حالة من الحراك تشهدها أروقة جهاز الكسب غير المشروع برئاسة المستشار عادل سعيد خلال الأيام الحالية عقب تقديم عدد من رموز رجال مبارك طلبات تصالح في قضايا الفساد ورد المبالغ المستحقة عليهم لمصر مقابل إنهاء العقوبة الجنائية بعد تصديق مجلس النواب على قانون التصالح في القضايا المالية الذى سبق أن صدر بقرار من رئيس الجمهورية في يونية الماضى. أرجعت مصادر قضائية عديدة حالة الحراك من قبل رجال الأعمال ورموز الحكم السابق الهاربين للتصالح مقابل رد الأموال رغم صدور القانون منذ قرابة 8 شهور هو تخوف رجال الأعمال والمتهمين في القضايا خلال العام الماضى من رفض مجلس النواب القانون مثلما حدث مع قانون الخدمة المدنية مما كان سيؤدى إلى عودة الأمور كما كانت قبيل إصدار القانون وتعرضهم للعقوبة الجنائية بعد سدادهم الأموال. في سياق آخر زادت حدة الجدل القضائى حول جدوى قانون التصالح بالكسب غير المشروع والتعديلات التى أجريت على المادة 18 من قانون الإجراءات الجنائية، وانقسمت الآراء بين مؤيدين ومعارضين قضاة رأوا في القانون وسيلة مهمة لضخ المليارات لخزينة الدولة فى ظل الظروف العصيبة التى تمر بها مصر الآن، ومعارضون يرون القانون دعوة لنشر الفساد وترك المخربين والفاسدين بلا عقاب ويحددون بدائل أخرى لعودة الأموال المنهوبة.. خلال السطور التالية نناقش القضية: الأستاذ الدكتور صلاح فوزى، أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة المنصورة عضو لجنة الإصلاح التشريعى التى أعدت القانون يشير إلي أن عملية التصالح تفيد الدولة على المستوى العام والدولى، فداخلياً سيتم ضخ المليارات لخزينة الدولة مما سيكون له أثر إيجابي فى ظل الظروف الراهنة التى تعيشها مصر الآن، وعلى المستوى الدولى فإن تبنى وجهة النظر التى يظهر فيها القضاء المصري قدراً من التسامح في تسديد المبالغ المالية التى هى محل نزاع وتنقضى عنه الدعوى الجنائية عن المتهم سيكون له أثر إيجابي فى عودة الأموال المنهوبة في بنوك الخارج. وأشار «فوزى» إلي أن هناك وجهة نظر كانت معارضة للقانون التى رفضت فكرة سقوط أحكام الإدانة عن المتهمين لتحقيق الردع العام. وأكد «فوزى» أن لجنة الإصلاح التشريعى حين طرحت القانون كان هدفها الأول تحقيق مصلحة الدولة، خاصة بعد مرور سنوات من التقاضى لم تحصل فيها مصر أى من أموالها المنهوبة وأرهقت الدولة في منازعات قضائية بلا مكاسب في النهاية. وشدد «فوزى» علي أن التصالح ليس بدعة وهناك جرائم جنائية تنقضى الدعوى فيها بالتصالح. وكشف «فوزى» أنه عقب تصديق مجلس الشعب على القرارات بقوانين التى صدرت في غيبة البرلمان ومنها هذا القانون أدى إلى إحداث طمأنينة لدى المتهمين والمدانين بقضايا المال العام، ولذا فمن الطبيعى أن العديد منهم سيتوجهون لإقرار التصالح بالمال مقابل انقضاء الدعوى. المستشار عبدالستار إمام، رئيس محكمة جنايات القاهرة، يري أن الظروف الاقتصادية الراهنة التي تمر بها مصر الآن استوجبت إصدار مثل هذا القانون لتحقيق المصلحة العامة. وأشار إلي أن هناك آليات أخرى لعودة الأموال المنهوبة وهى استصدار قرار تشريعى بسرعة الفصل في قضايا الأموال العامة حتى تحسم بأحكام نهائية وباتة وتكون واجبة التنفيذ على الأموال الخاصة للمحكوم عليه سواء داخل مصر أو خارجها في موعد غايته 3 أشهر، وبالتالى مخاطبة بنوك سويسرا بالأحكام النهائية لاسترداد الأموال منها. وأشار «إمام» إلي أن قضايا الأموال العامة المعروضة