اندلع «الجهاد» في أفغانستان ضد الغزو السوفياتي فأفرز تنظيم القاعدة، وتحركت المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي، فازدهر فكر أبو مصعب الزرقاوي، وانطلقت مقاومة الشعب السوري فنشأت بذرة «داعش» ومن دار في فلكها، وتهاوى نظام سياد بري في الصومال فنشأت حركة الشباب المتشددة المتناغمة مع «القاعدة». في الوقت الذي تخلخل فيه نظام القذافي كانت الفئات الإسلامية المسلحة (بعضها قاعدي الهوى) تتلمس طريقها لتكون المتسيدة والمنافسة للحكومة المركزية الليبية المتهلهلة، وحين اندلع القتال الجزائري بعد إلغاء نتائج الانتخابات التي اكتسحها الإسلاميون في التسعينات كانت تلك الفترة البيئة الحاضنة لفكر «القاعدة»، وإن لم تنضم لها تنظيميًا. وفي مصر التي كاد الناس فيها ينسون حوادث الإرهاب بعد سلسلة مراجعات وتراجعات (الجماعة الإسلامية)، التي قتلت السادات وقادت عمليات إرهابية ضد السياح، عاد الإرهاب بعد 30 يونيو (حزيران) وإسقاط نظام مرسي ليطل برأسه هذه المرة عبر جماعة «أنصار بيت المقدس»، التي في أصل تأسيسها تستهدف إسرائيل، ثم وجهت فوهة مدفعيتها للنظام في مصر فتمددت عملياتها من سيناء التي استهدفت عددًا كبيرًا من الجنود المصريين لتصل إلى قلب القاهرة، ثم ينتقل الإرهاب نحو تركيا التي أدمى جسدها عمليات الجماعات المتطرفة، لينتقل بعده الإرهاب المتدثر بالجبة الإسلامية إلى العمق الأوروبي في لندن وباريس ومدريد وأخيرًا بروكسل بهجماته المتزامنة التي أعادت أوروبا إلى أجواء 9-11 الأميركية. يقول البعض إن الاحتلال الأجنبي، الذي جثم على صدور المسلمين في أفغانستان والعراق وفلسطين هو المسؤول، وهذا ليس دقيقًا، فالاستعمار لم يستهدف مناطق المسلمين فحسب، والدول غير المسلمة التي خاضت حرب تحرير ضد الاستعمار الغربي لم ينبت الغلو والإرهاب في حركات تحررها بكثافته نفسها في حركات تحرر المسلمين من احتلال السوفيات لأفغانستان وأميركا للعراق. كما لا يمكن أن تكون الأنظمة القمعية وانتفاضة الشعوب ضدها دائمًا، سببا لظاهرة الغلو الديني والإرهاب، فليس المسلمون وحدهم الذين اكتووا بنظم الحكم المستبدة، فالكوريون الشماليون، والروس، وأغلب شعوب دول شرق أوروبا إبان فترة الشيوعية السوفياتية وبعض دول أميركا اللاتينية والأفريقية كانت يومًا، وبعضها ما زال، مثل الأنظمة العربية التي سقطت، دموية مستبدة فاسدة ولم تفرز جماعات دينية دموية متشددة كالتي أفرزتها بيئة العرب والمسلمين. قد تكون الحالة الاستثنائية في حروب التحرير (الإسلامية) ومقاومة الظلم التي لم تفرز أثرًا يذكر في حالة الإرهاب والغلو والتشدد بين المسلمين، هي في حالة البوسنيين الذين قاوموا بشاعة الحرب الصربية، فقد وضعت الحرب أوزارها ولم تترك ندوبًا تكفيرية ولا تشددية في جسد المسلمين البوسنيين. من فضول القول: أن أكرر هنا أن الإرهاب والغلو والتشدد ليس له دين ولا ملة ولا عرق ولا جهة جغرافية، وكما يوجد في بيئة المسلمين يوجد عند غيرهم كما في بورما وأفريقيا الوسطى، فهذه حقائق تسندها الوقائع التاريخية والأحداث المعاصرة، ولكنها أيضًا لا تعفينا من مواجهة السؤال الكبير الذي يجب أن ينبري له العلماء والمتخصصون والباحثون: لماذا هذه الظاهرة منتشرة في بيئاتنا العربية والمسلمة بنسبة أكبر بكثير من مثيلاتها في البيئات النصرانية والبوذية والهندوسية وطوائفهم المتفرعة عنها؟ نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط