوي معنى "اقتصاد الحرب" وتأثيره على الدعم    بمنشور على فيس بوك، استقالة اللواء عصام البديوي من رئاسة شركة السكر والصناعات التكاملية    متحدث التعليم: تطوير نظام التقييم ليصبح أكثر شمولية وتركيزًا على المهارات والقدرات    رضا عبدالعال: نتائج حسام حسن مع المنتخب ستجبر اتحاد الكرة على استمراراه    «غير موفقة».. نجم الأهلي السابق ينتقد تصريحات حسام حسن    في دوري الأمم الأوروبية .. التعادل 2-2 يحسم المواجهة بين منتخبي إيطايا وبلجيكا    محمود فوزى بندوة التنسيقية: الرئيس السيسى موقفه واضح إزاء القضية الفلسطينية    أصعب نهار على «ميدو».. «النقض» ترفض دعواه وتلزمه بدفع 8.5 مليون جنيه لقناة النهار    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة تسيطر على الأجواء    تأكد من بطاقة المأذون قبل كتب الكتاب.. نقيب المأذونين يحذر المقبلين على الزواج (فيديو)    الأب صرخ لإبصاره مصرع نجله.. نص شهادتين في جريمة قتل ابن السفير ب الشيخ زايد (خاص)    عَرض حياة المواطنين للخطر.. سائق عكس الاتجاه في قبضة الأمن    تراخيص البناء.. بشرى سارة بشأن القانون الموحد    التنمية المحلية: رصف وتطوير طرق شمال سيناء بتكلفة 1.2 مليار جنيه    الأمم المتحدة تندد بالاعتداءات الإسرائيلية على قوات حفظ السلام جنوب لبنان وإصابة جنديين    مأساة عائلة لبنانية.. هربت من جحيم الحرب بالجنوب لتلقى حتفها في غارة على بيروت    بمشاركة مصر.. 100 ألف عنوان في«معرض النيابة العامة الدولي للكتاب» بطرابلس    أكرم حسني يجتمع مع ويل سميث في جلسة حوارية بمنتدى الأفلام السعودي (تفاصيل)    نهى عابدين: طول الوقت عندي هاجس وخوف من تكرار أدواري.. مش عايزه أكرر نفسي    حدث بالفن| حفل زفاف فنانة وحقيقة طلاق نجمة والقصة الكاملة لأزمة شمس وإيمي تاتو    القمة المصرية الصومالية الإريترية.. دلالات ومؤشرات    إصابة 60 جنديا إسرائيليا فى غزة وجنوب لبنان خلال يومين    اليوم.. قطع المياه لمدة 7 ساعات عن بعض قرى أطفيح بالجيزة    أخبار × 24 ساعة.. بدء التشغيل التجريبى للمتحف المصرى الكبير الأربعاء المقبل    الضرب في الميت حرام… هيئة الإسعاف ترفع أسعار خدماتها بنسبة 260%!!    مبادرة بداية جديدة تقدم آلاف الخدمات الصحية لأهالي دمياط    صحة مطروح: تقديم 351 ألف خدمة طبية منذ انطلاق مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    محمد أمين: السادات كان يدرك منذ البداية ما يحتاجه من الحرب    وزير التعليم العالي والبحث العلمي يتفقد المشروعات الإنشائية بجامعة الأقصر (صور)    محافظ شمال سيناء يشهد إحتفال مديرية التربية والتعليم بذكري انتصارات أكتوبر    "قومي حقوق الإنسان" يعقد الملتقى ال 17 لمنظمات المجتمع المدني الأحد المقبل    الطقس غدًا .. معتدل على القاهرة والدلتا وبارد فترات الليل وعظمى القاهرة تسجل 32°    البركة في يوم الجمعة: مكانة الدعاء وأثره في حياة المسلم    «الإفتاء» تحذر من التحايل للاستيلاء على السيارات المخصصة لذوي الهمم: خيانة أمانة    موعد شهر رمضان 2025.. والعطلات الرسمية خلاله    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة غدآ.. تعرف عليها    الجامعات المصرية تحقق إنجازًا جديدًا في النسخة العامة لتصنيف التايمز «HE» العالمي    نائب وزير التعليم يكشف تفاصيل مسابقات تعيين معلمي الحصص في المدارس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورج سمعان يكتب : اليمن في ركاب «الآخرين» نحو تقسيم وكانتونات
