ولم تتعلم موسكو شيئا من درس الرئيس المصري الراحل أنور السادات في السبعينات عندما طرد الروس ووضع كل الأوراق في يد الأميركيين، وبالأمس القريب ذهب الرئيس بوتين يراهن على الجزائر الصديق القديم فجاءته الصدمة مبكراً عندما أعادت الجزائر الطائرات التي اشترتها من روسيا عام 2006 لها لتشتري غيرها من فرنسا بأضعاف ثمنها، رغم عدم مقارنة الطائرة الفرنسية الضعيفة بالمقاتلة الروسية ميج 29. \r\n \r\n \r\n والآن يأتي دور الصديق العربي الآخر الذي وضع عليه الكريملين رهانات كثيرة، فبعد أن أعفت موسكو سوريا بشار الأسد من الديون وأعطته السلاح ودعمته في المحافل الدولية لدرجة أن الرئيس بوتين حذر واشنطن وتل أبيب علنا بأن روسيا لن تتركهم يضربون سوريا، فجأة يغير بشار الاسد رهاناته ليضعها في يد الأميركيين. \r\n \r\n \r\n قال الرئيس السوري بشار الأسد في حديث لصحيفة «الوطن» القطرية نقلته وسائل الإعلام السورية فيما بعد إنه يشك في إمكانية عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في العاصمة الروسية. وأضاف أن هذا المؤتمر حتى لو عقد فلن يكون ناجحا. ومن المثير للدهشة أن هذا الكلام يصدر عن رئيس الدولة التي تعتبر من أقرب شركاء روسيا في الشرق الأوسط. \r\n \r\n \r\n إن الدول العربية التي أبدت تأييدها لفكرة عقد مؤتمر للسلام ملت الانتظار حيث كان من المقرر عقد المؤتمر في مارس - أبريل في حين يجري الحديث الآن عن عقده في يونيو - يوليو، وحتى لو أعلن عن موعد عقد المؤتمر وتنظيمه فستحوم شكوك كثيرة حول خروجه بنتائج ملموسة إذا كان العرب أنفسهم الذين تقف موسكو بجانبهم لا يؤمنون بالدعم الروسي ويتسللون الواحد تلو الآخر نحو واشنطن. \r\n \r\n \r\n لا ترغب موسكو في التخلي عن فكرة عقد المؤتمر، ولكنها لا تريد أيضاً أن يكون اللقاء مجرد فعالية استعراضية خطابية. وهذا هو أحد الأسباب التي لم تشجع موسكو على الإعلان عن موعد عقد المؤتمر إلى حد الآن. \r\n \r\n \r\n يقول الأسد إن الولاياتالمتحدة تلعب الدور الرئيسي في التسوية في الشرق الأوسط. أما موسكو فهي لم تستطع الضغط على إسرائيل في عهد الاتحاد السوفييتي السابق. \r\n \r\n \r\n ولا تستطيع أن تضغط عليها الآن. ونستنتج من كلام الرئيس السوري أن جهود موسكو لتحقيق السلام في الشرق الأوسط لن تعطي النتائج المرجوة بغض النظر عن صدق رغبة روسيا في ذلك. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ولكن هل روسيا المسؤولة عن ذلك أم أن المسؤولية أيضاً يشارك فيها العرب الذين لا تعرف بوصلتهم سوى اتجاه واحد نحو واشنطن. \r\n \r\n \r\n لقد بذلت روسيا جهودا كبيرة من أجل إبقاء المسار السوري على جدول أعمال التسوية الشرق أوسطية في حين تولت تركيا في آخر المطاف دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل، وكان من الممكن لموسكو أن تقوم بهذه الوساطة بشكل أفضل ولصالح سوريا والعرب، ولكن العرب هم الذين رفضوا، والسبب في رفضهم ليس لأنهم لا يثقون في الدور الروسي، ولكن للأسف الشديد أنهم لا يريدون أن يكونوا أقوياء في تفاوضهم مع واشنطن، إنها في الحقيقة ليست أزمة قوة بقدر ما هي أزمة أنظمة. \r\n \r\n \r\n ليس صحيحا أن الدور الروسي بلا فاعلية، ولو كان هذا صحيحا لكانت الضربة العسكرية الأميركية لإيران قد تمت منذ عام أو عامين، ولكن الفارق كبير بين النظام الإيراني الذي أجاد الاعتماد على حليفه الوحيد على الساحة روسيا فاستطاع الصمود وبقوة لدرجة أنه يستعرض قوته ويعتبر نفسه منتصرا على أميركا، وبين أنظمة لا تثق في شيء، لا في قوتها ولا في أصدقائها، ولا نريد أن نقول حتى في شعوبها. \r\n \r\n \r\n لأول مرة في تاريخ العلاقات السورية الروسية يتحدث الأسد بصراحة عن موقفه تجاه روسيا كأحد أعضاء اللجنة الرباعية للتسوية في الشرق الأوسط إلى جانب الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومما لا شك فيه أن الأسد لم يأت بأي شيء جديد بقدر إعلانه عن موقف سوريا تجاه التسوية في الشرق الأوسط. لقد تبنى الرئيس السوري هذه الإستراتيجية منذ فترة طويلة، ولكنه لم يتحدث عنها بشكل علني إلا الآن. \r\n \r\n \r\n لقد أقدم الرئيس الأسد على الإفصاح عن رأيه في روسيا. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: ما الذي تعول عليه دمشق؟ هل تعتقد دمشق أن واشنطن ستستقبلها بالأحضان؟ لا بد من القول إن احتمال مثل هذا اللقاء الحميم ممكن التحقق، ولكن ليس الآن بل بعد مرور فترة ما. \r\n \r\n \r\n وذلك يتطلب من الرئيس الأسد أيضاً التخلي عن بعض مبادئه السياسية أو تغييرها. وقد تطالب الولاياتالمتحدة سوريا بتقديم بعض التنازلات السياسية والاقتصادية، مثلا التخلي عن برنامج سوريا النووي كما فعل القذافي في ليبيا. علما أن سوريا تنفي وجود مثل هذا البرنامج لديها إلى حد الآن. \r\n \r\n \r\n وأيضا الكف عن التدخل في الشؤون اللبنانية، وخاصة دعم حزب الله في السر والعلن، ومن المؤكد أن الأمر سيتطلب من دمشق تبني نهج الانفتاح الاقتصادي كما فعل السادات في مصر في سبعينات القرن العشرين. وربما ستظهر شروط أخرى جديدة لقبول سوريا في صف حلفاء الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. \r\n \r\n \r\n العرب يعرفون جيدا أن السلام مع إسرائيل ثمنه باهظ جدا ويتطلب تضحيات كبيرة، لكنهم يتحججون دائما بأن الخيار محدود أمامهم، وأكثر من ذلك يتحججون بأن الأمر هو استجابة لمطالب الشعوب التي لا تريد الحرب وتريد السلام، ولكن هذا في الحقيقة حق يراد به باطل، فقد ثبت أنه كلما سعى العرب للسلام مع إسرائيل كلما زاد التعنت والتهديد الإسرائيلي، وكلما زاد البطش والجبروت والجرائم الإسرائيلية التي لا يدفع ثمنها سوى الأبرياء من الشعوب العربية. \r\n \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي روسي \r\n \r\n