د.مازن النجار \n\n انعقد مؤخراً في مدينة سياتل بولاية واشنطن، المؤتمر السنوي للكلية الأميركية للحساسية والربو وعلم المناعة، حيث شهد اللقاء تقديم الكثير من أوراق البحث التي أحاطت بالعديد من المستجدات في مجال الصحة البيئية، ومنها ما كشف عنه العلماء من اتساع نطاق التحسس من بعض أنواع الغذاء. وقد كان اللقاء فرصة لتسليط الضوء على بعض قضايا الصحة البيئية.\nورغم أن العلاج الوحيد الموثوق لمشكلة التحسس الغذائي الآخذة بالتفاقم حالياً هو التجنب الكامل للأغذية المسببة له، بيد أن هناك بعض العلاجات الجديدة الفاعلة يجري تطويرها على يد العلماء في الوقت الراهن، بحسب بيان الكلية الأميركية للحساسية والربو وعلم المناعة. \nوكان الدكتور سامي بهنا، أستاذ طب الأطفال، وخبير الحساسية والمناعة بجامعة لويزيانا، والمشارك في المؤتمر قد لفت إلى أن الدراسات المقارنة المرحلية لنفس السكان، وباستخدام نفس المنهجية، تظهر أن حساسية الغذاء، خاصة الحساسية التي يسببها الفول (الفستق) السوداني، قد ازدادت كثيراً.\nفي الولاياتالمتحدة، يقدر انتشار حساسية الغذاء بحوالي 3.7 بالمائة بين الراشدين و6 بالمائة بين الأطفال. فقد قدرت مقابلات هاتفية عشوائية أجريت عام2002 أن حساسية المكسرات والفول السوداني بين السكان تبلغ 1.2 بالمائة، أي ضعف النسبة التي أسفر عنها استطلاع مماثل أجري عام 1997.\nيذكر الدكتور بهنا أن أمراض الحساسية والربو في ازدياد، ومظاهر حساسية الغذاء الرئيسة تتزايد، بما فيها التهاب الجلد المستشرية، فرط الحساسية القاتلة، والاضطرابات المعدية المعوية المتصلة بكريات الدم البيضاء المعروفة بأليفة الأيوزين.\nويعزو الباحث أسباب زيادة حساسية الغذاء للبدانة وزيادة استهلاك الغذاء، والأغذية عالية التحسس كالسمك، والفول السوداني، والمكسرات، واللبن، والبيض، وفول الصويا، وانتشار مطاعم البوفيه المفتوح. وكذلك تنوع أصناف الغذاء وتفاعلاتها، مع مسببات حساسية مثل مادة لاتكس، والصراصير، وعثة الغبار، وحبوب اللقاح. وكذلك أطعمة تجارية بمكونات متعددة مغذية وغير مغذية مسببة للحساسية. وكذلك إدراج بروتينات غذائية في مركبات طبية تشخيصية، وعلاجية جلدية.\nوتشمل عوامل زيادة الحساسية للأغذية ارتفاع معدلات نجاة مرضى التهابات الجلد الاستشرائية بما يسمح بانتشار سماتهم الوراثية، افتقاد النظافة الشخصية، ولادات الجراحة القيصرية، واستخدام مضادات الحموضة، وتلقي الرضّع لفيتامينات متعددة.\nردود الفعل التحسسية قد تكون شديدة وربما قاتلة. العلاج الراهن امتناع صارم عن الغذاء المسبب، وذلك صعب التحقيق، ومعالجة ردود الفعل لدى حدوثها.\nالدكتور روبرت وود، أستاذ طب الأطفال والصحة الدولية بجامعة جونز هوبكنز، ذكر أن هناك ثلاثة مناهج قيد البحث والتطوير حالياً لعلاج حساسية الغذاء، وتضم الأجسام المضادة لبروتين المناعة (E)؛ وعلاجات الأعشاب الصينية؛ والعلاج المناعي.