نشر في الوفد يوم 26 - 09 - 2016

نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن تأخر. وكذلك انتقال الحكومة. لكنهما قراران سياسيان يشيان بأن التسوية السياسية باتت معلقة. وأن اليمن لن يكون أفضل حالاً من ليبيا أو سورية. تتقطع أوصاله وتتوزع كانتونات بين القوى المتصارعة، خصوصاً بين الشمال والجنوب فيما يتوزع الوسط بينهما وبين قوى محلية تفرض سيطرتها بحكم الأمر الواقع. تماماً كما هي حال مدينة تعز التي تتوزع الإمرة فيها على سبعة أو ثمانية «أمراء حرب». لا مفاوضات في الأفق. الحوثيون يشترطون فتح مطار صنعاء أولاً. ولكن حتى هذا الشرط لا يشكل العائق الحقيقي. كان مؤملاً بعد المبادرة التي قدمها وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى نظرائه الخليجيين إثر انهيار محادثات الكويت مطلع آب (أغسطس) الماضي، أن تعيد اليمنيين إلى الحوار مجدداً. لكنها فاقمت الوضع استعصاء، فضلاً عن أنها جاءت هي الأخرى متأخرة، وإن سبقتها ضغوط مارستها واشنطن خصوصاً على أطراف التحالف العربي مثل وقف تعاونها العسكري مع «عاصفة الحزم»، والتهويل في قضية الضحايا المدنيين. كما أنها قفزت على منطوق القرار الدولي الرقم 2216 بذريعة استحالة تنفيذه حرفياً. كما هي الحال في سورية حيث أدت المحادثات الثنائية بين واشنطن وموسكو إلى طي صفحة بيان جنيف وتفاهمات فيينا وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأرست مرجعية جديدة للمحادثات.
منذ البداية، لم يدرج الأميركيون اليمن في سلم أولوياتهم. انصب جل اهتمامهم على ما يعزز مواصلة حربهم على الإرهاب، والتخفيف من مآسي الحرب ومنع انهيار البلاد مع ما يعنيه ذلك من فوضى. ما يعنيهم أولاً مواصلة ضرب «القاعدة» في اليمن، كما كانت الحال قبل رحيل نظام الرئيس علي عبدالله صالح وبعده. أي أن اليمن مثله مثل سورية والعراق وحتى ليبيا، حيث ينصب اهتمام إدارة الرئيس باراك أوباما على محاربة «داعش» و «أخواته». صحيح أن واشنطن دعمت المملكة العربية السعودية في «عاصفة الحزم». وكانت على رأس مؤيدي القرار الدولي 2216، لكنها أعلنت قبل أسابيع سحب مستشاريها من هذه الحملة. وهي تمارس ضغوطاً على الرياض وحكومة الرئيس هادي من أجل إعادة إطلاق المحادثات بين اليمنيين، وإن تبدلت مرجعية هذه المحادثات أو سلم الأولويات لتنفيذ القرار الدولي. وهو ما لا يمكن أن ترضى به المملكة التي ترى إلى انخراطها في الساحة اليمنية خياراً وحيداً ومسألة مصيرية، تتعلق بأمنها القومي والأمن الخليجي والعربي عموماً. ذلك أن الممكلة ترى إلى الدور الإيراني الخطر الأكبر ويحتل الأولوية في أي محادثات. في حين ترى الولايات المتحدة أن الخطر الأكبر هو الجماعات الإرهابية وعدم الاستقرار الذي يعرقل حربها على «القاعدة». ثمة اختلاف في الأولويات بين البلدين. تماماً كما هي الحال بينهما في أزمتي العراق وسورية. كما أن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي لا يمكنها القبول بوضعها على قدم المساواة مع الانقلابيين الذي يرفضون شرعيته وبقاءه، قبل أن يسلم هؤلاء السلاح.
مبادرة الوزير كيري تفتقر أيضاً إلى أدوات، فضلاً عن نيات ليست متوافرة. فحكومة الوحدة الوطنية التي نص عليها الاتفاق خطوة أولى تعد مكافأة للحوثيين وشركائهم قبل تسليم سلاحهم والعاصمة إلى الشرعية. ولا يمكن الرئيس هادي تالياً أن يقدم على خطوة من هذا النوع. ولا يمكن وزراؤه الانتقال إلى العاصمة فيما الطرف الآخر لا يزال مدججاً بسلاحه، ويمكنه أن يفرض بقوة هذا السلاح رغباته ويملي قراراته. علماً أن الانقلابيين لا يرون عجلة في القفز فوق «المجلس السياسي الأعلى» الذي أناطوا به إدارة شؤون الدولة. بل ربما يرغبون في أن يكون نواة حكومة الوحدة المنشودة. أما الخطوة الثانية في المبادرة الأميركية فليست أقل استعصاء. تدعو إلى إيداع سلاح «أنصار الله» إلى طرف ثالث. وهؤلاء ليسوا مستعدين لتسليمه قبل أن يتحقق لهم في السياسة ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب بمواجهة «عاصفة الحزم» التي قلصت نفوذهم وانتشارهم وباتوا يرزحون تحت حصار بري وبحري خانق. إضافة إلى أن الطرف الثالث، أي القوة المحايدة تبدو بعيدة المنال. يفترض منطقياً أن تكون تحت راية الأمم المتحدة. وهذه خطوة مكلفة، فإرسال بضعة آلاف من جنود القبعات الزرق يكلف مئات ملايين الدولارات. وليس هناك من يعتقد بأن المنظمة الدولية أو أي دولة أخرى ستكون مستعدة أو قادرة على تمويل مثل هذه العملية.
إزاء هذا الاستعصاء، جاء نقل عمليات البنك المركزي بمثابة خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية... إلا إذا تمكنت الحكومة الشرعية من إثبات فاعليتها في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد، خصوصاً على الصعيد التجاري، وفي الحصول على مساعدات خارجية عربية وغير عربية. الرئيس هادي أكد في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة التزام البنك المركزي «كل مهماته الوطنية والدولية». والسؤال من أين الإيرادات والخزانة فارغة؟ تحريك القطاع التجاري لن يكون كافياً. وكيف يمكن توفير رواتب الموظفين الحكوميين وتدبير النفقات اللازمة لتحريك قطاع الخدمات، في حين أن لا كهرباء في عدن حتى الآن؟ وكيف يمكن خدمة الدين العام، من مثل التزام دفع فوائد سندات الخزينة للمواطنين (قيمة السندات نحو 20 مليار دولار)؟ قدم هؤلاء في العقد الأخير الكثير من مدخراتهم طمعاً بفوائد عالية (بدأت بنحو 22 في المئة وانتهت بنحو 14 في المئة) لشراء سندات، خطوة كان أوصى بها البنك الدولي لجمع السيولة الفائضة؟ والتحدي هنا هو سبل التعامل مع هؤلاء المواطنين ورواتبهم، هل تشمل الجميع في كل المحافظات، بما فيها تلك التي ترزح تحت الانقلابيين؟ فهل ستعدل حكومة أحمد عبيد بن دغر لتقدم نموذجاً مغرياً لكل الرافضين الحال التي فرضها «أنصار الله» وأنصار الرئيس صالح؟ لا شك في أن حكومته حررت القطاع المالي والمصرفي من سيطرة الحوثيين وحلفائهم. قرار كان لا بد منه خوفاً من انهيار شامل لهذا القطاع. الانقلابيون استنزفوا كل الاحتياطات وكانوا عاجزين قبل أشهر عن توفير الرواتب، وهم بلا شك خسروا سياسياً بنقل البنك إلى عدن. لكن الصحيح أيضاً أن الحكومة أراحتهم من هذا العبء لتحمله هي على أكتافها!
انتقال القرار المالي إلى عدن ترافق مع قرار انتقال الحكومة نهائياً إلى العاصمة الموقتة، أو انتقال الوزراء الجنوبيين ورفاقهم الشماليين إلى مأرب. وواضح بالطبع أن ثمة شعوراً تعمق في الجنوب ضد الشمال والحكومة أيضاً. ذلك أن قوى الشرعية التي حررت عدن لم تستطع أن تقدمها نموذجاً جاذباً ومغرياً لا على المستوى الأمني ولا على المستوى الخدماتي، حتى يتسنى لها تشجيع المقيمين في صنعاء على التمرد على الانقلابيين. وهكذا ظلت العاصمة تستقطب موجات اللاجئين من ساحات الحرب. وهو ما يجعل الحديث عن قرب تحريرها بعيداً من الواقع. ذلك أن الكلفة البشرية (يقطنها الآن أكثر من أربعة ملايين) لعملية من هذا النوع ستكون مكلفة جداً، وتستغرق وقتاً ليس بقليل. فإذا كانت الحرب لتحرير تعز لا تزال مستمرة من سنة فكيف الحال بصنعاء؟ كما أن الرئيس السابق الذي تشتتت قواته العسكرية بين الشرعية والحركة الحوثية لا يزال يتمتع في الشمال بشعبية ربما تفوق شعبية «تجمع الإصلاح» والحوثيين أيضاً. لذلك، يخشى أن يكون انتقال الشرعية ومؤسساتها إلى عاصمة الجنوب تكريساً لواقع تقسيمي غير معلن، لواقع موقت قد يغدو دائماً، في ظل استعصاء الحسم العسكري والسياسي أيضاً، على رغم أن «عاصفة الحزم» أحبطت المشروع الإيراني وقلصت سلطة الانقلابيين. قد لا تقوم غداً دولة الجنوب وإن كان بعض أهل محافظاتها يستعجل ذلك. فتبديل الخرائط يحتاج إلى رعاية دولية وإقليمية مكلفة اقتصادياً ومالياً وسياسياً وأمنياً. ولا شيء ينبئ بأن ثمة استعداداً لمثل هذا التغيير. الأرجح أن يبقى الوضع في اليمن يراوح مكانه، على غرار ما يحصل في ليبيا وسورية وحتى العراق... إلى أن يحين زمن التسويات الكبرى، أو زمن تعديل الخرائط. وعلى اليمنيين أن يعيشوا في ظل انقساماتهم بين شمال وجنوب وكانتونات يحكمها «أمراء حرب» وزعماء قبائل... إلا إذا اقتنع «أنصار الله» باستحالة انتصارهم وعادوا إلى مخرجات الحوار والمبادرة الخليجية.
نقلا عن صحيفة الحياة
نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن تأخر. وكذلك انتقال الحكومة. لكنهما قراران سياسيان يشيان بأن التسوية السياسية باتت معلقة. وأن اليمن لن يكون أفضل حالاً من ليبيا أو سورية. تتقطع أوصاله وتتوزع كانتونات بين القوى المتصارعة، خصوصاً بين الشمال والجنوب فيما يتوزع الوسط بينهما وبين قوى محلية تفرض سيطرتها بحكم الأمر الواقع. تماماً كما هي حال مدينة تعز التي تتوزع الإمرة فيها على سبعة أو ثمانية «أمراء حرب». لا مفاوضات في الأفق. الحوثيون يشترطون فتح مطار صنعاء أولاً. ولكن حتى هذا الشرط لا يشكل العائق الحقيقي. كان مؤملاً بعد المبادرة التي قدمها وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى نظرائه الخليجيين إثر انهيار محادثات الكويت مطلع آب (أغسطس) الماضي، أن تعيد اليمنيين إلى الحوار مجدداً. لكنها فاقمت الوضع استعصاء، فضلاً عن أنها جاءت هي الأخرى متأخرة، وإن سبقتها ضغوط مارستها واشنطن خصوصاً على أطراف التحالف العربي مثل وقف تعاونها العسكري مع «عاصفة الحزم»، والتهويل في قضية الضحايا المدنيين. كما أنها قفزت على منطوق القرار الدولي الرقم 2216 بذريعة استحالة تنفيذه حرفياً. كما هي الحال في سورية حيث أدت المحادثات الثنائية بين واشنطن وموسكو إلى طي صفحة بيان جنيف وتفاهمات فيينا وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأرست مرجعية جديدة للمحادثات.
