في خطابه الذي انتظره كثيرون طويلاً، والذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في السابع والعشرين من الشهر المنصرم، خصص رئيس الوزراء الإسرائيلي جل ملاحظاته للإشارة إلى التقدم الذي حققته إيران في مجال السعي لتصنيع سلاح نووي. وأشار نتنياهو في هذا الصدد إلى أن المكون الأكثر أهمية والأكثر انكشافاً في البرنامج الإيراني، هو ذلك الخاص بالوصول بتخصيب اليورانيوم في نهاية المطاف إلى الدرجة التي يمكن استخدامه بها في إنتاج سلاح نووي. وأثناء كلمته، رسم نتنياهو خطاً افتراضياً أحمر على لوحة كبيرة لرسم كرتوني لسلاح نووي مفترض، كي يوضح متى ستصل إيران إلى نقطة اللاعودة في الحصول على قدرات صنع ذلك السلاح. وشرح نتنياهو كيف أن الجزء الخاص بالتخصيب في ذلك البرنامج هو الجزء الأكثر انكشافاً في حالة شن أي هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية، وأن العالم مطالب بالوقوف في وجه المحاولات الإيرانية للوصول إلى هذه المرحلة، خصوصاً أن الوقت ينفد بسرعة. وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن إيران قد قطعت شوطاً كبيراً في المرحلة الثانية من مراحل التخصيب، وهي تلك الخاصة بالوصول إلى نسبة تخصيب يورانيوم قدرها 20 في المئة، وأنها ستكون قادرةً على الوصول في الربيع القادم -وعلى أبعد تقدير بحلول الصيف القادم - إلى الجزء النهائي من المرحلة الثانية (إذا ما ظل برنامجها يتقدم بمعدلاته الحالية)، والدخول في المرحلة النهائية التي لو وصلت إليها فسوف لن يكون أمامها سوى شهور عدة، أو ربما أسابيع عدة، قبل أن يكون لديها من اليورانيوم ما يكفي لتصنيع سلاح نووي كامل. ورغم أهمية الموضوع النووي الإيراني ودرجة الاستعجال التي ينطوي عليها، فإن معظم المحللين يعتقدون أن خطاب نتنياهو قد اشترى للجميع المزيد من الوقت، بما يتيح لهم الفرصة للاستمرار في خيار الدبلوماسية والعقوبات، بدلاً من اللجوء إلى خيار العمل العسكري، الذي تهدد إسرائيل به. فعن طريق تحريك المدى الزمني لتخصيب اليورانيوم وتصنيع سلاح نووي إيراني إلى عام 2013، فإن ذلك سيؤدي لافتراض مؤداه أن إقدام إسرائيل على توجيه ضربة لإيران في الشهور الأخيرة المتبقية من عام 2012 لن يكون احتمالاً وارداً في مثل هذه الحالة، وهو ما يمثل مصدر راحة لإدارة أوباما ولتلك الفئة من الإسرائيليين الذين كانوا يعارضون توجيه ضربة استباقية لإيران. وشن حرب على إيران قبل تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية المحدد لها السادس من نوفمبر المقبل، سيكون بمثابة مقامرة كبرى من جانب نتنياهو، وكارثةً سياسيةً محتملةً بالنسبة لأوباما. ويرجع ذلك لأسباب منها أولاً: أنه لا توجد ضمانة بأن نتنياهو سوف يحصل على دعم سياسي كامل بنسبة مئة في المئة من الولاياتالمتحدة، ناهيك بالطبع عن الدعم العسكري. ثانياً: إن سكان إسرائيل المنقسمين سوف يلومونه إذا ما أسفر الهجوم على إيران عن تحقيق منفعة هامشية فقط، أو إذا ما أدى إلى رد فعل إيراني قوي يشمل هجمات صاروخية تؤدي إلى خسائر ضخمة بين المدنيين الإسرائيليين والعرب على حد سواء. والهجوم الإسرائيلي على إيران يمكن أن يؤدي لحدوث حالة من الانقسام والاستقطاب في الرأي العام الأميركي، الذي سيشعر حتماً بالقلق، بل بالغضب الشديد لإقدام إسرائيل على شن هجوم على ذلك القدر من الخطورة من دون تشاور مسبق مع الولاياتالمتحدة. ومثل هذا التصرف قد يرسخ من وضع أوباما في استطلاعات الرأي، ويعزز تفوقه الحالي على منافسه ميت رومني. وفي حالة فوز أوباما بفترة ولاية ثانية، سوف ينظر إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنه رجل حاول التدخل في الانتخابات الأميركية، وهو ما سيكون بمثابة وصفة مؤكدة لعلاقة ضعيفة مع الرئيس أوباما خلال فترة ولايته الثانية، ودافعاً للولايات المتحدة نحو شن ضغط أكبر على إسرائيل من أجل حل المشكلة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن تأجيل الهجوم الإسرائيلي على إيران يشتري للجميع بعض الوقت لممارسة الدبلوماسية، ويتيح لهذه الدبلوماسية فرص النجاح، إلا أن هذا الموضوع سوف يتبقى كموضوع يتعين معالجته خلال 2013، كما سيظل السجال بشأن الحكمة من توجيه ضربة أميركية أو إسرائيلية لإيران قائماً كذلك. ويرى عدد كبير من المحللين أن الضربة الإسرائيلية لإيران لن تتمكن من إيقاف البرنامج النووي فحسب، بل ويمكن بمرور الوقت أن تؤدي إلى تسريع وتيرته... لماذا؟ أولاً: لأن إيران سوف تقوم عقب تلك الضربة بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما سيعني أن جميع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموجودين في إيران سوف يضطرون للرحيل، ويعني بالتالي أنه لن يكون هناك المزيد من المراقبة والرصد لبرامج إيران النووية. ثانياً: سيُنظر إلى إيران في مثل هذه الحالة على أنها ضحية لحرب عدوانية إسرائيلية، ما سيكسبها تعاطفاً ويؤدي إلى بدء تآكل نظام العقوبات المفروض عليها. ثالثاً، إن دولاً مهمة، مثل البرازيل والصين والهند، قد تصبح نتيجة لذلك أقل رغبةً في تأييد المبادرات الأميركية والأوروبية ضد إيران، بل وقد تعمد إلى عرقلة أي إجراءات تتخذ ضدها من جانب مجلس الأمن الدولي. وفي مثل هذه الظروف سيكون من المحتمل أن تعود الولاياتالمتحدة وأوروبا مرةً أخرى لسياسة الاحتواء حيال إيران، على نحو يتضمن "خطوطاً حمراء" بالفعل. لكن تلك الخطوط ستكون مبنيةً على فرضية مؤداها أن أي شيء يقل عن عملية عسكرية كبيرة- تتضمن استخدام قوات برية- لن يكون قادراً على إيقاف إيران عن إنتاج سلاح نووي، لكنه سيكون قادراً مع ذلك على ردعها عن استخدام ذلك السلاح لأغراض سياسية أو عسكرية. ورغم أن هذه ليست المحصلة التي تريدها الولاياتالمتحدة أو إسرائيل، إلا أنها قد تكون الأكثر واقعية.