الآن بالمليارات عديدة سواء من رجال أعمال أو سياسيين سابقين بتهم الاختلاس أو التربح وغيره. في سياق آخر قال مصدر قضائى: إن المادة 18 من قانون الإجراءات الجنائية كانت تجيز التصالح فى مواد المخالفات والجنح التى يعاقب عليها القانون بعقوبة الغرامة، ثم أضيف عليها تعديلات تحت بند 18 مكرر مفاده أنه يترتب على هذا التصالح انقضاء الدعوى الجنائية، ثم التعديل الأخير رقم 16 لسنة 2015، الذى يجيز التصالح فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، وهى الخاصة باختلاس المال العام، والعدوان عليه، والغدر، التى تشملها المواد 112 وحتى 119 مكرر، شريطة أن تتم تسوية المنازعات بشأنها من خلال لجنة من الخبراء، وتعرض هذه التسوية على مجلس الوزراء لإقرارها واعتمادها، ويكون لها قوة السند التنفيذي وانقضاء الدعوى الجنائية، ووقف تنفيذ العقوبات إذا صدرت قبل الحكم البات وإخلاء سبيل المتهمين المحكوم عليهم بأحكام باتة غير قابلة للطعن بقرار من محكمة النقض، بناء على طلب من النيابة العامة ومن حق الدولة والنيابة العامة قبول التصالح، أو عدم قبوله، ومن ثم الاستمرار فى الإجراءات القانونية. في سياق آخر قال الفقيه الدستورى عصام الإسلامبولى: إن المادة 18 أجازت التصالح ولكن هذا الأمر من شأنه التستر على جرائم ارتكبت وتشجيع على ارتكاب الجرائم ونهب المال العام وعدم محاسبة الفاسدين أو من سهل لهم هذه الجريمة فتختفى المسئولية الجنائية. وقال: كان من الأجدى إلزام المتهم بدفع غرامة مجمعة تماثل ثلاثة أضعاف المبلغ أو أكثر الذى استولى عليه ولا يكون التصالح بانقضاء الدعوى الجنائية ولكن يكون الحكم مع إيقاف التنفيذ، مشيراً إلي أن الفارق بينهم أن الأولى لن تسجل فى صحيفة سوابقه لكن الثانية ستسجل، ولذا عند ارتكاب الجريمة والفعل مرة ثانية سيتم الحكم عليه بعقوبة مشددة. وأشار «الإسلامبولى» إلي أنه كان من الأجدى اللجوء لبدائل أخرى لاسترداد مصر أموالها المنهوبة وأهمها مصادرة العقارات والأصول الموجودة داخل مصر للمتهمين والمحكوم عليهم أو ذويهم في قضايا الاستيلاء على المال العام وهذا من السهولة إثباته عن طريق التحريات الأمنية والرقابة الإدارية والأجهزة الرقابية التى تؤكد أن هذه الأصول والعقارات للمتهم ولكنها بأسماء أقاربه ليتستر بها على جريمته. مصادر قضائية أكدت أنه عقب تصديق مجلس النواب على قانون التصالح الخاص بقضايا الكسب غير المشروع أنهى الجهاز برئاسة المستشار عادل سعيد إجراءات المصالحة مع رجل الأعمال الهارب حسين سالم في إسبانيا مقابل سداده 78% من إجمالى ثروته بنحو يبلغ 5٫7 مليار جنيه للدولة. وحالياً يجرى جهاز الكسب غير المشروع جلسات تفاوض مكثفة مع عدد من محامى رجال نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، المتهمين فى قضايا كسب غير مشروع وتحقيق ثروات طائلة بطرق غير مشروعة، لبحث إمكانية التصالح وتسوية تلك القضايا لرد هذه المبالغ إلى خزانة الدولة كبديل عن عقوبة السجن وتشمل القائمة وزير الصناعة والتجارة الأسبق الهارب رشيد محمد رشيد، وصفوت الشريف، وزكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، ورجل الأعمال منير ثابت، شقيق سوزان مبارك، ومحمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، وزهير جرانة وزير السياحة الأسبق وعمرو النشرتي وآخرين. وكشف مصدر قضائى أن عدد الطلبات للتصالح في ازدياد وتجاوز العشرات حتى الآن بإجمالي تعدى 100 مليار جنيه.