قالوا: ما أحلاها عيشة الفلاح.. ولكن الفلاحة نسيها الجميع، وأهملها الكل، فعاشت محرومة مظلومة مكسورة الجناح أما المرأة العاملة فى الريف، فهى تعيش الجحيم ذاته. كشفت دراسة حول عمل النساء فى الريف المصرى، أعدها الدكتور منصور مغاورى، بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية، أن المرأة الريفية العاملة تعانى من قائمة طويلة من الآلام فى مقدمتها طول يوم العمل والإجهاد الذى تتعرض له أثناء عملها، وتمثل هذه الفئة من النساء 35.5٪ من النساء الريفيات، يلى ذلك انخفاض الأجر الذى تحصل عليه المرأة الريفية، كما أشارت الدراسة إلى عدم وجود أى نص قانونى يضمن توفيق ظروف عمل أفضل بالنسبة للمرأة، حيث تعمل غالبية النساء الريفيات خارج الإطار التنظيمى أو خارج قطاع العمل المنظم، ومن ثم لا يتمتعن بأى حماية تشريعية، فإذا تعرضت المرأة الريفية للإصابة أثناء العمل أو للمرض فعليها أن تتحمل بمفردها وزر هذه العثرات! وأرجعت الدراسة ذلك لعدم وجود عقود للعمل تتضمن تحديداً للحقوق والواجبات، وما ينبغى أن يوفره صاحب العمل من أشكال للحماية المختلفة، فوفقاً لإحصاءات الدراسة فإنه حوالى 39.7٪ من العاملات بأجر فى الريف لا يحصلن على راحة أسبوعية، ولا توجد رعاية صحية من جانب صاحب العمل فى حالة مرض النساء العاملات. وأظهرت الدراسة أن من أبرز المشاكل التى تواجه المرأة الريفية فى العمل هى التمييز بين المرأة والرجل داخل سوق العمل، حيث أشارت 45.5٪ من نساء الريف إلى أن أجورهن غير متساوية مقارنة بالرجل عن العمل نفسه، كما يشمل هذا التمييز العمل بالمشروعات الخاصة بالقطاعات الحكومية والأهلية فيما يتعلق بالقروض أو السلف، وبلغت نسبة النساء اللائى أشرن بذلك 48٪ من الريفيات، بينما أشارت 17.5٪ منهن إلى عدم وجود مشروعات داخل الريف لاستيعاب عمالة النساء والرجال بها. وقد أرجعت الدراسة هذا التمييز إلى حرية الحركة التى يمنحها المجتمع للرجال بشكل يفوق الإناث للعمل خارج المنزل، وكذلك ميل أصحاب الأعمال لتشغيل الرجال دون النساء، فضلاً عن الاعتقاد القائل بأن الرجال أقوى جسمانياً. وتوصلت الدراسة إلى أن التنشئة الاجتماعية المبكرة للمرأة الريفية والتى تدعم أفضلية الرجل على المرأة فى كل شىء قد رسخت هذه الفكرة فى عقل المرأة الريفية ووعيها، وقبولها لهذا الأمر والتعايش معه حتى أصبح أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه، بل إن الأمر يصل لأبعد من ذلك، حيث نجد المرأة الريفية تعيد إنتاج هذا النموذج حينما تصبح زوجة، حيث ترسخه هى الأخرى فى أبنائها، جاء فى الدراسة أن المرأة الريفية تشعر وكأن هذا التمييز بينها وبين الرجل هو حالة السواء الاجتماعى، فأصبحت إشكالية التمييز بين الذكور والإناث لا معنى لها عند المرأة الريفية. وبينت الدراسة أن 84.4٪ من نساء الريف فى مصر أصبحن على وعى بضرورة عملهن لمواجهة نفقات المعيشة خاصة فى ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التى طرأت على الريف عامة وعلى أوضاع المرأة فيه خاصة. وعلى الجانب الآخر، هناك فئة غير قليلة من النساء الريفيات ضد عمل المرأة مرجعية ذلك إلى أن عمل المرأة يؤثر سلباً على تربية الأبناء ورعاية الأسرة، وبعضهن يعتبرن عمل المرأة عيباً وأنه يجب على النساء إفساح مجال العمل للرجل لأنه عائل الأسرة. وطالبت الدراسة بضرورة تغطية قطاع العمل فى الريف بتشريعات منظمة للعمل، لحماية حقوق النساء الريفيات اللائى يتحملن أعباء كثيرة فى عملهن بلا حماية تشريعية، كذلك أوصت الدراسة بأهمية إنشاء مراكز للتدريب بالقرى تتولى تنمية مهارات الريفيات وتدريبهن على بعض الأعمال ذات الصلة بسوق العمل ويشرف على هذه المراكز ويديرها وينفق عليها صناديق التنمية الاجتماعية ووزارة القوى العاملة والهجرة، والجمعيات الأهلية المعنية بالمرأة، فضلاً عن كسر حلقات التخلف بالمجتمع الريفى كالتحيز الاجتماعى للذكور على حساب الإناث.