\nفالعلاج بأعلى جرعة من الأجسام المضادة لبروتين المناعة (E) يحمي 75 بالمائة تقريباً من المرضى من ردود فعل ناجمة عن التعرض العرضي للتحسس الغذائي، لكنه دواء وليس لقاحاً، ويجب أن يعطي بشكل مستمر. ورغم إمكانية استخدامه لأي تحسس غذائي، إلا أنه غير فاعل إذا كان المريض شديد التحسس، وهناك تحفظات حول سلامته وتكلفته.\nمن ناحية أخرى، بدأت مؤخراً أول دراسة تجريبية إكلينيكية على الفئران لعلاج حساسية الغذاء بتوليفية الأعشاب الصينية (FAHF-2). وقد أظهرت الدراسة أن ردود الفعل التحسسية على حالات متنوعة من حساسية الفول السوداني انخفضت انخفاضاً ملحوظاً بدون آثار جانبية لهذه التوليفة.\nالعلاج المناعي يحفز الجسم على تحمل المحسسات بدون ردود أفعال تحسسية، وذلك بإعطاء جرعات منها تزداد تدريجياً. مخاطر العلاج المناعي التقليدي لحساسية الغذاء (حقناً تحت الجلد بمسببات التحسس الغذائي) تفوق كثيراً فوائده، لكن المقاربات الجديدة قد تغير المعادلة .\nفهناك عدة دراسات أولية حول علاجات مناعية لحساسية الغذاء تؤخذ بالفم أو تحت اللسان أبدت نتائج مشجعة جداً، مع قوة الأدلة على زوال التحسس على الأقل في المدى القصير. وتظهر حصيلة البحوث الأولية أيضاً أن المحسسات المعدلة، كلقاحات الببتيد (هضميد) والأمصال المهجنة المحورة، تقدم علاجات جديدة واعدة.\nوكان مجموعة من المؤسسات المهتمة بأبحاث حساسية الغذاء، قد شكلت \"كونسورتيوم\" برعاية معاهد الصحة القومية (الأميركية)، قد كرست جهوداً ملموسة لدراسة الموضوع ضمن خطة تستغرق خمس سنوات من حيث المبدأ. ويجري العمل حالياً على ثلاث دراسات: إحداها لمراقبة الأطفال الرضّع المصابين بالأكزيما وحساسية الغذاء؛ وأخرى علاج مناعي بالبيض بطريق الفم؛ ودراسة ثالثة للعلاج المناعي بالفول السوداني تحت اللسان. وهناك دراسة رابعة يجري الإعداد لها حول سلامة لقاح مهجّن ضد التحسس من الفول السوداني.\nيتوقع الدكتور روبرت وود أن يكون التقدم في هذه الدراسات بطيئاً، لكن علاجاً حقيقياً فعالاً لحساسية الغذاء الحادة والمتواصلة سيتم تطويره في مدى عقد أو عقدين قادمين.\nيشار إلى أن حساسية الغذاء هو السبب الرئيس لحالة فرط التحسس Anaphylaxis؛ وهي بدورها أكثر صور ردود الفعل التحسسية قسوة، إذ أنها تؤثر سلباً على منظومات أعضاء (إنسانية) متعددة. ويمكن أن تشمل أعراضها ضيق في الصدر، والصفير، والغثيان، والقيء، والتشنج، وحساسية الجلد، وتورم الشفاه والمفاصل. لكن أخطر الأعراض هي صعوبات في التنفس، وتورم الحلق، وصفير الصدر، والدوار، وانخفاض ضغط الدم، والصدمة وفقدان الوعي، وهي أعراض يمكن أن تكون قاتلة. المرضى الذين يعانون من ردود فعل تحسسية حادة ينبغي أن يتمكنوا باستمرار من الوصول إلى حقن إبينفرين، وأن يتمكنوا بأنفسهم من استخدامها.