كشفت دراسة جديدة عن مضامين الرؤية الأوروبية المُحاطة بجملة مصالح سياسية واقتصادية متصلة بالعالم العربي وبالبيئة الأمنية لما يسمى بالإرهاب التي تتطلب إتاحة ظروف أخرى لتوفير نمو سياسي يتسم بالمرونة. ويتبلور مضمون الرؤية الأوروبية في أطروحة الكاتب سليم الزعنون بعنوان «سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية في المنطقة العربية - دراسة حالة حركة المقاومة الإسلامية – حماس. وجاءت الرؤية الأوروبية الجديدة، بمثابة استراتيجية ناعمة تستدعي الإسلاميين إلى خلع أغمدة السيوف ونبذ العنف وتبني العمل السلمي والانخراط في المشاركة السياسية لتأسيس سلطويات لا تحمل في أحشائها ولادات سياسية أصولية متسلحة بسيوف الماضي، ولا تكون أرضها أرضاً خصبة للإرهاب. ويأتي تطور الخطاب الرسمي للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية ليتضمن دعوات صريحة مطالبة بدعم الإسلاميين المعتدلين، وتمكينهم من المشاركة في الحياة السياسية. ونصّ قرار البرلمان الأوروبي عام 2007 على تقديم دعم سياسي واضح للحركات الإسلامية المروّجة للديموقراطية بوسيلة غير عنفية، وتشجيعها على الاشتراك في العملية الانتخابية. نشأة الحوار: تشير الدراسة إلي أن المواجهة بين الولاياتالمتحدة والحركات الإسلامية المسلحة ميزت بين هذه الحركات وحركات الإسلام السياسي التي تطالب بالإصلاح وتقبل العمل ضمن الأطر السياسية القائمة، مثل حركة الإخوان المسلمين وحركة حماس. وقد أدى هذا التمايز لتغير إدراك الاتحاد الأوروبي باتجاه ضرورة فرز التيارات الإسلامية المعتدلة من المتطرفة، بحيث يمكن دمج التيارات المعتدلة ضمن عملية الإصلاح السياسي لضمان الأمن الأوروبي وكإحدي الأدوات الاستراتيجية لمكافحة المد المتعاظم للحركات الإسلامية المرتبطة برؤى تنظيم القاعدة. وتنسحب هذه الرؤية على إدماج عدد من الحركات، منها حركة حماس، في النظام السياسي برغم قيامها بأعمال عنف، على اعتبار أن العنف الذي تمارسه يرتبط بالظروف المعيشية، في ظل الاحتلال وممارساته التي تمهد الطريق لخلق دائرة من العنف المتبادل. وبالتالي، نحت سياسة الاتحاد للتعامل مع الحركة كقوة أمر واقع دون الاعتراف بشرعيتها، نظرا للنزعة البرجماتية التي أظهرتها حماس في تعاملها مع الاتحاد ودورها في مواجهة قوى التطرف المرتبطة بالقاعدة. وهذه السياسة تعكس تطور رؤية الاتحاد باتجاه القبول بتمكين الحركات الإسلامية المعتدلة، سواء داخل أو خارج الاتحاد الأوروبي. محددات سياسة الاتحاد تجاه الحركات الإسلامية: حددت الدراسة ثلاثة محددات رئيسية كان لها تأثيرها في رؤية صانع القرار في الاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية. يتمثل أول تلك المحددات في المحدد الدولي الذي تمثل في البيئة الأمنية الجديدة بعد أحداث 11 سبتمبر بما تضمنته من بروز الإرهاب باعتباره التهديد الأكبر للأمن الدولي، وما طرح من استراتيجيات لاجتثاثه من خلال تغيير ظروف البيئة التي توفر له شروط نموه وانتشاره، وذلك بالاعتماد علي وسائل القوة الناعمة، ودعم الإصلاح السياسي، والمشاركة المجتمعية لكافة منظمات المجتمع المدني، بما فيها المنظمات ذات الخلفية الإسلامية التي تنبذ العنف وتتبني العمل السلمي وسيلة للتغيير. المحدد الثاني تمثل في محددات إقليمية، حيث غيرت الكثير من حركات الإسلام السياسي رؤيتها لمنهج التغيير الاجتماعي والتعددية، وانعكس هذا التغيير في التحول إلى نبذ العنف وتبني مبدأ المشاركة السلمية في النظام. ومن ثم، شهدت هذه المشاركة صعودا تدريجيا، كانت أهم مؤشراته زيادة عدد مقاعدها في البرلمانات العربية لتصبح المعارضة الأقوى في مواجهة النظم، وبذلك أصبحت هذه الحركات تفي بمعايير الاتحاد الأوروبي للاعتدال. وتمثلت المحددات الداخلية في تنامي إدراك أهمية إيجاد صيغة للاعتماد المتبادل والتعايش المشترك بين الاتحاد الأوروبي والحركات الإسلامية، خاصة مع تنامي ظاهرة الهجرة والتزايد المطرد لوجود الجاليات الإسلامية في دول الاتحاد، والذي أثار مخاوف لدى دول الاتحاد ترتبط بتغير التركيبة السكانية لدول الاتحاد وتداعيات هذا على هويتها. آليات سياسة الاتحاد تجاه الحركات الإسلامية: أشارت الدراسة إلى أن ممارسة الاتحاد تجاه الحركات الإسلامية اقتصرت على توظيف الآليات السياسية (الاتصالات) والثقافية (ندوات ومؤتمرات) مع غياب الآليات الأخرى، وأهمها الآلية الاقتصادية التي تمثل الآلية الأكثر فاعلية بين آليات السياسة الخارجية للاتحاد. في المقابل، فإن الآليات كانت أكثر كثافة وفاعلية في حالة حركة حماس، نظرا لخصوصيتها، بما انعكس على تعدد الآليات المستخدمة (اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية) والأهم توظيف الآلية الاقتصادية كآلية داعمة للآليات الأخرى. وتحولت سياسة الاتحاد من تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية إلي إمكانية إشراكها في العملية الديمقراطية وعملية السلام، وتأييد دعم حكومة فلسطينية تشترك فيها بما يدعم استقرار النظام، ويمنح عملية السلام دعما شعبيا يقود لاستقرار المنطقة، بما يشير إلى أن دعم وتمكين هذه الحركات أضحي أحد مكونات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. وخلصت الدراسة إلي أنه رغم محدودية آليات السياسة الخارجية للاتحاد تجاه الحركات الإسلامية في تحقيق نتائج حاسمة، فإنها حققت نجاحا في دفع هذه الحركات -خاصة حركة حماس- تجاه البرجماتية وانخفاض حدة العنف وتحقيق الاستقرار النسبي، ولكنها لم تنجح حتي الآن في دفع الحركة نحو الاعتراف الصريح بإسرائيل. أظهرت الدراسة أن التحدي الأهم الذي يواجه سياسة الاتحاد تجاه الحركات الإسلامية ينبع من تبعية السياسة الخارجية للاتحاد - تجاه الحركات الإسلامية - تقدما وتراجعا للسياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية، وكذلك المنطلقات المصلحية، والتي تدفع باتجاه الحفاظ علي علاقات وطيدة مع النظم السياسية. بجانب المناطق الرمادية في فكر الحركات الإسلامية فيما يتعلق بموقفها من الديمقراطية وطبيعة النظام الذي تستهدف إقامته، خاصة مع عدم التزام الحركات التي وصلت لسدة الحكم في فلسطين بقواعد العمل السياسي، مما أثار شكوك الاتحاد حول مدي التزامها الحقيقي بقواعد الديمقراطية.