منذ البداية، لم يدرج الأميركيون اليمن في سلم أولوياتهم. انصب جل اهتمامهم على ما يعزز مواصلة حربهم على الإرهاب، والتخفيف من مآسي الحرب ومنع انهيار البلاد مع ما يعنيه ذلك من فوضى. ما يعنيهم أولاً مواصلة ضرب «القاعدة» في اليمن، كما كانت الحال قبل رحيل نظام الرئيس علي عبدالله صالح وبعده. أي أن اليمن مثله مثل سورية والعراق وحتى ليبيا، حيث ينصب اهتمام إدارة الرئيس باراك أوباما على محاربة «داعش» و «أخواته». صحيح أن واشنطن دعمت المملكة العربية السعودية في «عاصفة الحزم». وكانت على رأس مؤيدي القرار الدولي 2216، لكنها أعلنت قبل أسابيع سحب مستشاريها من هذه الحملة. وهي تمارس ضغوطاً على الرياض وحكومة الرئيس هادي من أجل إعادة إطلاق المحادثات بين اليمنيين، وإن تبدلت مرجعية هذه المحادثات أو سلم الأولويات لتنفيذ القرار الدولي. وهو ما لا يمكن أن ترضى به المملكة التي ترى إلى انخراطها في الساحة اليمنية خياراً وحيداً ومسألة مصيرية، تتعلق بأمنها القومي والأمن الخليجي والعربي عموماً. ذلك أن الممكلة ترى إلى الدور الإيراني الخطر الأكبر ويحتل الأولوية في أي محادثات. في حين ترى الولايات المتحدة أن الخطر الأكبر هو الجماعات الإرهابية وعدم الاستقرار الذي يعرقل حربها على «القاعدة». ثمة اختلاف في الأولويات بين البلدين. تماماً كما هي الحال بينهما في أزمتي العراق وسورية. كما أن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي لا يمكنها القبول بوضعها على قدم المساواة مع الانقلابيين الذي يرفضون شرعيته وبقاءه، قبل أن يسلم هؤلاء السلاح.
مبادرة الوزير كيري تفتقر أيضاً إلى أدوات، فضلاً عن نيات ليست متوافرة. فحكومة الوحدة الوطنية التي نص عليها الاتفاق خطوة أولى تعد مكافأة للحوثيين وشركائهم قبل تسليم سلاحهم والعاصمة إلى الشرعية. ولا يمكن الرئيس هادي تالياً أن يقدم على خطوة من هذا النوع. ولا يمكن وزراؤه الانتقال إلى العاصمة فيما الطرف الآخر لا يزال مدججاً بسلاحه، ويمكنه أن يفرض بقوة هذا السلاح رغباته ويملي قراراته. علماً أن الانقلابيين لا يرون عجلة في القفز فوق «المجلس السياسي الأعلى» الذي أناطوا به إدارة شؤون الدولة. بل ربما يرغبون في أن يكون نواة حكومة الوحدة المنشودة. أما الخطوة الثانية في المبادرة الأميركية فليست أقل استعصاء. تدعو إلى إيداع سلاح «أنصار الله» إلى طرف ثالث. وهؤلاء ليسوا مستعدين لتسليمه قبل أن يتحقق لهم في السياسة ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب بمواجهة «عاصفة الحزم» التي قلصت نفوذهم وانتشارهم وباتوا يرزحون تحت حصار بري وبحري خانق. إضافة إلى أن الطرف الثالث، أي القوة المحايدة تبدو بعيدة المنال. يفترض منطقياً أن تكون تحت راية الأمم المتحدة. وهذه خطوة مكلفة، فإرسال بضعة آلاف من جنود القبعات الزرق يكلف مئات ملايين الدولارات. وليس هناك من يعتقد بأن المنظمة الدولية أو أي دولة أخرى ستكون مستعدة أو قادرة على تمويل مثل هذه العملية.
إزاء هذا الاستعصاء، جاء نقل عمليات البنك المركزي بمثابة خطوة سياسية أكثر منها اقتصادية... إلا إذا تمكنت الحكومة الشرعية من إثبات فاعليتها في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد، خصوصاً على الصعيد التجاري، وفي الحصول على مساعدات خارجية عربية وغير عربية. الرئيس هادي أكد في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة التزام البنك المركزي «كل مهماته الوطنية والدولية». والسؤال من أين الإيرادات والخزانة فارغة؟ تحريك القطاع التجاري لن يكون كافياً. وكيف يمكن توفير رواتب الموظفين الحكوميين وتدبير النفقات اللازمة لتحريك قطاع الخدمات، في حين أن لا كهرباء في عدن حتى الآن؟ وكيف يمكن خدمة الدين العام، من مثل التزام دفع فوائد سندات الخزينة للمواطنين (قيمة السندات نحو 20 مليار دولار)؟ قدم هؤلاء في العقد الأخير الكثير من مدخراتهم طمعاً بفوائد عالية (بدأت بنحو 22 في المئة وانتهت بنحو 14 في المئة) لشراء سندات، خطوة كان أوصى بها البنك الدولي لجمع السيولة الفائضة؟ والتحدي هنا هو سبل التعامل مع هؤلاء المواطنين ورواتبهم، هل تشمل الجميع في كل المحافظات، بما فيها تلك التي ترزح تحت الانقلابيين؟ فهل ستعدل حكومة أحمد عبيد بن دغر لتقدم نموذجاً مغرياً لكل الرافضين الحال التي فرضها «أنصار الله» وأنصار الرئيس صالح؟ لا شك في أن حكومته حررت القطاع المالي والمصرفي من سيطرة الحوثيين وحلفائهم. قرار كان لا بد منه خوفاً من انهيار شامل لهذا القطاع. الانقلابيون استنزفوا كل الاحتياطات وكانوا عاجزين قبل أشهر عن توفير الرواتب، وهم بلا شك خسروا سياسياً بنقل البنك إلى عدن. لكن الصحيح أيضاً أن الحكومة أراحتهم من هذا العبء لتحمله هي على أكتافها!
انتقال القرار المالي إلى عدن ترافق مع قرار انتقال الحكومة نهائياً إلى العاصمة الموقتة، أو انتقال الوزراء الجنوبيين ورفاقهم الشماليين إلى مأرب. وواضح بالطبع أن ثمة شعوراً تعمق في الجنوب ضد الشمال والحكومة أيضاً. ذلك أن قوى الشرعية التي حررت عدن لم تستطع أن تقدمها نموذجاً جاذباً ومغرياً لا على المستوى الأمني ولا على المستوى الخدماتي، حتى يتسنى لها تشجيع المقيمين في صنعاء على التمرد على الانقلابيين. وهكذا ظلت العاصمة تستقطب موجات اللاجئين من ساحات الحرب. وهو ما يجعل الحديث عن قرب تحريرها بعيداً من الواقع. ذلك أن الكلفة البشرية (يقطنها الآن أكثر من أربعة ملايين) لعملية من هذا النوع ستكون مكلفة جداً، وتستغرق وقتاً ليس بقليل. فإذا كانت الحرب لتحرير تعز لا تزال مستمرة من سنة فكيف الحال بصنعاء؟ كما أن الرئيس السابق الذي تشتتت قواته العسكرية بين الشرعية والحركة الحوثية لا يزال يتمتع في الشمال بشعبية ربما تفوق شعبية «تجمع الإصلاح» والحوثيين أيضاً. لذلك، يخشى أن يكون انتقال الشرعية ومؤسساتها إلى عاصمة الجنوب تكريساً لواقع تقسيمي غير معلن، لواقع موقت قد يغدو دائماً، في ظل استعصاء الحسم العسكري والسياسي أيضاً، على رغم أن «عاصفة الحزم» أحبطت المشروع الإيراني وقلصت سلطة الانقلابيين. قد لا تقوم غداً دولة الجنوب وإن كان بعض أهل محافظاتها يستعجل ذلك. فتبديل الخرائط يحتاج إلى رعاية دولية وإقليمية مكلفة اقتصادياً ومالياً وسياسياً وأمنياً. ولا شيء ينبئ بأن ثمة استعداداً لمثل هذا التغيير. الأرجح أن يبقى الوضع في اليمن يراوح مكانه، على غرار ما يحصل في ليبيا وسورية وحتى العراق... إلى أن يحين زمن التسويات الكبرى، أو زمن تعديل الخرائط. وعلى اليمنيين أن يعيشوا في ظل انقساماتهم بين شمال وجنوب وكانتونات يحكمها «أمراء حرب» وزعماء قبائل... إلا إذا اقتنع «أنصار الله» باستحالة انتصارهم وعادوا إلى مخرجات الحوار والمبادرة الخليجية.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.